د. رؤوف الانصاري
كان لكربلاء دور بارز في ثورة العراق والمطالبة بحريته واستقلاله سنة 1338هـ (1920م) وذلك لأن المرجع الديني الأكبر الشيخ محمد تقي الحائري الشيرازي آثر الإقامة في كربلاء لقيادة الحركة المناهضة لسلطة الاحتلال. وبذلك أصبحت هذه المدينة المقدسة العاصمة لحكومة الثورة التي إمتدت سلطتها الى جميع المدن والقصبات والأرياف في عموم مناطق الفرات الاوسط.
وفي غمرة الاحداث التي تطورت نتيجة استياء الشعب من سلطة الاحتلال البريطاني رأت الحكومة البريطانية أن تمتص غضب المعارضين فأصدرت لهذا الغرض أوامرها لوكيل الحاكم الملكي العام في بغداد ليقوم بالتعرف على آراء العراقيين في شكل الحكم الذي يريدونه، وذلك بإجراء استفتاء عام. وحاولت سلطة الاحتلال أن تجري الاستفتاء طبقا لرغبتها. ولكنها فشلت في المدن المقدسة ولاسيما كربلاء، نتيجة الفتوى الشهيرة التي أصدرها المرجع الشيخ محمد تقي الشيرازي وتأييد العلماء المجتهدين في كربلاء والنجف والكاظمية لها والتي نصت على أنه “ليس لأحد من المسلمين أن ينتخب ويختار غير المسلم للإمارة والسلطنة على المسلمين”.
وأخذ جمع كبير من علماء الدين وزعماء العشائر يأمون هذه المدينة لتلقي التعليمات والأوامر من القيادة الدينية وتدارس الوضع في العراق، وكانت الاجتماعات تعقد لهذا الغرض. وعقد أحد الاجتماعات السرية في دار المرجع الديني الشيخ محمد تقي الحائري الشيرازي لتداول أمر الثورة مما كان له أثره البعيد في اتساع نطاقها واستمرارها في أكثر المدن العراقية.
ولكن بعد بضعة أشهر، بدأت الثورة تخمد رويدا رويدا لأسباب عديدة من أهمها وفاة المرجع الديني الشيخ محمد تقي الحائري الشيرازي في 14 آب 1920م وقيام سلطة الاحتلال بمناشدة الثوار التفاوض معها مما ادى إلى اختلاف في وجهات النظر. وحدث في هذا الوقت بالذات أمر خطير آخر وهو أن الذخيرة بدأت تنفذ مما كان له أثره البعيد في إضعاف الثورة ثم توقف القتال.
ولم تجد سلطة الاحتلال بدا تحت تأثير وضغط الجماهير المطالبين باستقلال العراق من ترشيح الأمير فيصل بن الحسين شريف مكة المكرمة لعرش اعراق. وقد حملته طرادة بريطانية إلى البصرة فوصل إليها في 23 حزيران 1921م، ومنها تحرك بواسطة القطار فنزل مدينة الحلة ومنها ذهب إلى الكوفة والنجف. وفي صباح 27 حزيران 1921م توجه الأمير فيصل وحاشيته من مدينة النجف إلى كربلاء ولم يكن في استقباله علماء الدين البارزون، وقد قضى يوما واحدا في كربلاء زار فيه مرقدي الإمام الحسين (ع) وأخيه العباس (ع).
وفي صباح 28 حزيران 1921م غادر كربلاء إلى بغداد وبعد ثلاثة أسابيع من وصوله نادى به نجلس وزراء الحكومة المؤقتة التي كانت برئاسة عبد الرحمن النقيب ملكا على العراق بالإجماع.
وفي 11 آذار سنة 1922م، أي بعد حوالي 7 أشهر من تتويج الملك فيصل ملكا على العراق، أغارت قوة كبيرة من الوهابيين على بعض العشائر في الناصرية جنوب العراق فقتلت حوالي سبعمائة شخص ونهبت الكثير من البيوت ودمرتها.
وعلى أثر ذلك دعا علماء الدين الشيعة إلى عقد مؤتمر في كربلاء المقدسة في نيسان 1922م وبمناسبة زيارة النصف من شعبان للاحتجاج على غارات الوهابيين. وقد صدرت عن المؤتمر مقررات أهمها المطالبة بالجلاء البريطاني التام عن العراق وإلغاء الانتداب. وكان من أبرز علماء الدين الضين دعوا إلى هذا المؤتمر الشيخ مهدي الخالصي.
وفي 25 حزيران سنة 1922م صادق مجلس الوزراء برئاسة عبد المحسن السعدون على عقد أول معاهدة عراقية بريطانية. وما أن أعلنت على الناس حتى بادرت الحكومة الى انتخاب المجلس التأسيسي، فصدرت الإرادة الملكية لهذا الغرض في 24 تشرين الأول من نفس السنة.
ولقد اتخذ رجال الدين والوطنيون موقفاً موحداً في معارضة تنفيذها، وصدرت الفتاوى من قبل العلماء في كربلاء والنجف والكاظمية بتحريم الاشتراك في الانتخابات). وحينما حاولت الحكومة البدء بالانتخابات من جديد في 12 تموز سنة 1923م لم تنجح أيضا بسبب رفض الشيعة تشكيل اللجان الانتخابية. وذلك استقالت وزارة عبد المحسن السعدون، فألف الوزارة الجديدة جعفر العسكري في 22 تشرين الثاني سنة 1923م، وكانت تضم بين وزرائها الثمانية وزيرين من كربلاء).
وفي السابع من أيلول سنة 1933 م توفي الملك فيصل الأول في سويسرا حيث ذهب إليها لغرض العلاج. وفي اليوم التالي لوفاته توج ابنه الوحيد غازي ملكا على العراق. وقد شهدت فترة حكمه 1933- 1939 م اضطرابات وانتفاضات عشائرية وانقلابات عسكرية متعددة.
وفي سنة 1936م قامت عشائر الفرات الأوسط بحركتها ضد وزارة ياسين الهاشمي. وكان لكربلاء دور مهمم في اجتماعات قادة الحركة ورؤساء العشائر. ونتيجة لتلك الاجتماعات خرج ميثاق أسموه (ميثاق الشعب) يدعو إلى المطالبة بحقوقهم، وقد بارك هذا الميثاق الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء ووقع عليه عدد كبير من رؤساء عشائر الفرات الأوسط في الحلة وكربلاء والديوانية والناصرية.
وعلى أثر هذه الحركات قام الجيش بانقلاب عسكري بقيادة الفريق بكر صدقي في 29 تشرين الأول سنة 1936م لتغيير حكومة ياسين الهاشمي وقد وافق الأخير على تقديم استقالته بعد ضغوط كثيرة من الانقلابيين.
وفي 3 نيسان سنة 1939م عن مصرع الملك غازي بحادث اصطدام سيارة كان يقودها بنفسه. وقد وقع الحادث في ظروف غامضة. وقد تقرر في نفس الليلة تنصيب ابن الملك غازي الوحيد فيصل الثاني ملكا على العراق ونصب خاله الامير عبد الإله وصيا على العرش وذلك لصغر سن الملك.
وفي هذه الفترة أخذ قادة الجيش يتدخلون في شؤون البلاد وسياسة الحكومة. وقد نجح رشيد عالي الگيلاني في كسب ودهم وقام بحركة عسكرية على حكومة نوري السعيد وشكل حكومة الائتلاف الوطني في 31 آذار سنة 1941م. وفي هذا الوقت حدثت أزمة بين الحكومة الجديدة والحكومة البريطانية أدت إلى نشوب الحرب العراقية البريطانية، وقد خرجت المظاهرات في كربلاء تؤيد هذه الحكومة وقيام الجيش العراقي بحركته الوطنية ضد مطامع الإنكليز.
وفي وثبة كانون سنة 1948م كان لكربلاء دور في هذه الوثبة حيث قامت المظاهرات الطلابية مخترقة شوراع المدينة هاتفة بسقوط وزارة صالح جبر ومعاهدة بورتسموث.
وأثناء تشييع جثمان جعفر الجواهري في كربلاء، قامت الشرطة باعتقال عدد كبير من أهالي المدينة.. وأثناء انتفاضة الشعب العراقي في تشرين سنة 1952م ضد حكومة نور الدين محمود العسكرية التي أعلنت الأحكام العرفية فور تسلمها الحكم كان لكربلاء دور أيضا في هذه الانتفاضة حيث خرجت المظاهرات في شوارع المدينة تأييدا لها، وبفعل الضغط الكبير من أبناء الشعب قدمت حكومة نور الدين محمود استقالتها وألغيت الأحكام العرفية.
وعلى أثر الاعتداء الثلاثي على مصر سنة 1956م هبت جماهير الشعب العراقي لنجدة مصر وشعبها، وكانت كربلاء في مقدمة تلك المدن التي ساهمت في هذا الشأن، وقاومت السلطة الحاكمة آنذاك فقامت فيها مظاهرة كبيرة اشترك فيها أبناء المدينة بكافة فئاتهم وكانوا يهتفون بسقوط الحكومة العراقية والمطالبة بمساندة مصر، مما أدى إلى اعتقال عدد كبير من أهالي المدينة..
عن كتاب (كربلاء الحضارة والتاريخ)
اقرأ ايضا
نص نادر..تاريخ مطبعة الحكومة في الموصل
رفائيل بطيأسست مطبعة الحكومة في الموصل – وكانت تسمى مطبعة الولاية في العهد العثماني – …