عندما أصبح فؤاد عارف متصرفا للواء كربلاء..كيف أيدت كربلاء ثورة 14 تموز 1958؟

إعداد د: سعد سوسه
التحق فؤاد عارف في الخامس عشر من تموز بمنصب متصرف لواء كربلاء، اذ صدر في اليوم الاول للثورة المرسوم الجمهوري رقم (6) الذي يقضي بتعيين فؤاد عارف متصرفا للواء كربلاء، ويعد فؤاد عارف المتصرف رقم (34) من المتصرفين الذين تولوا هذا المنصب منذ تشكيل اول حكومة عراقية في عام 1920، وبذلك التعيين غادر فؤاد عارف الحياة العسكرية الى مجال العمل المدني، اذ احيل على التقاعد وفقا لقانون التقاعد العسكري، مع عدد من الضباط ممن تولوا وظائف مدنية بعد الثورة. اما سبب اختياره لهذا المنصب فكان اولا وقبل كل شيء تكريما له من قادة الثورة، على اعتبار انه كان من الضباط المؤيدين لتنظيم الضباط الاحرار قبل الثورة وبعدها، على الرغم من عدم انضمامه اليهم بشكل رسمي، فضلاً عن علاقته القوية بعبد الكريم قاسم الذي اصبح الرجل الاول في العراق آنذاك. كما جمعت فؤاد عارف علاقات مودة واحترام باهالي كربلاء منذ عام 1947 كما ذكرنا سابقا، وهناك من يرجح اختياره لهذا المنصب لأنه ينحدر من اسرة علوية (السادة البرزنجية) ويذكر فؤاد عارف في هذا السياق موضحا: ((لقد كان عبد الكريم قاسم يعرف موقف اهالي المحافظة، لا سيما رجال الدين الافاضل مني (فؤاد عارف)، لذا فقد فضل ان اكون متصرفا لها (كربلاء) ولمحاولة كسب تأييد رجال الدين للثورة..)).
استهل فؤاد عارف عمله في كربلاء، بالقيام بمهمة الحصول على تاييد علماء الدين في كربلاء والنجف للثورة، اذ تم تكليفه بهذه المهمة من قبل عبد الكريم قاسم، على اثر لقاء الاخير بسفير الولايات المتحدة الاميركية في بغداد، الذي حضر في مساء يوم الخامس عشر من تموز عام 1958 الى مبنى وزارة الدفاع، الذي اتخذه عبد الكريم قاسم مقرا له، والتقى بعبد الكريم قاسم وعبد السلام محمد عارف، وخلال اللقاء اثار السفير الامريكي موضوع عدم تأييد قسم كبير من الشعب العراقي للثورة، اذ اعرب لهما ان اعتراف حكومته بالوضع الجديد في العراق يتوقف على تأكدها من التأييد الشعبي للثورة.
قام فؤاد عارف بالذهاب الى علماء الدين في النجف للحصول على تأييدهم للثورة، مصطحبا معه قائمقام قضاء النجف (محافظة النجف حاليا) السيد (تقي القزويني) وكان الاخير قد تلقى اتصالا مباشرا من وزارة الدفاع لتسهيل تلك المهمة، لما كان يتمتع به من علاقات طيبة مع علماء النجف، فكان له دورا كبير في مساعدة فؤاد عارف في الحصول على تأييد علماء الدين للثورة، وبذلك تمكن فؤاد عارف من انجاز اول وأهم عمل قام به حين كان يشغل منصب متصرف لواء كربلاء، فقد طمأن علماء الدين من اهداف الثورة ونيات القائمين عليها، فجاءت كتب التأييد على شكل رسائل تحريرية وبرقيات لمؤازرة الثورة والحكومة الجمهورية.
وفي الرابع والعشرين من تموز عام 1958، قام فؤاد عارف بزيارة وزارة الدفاع بصحبة السيد تقي القزويني، حاملا معه رسائل التأييد التي بعث بها علماء النجف و كربلاء للثورة وعند وصوله الى هناك كان عبد الكريم قاسم مجتمعا بالسفير الاميركي في بغداد، فطلب فؤاد عارف من المقدم (وصفي طاهر) الذي كان مرافقا لعبد الكريم قاسم، ان يدخل عليه ويبلغه بأن يخرج اليه، لان هناك امراً مهماً يجب ان يطلع عليه، اذ ابلغه الاخير بنجاح مهمته في الحصول على تأييد علماء النجف وكربلاء، فشكر عبد الكريم قاسم فؤاد عارف على ذلك، وقال له بانه سوف يقول للسفير الاميركي: (افتح اذاعة بغداد هذا المساء، الساعة الثامنة، واصغ الى تأييد علماء الدين الافاضل لثورتنا). وبعد انتهاء اجتماع عبد الكريم قاسم بالسفير الاميركي، جلس فؤاد عارف مع عبد الكريم قاسم ووزير الارشاد (محمد صديق شنشل) ولد في الموصل عام 1910، ينتمي لأسرة معروفة في الموصل، اكمل دراسة القانون في جامعة السربون في باريس، اصبح مديرا عاما للدعاية خلال انتفاضة عام 1941، اذ اشتهر بخطبه الوطنية ضد البريطانيين، ساهم في تأسيس حزب الاستقلال ذي التوجه القومي العربي في عام 1946، شغل منصب وزير الارشاد في اول وزارة بعد ثورة 14 تموز 1958، واستقال من منصبه في شباط عام 1959، توفي ببغداد عام 1989 ودفن فيها.، اذ طلب عبد الكريم قاسم من وزير الارشاد كتابة رسائل شكر جوابية لعلماء الدين كل حسب درجته، كما طلب منه اذاعتها مع رسائل التأييد التي بعثوا بها، وتجدر الاشارة الى ان رسائل التأييد تلك ترجمت الى اللغة الانكليزية، واذيعت في وسائل الاعلام باللغتين العربية والانكليزية، التي تمت اذاعتها في السابع والعشرين من الشهر نفسه، ويبدو ان ذلك الاجراء جاء لكي يتأكد الاميركيون من تأييد غالبية الشعب للجمهورية التي جاءت بها الثورة، كي يعترفوا بها اعترفت الولايات المتحدة الاميركية بالحكومة العراقية الجديدة في الثاني من اب عام 1958، بعد يوم واحد من اعتراف بريطانيا بها.
ومن ابرز العلماء الذين التقاهم فؤاد عارف، بغية كسب تأييدهم للثورة
السيد (محسن الحكيم). تشكل مجلس السيادة في الرابع عشر من تموز عام 1958، ليقوم بمهام رئيس الجمهورية، اذ نصت المادة العشرون من الدستور المؤقت الذي اصدرته حكومة الثورة على ان يتولى رئاسة الجمهورية مجلس السيادة ويتألف من رئيس وعضوين، واعلن ذلك حين اذيع البيان رقم (2) الصادر في اليوم نفسه، وتألف مجلس السيادة من: الفريق الركن محمد نجيب الربيعي رئيسا وخالد النقشبندي ومحمد مهدي كبة اعضاء. الذي بارك الثورة وايدها من خلال الرسالة التي بعث بها الى (مجلس السيادة) ورئيس الوزراء عبد الكريم قاسم، اذ عبر فيها عن تمنياته لهم بحسن التوفيق لخدمة الدين والاسلام، والمحافظة على الصالح العام، وطالبهم بضرورة اقامة العدل بين الناس والعطف عليهم، كما حذرهم من الاستفراد بالحكم، موضحا ان: (الظلم والاستئثار من اكبر عوامل الدمار)
كذلك اعرب الشيخ (عبد الكريم الجزائري)في رسالته التي حملها فؤاد عارف الى عبد الكريم قاسم، عن امله في ان يكون عهد الجمهورية (عهدا مباركا تسوده العدالة الاجتماعية والمساواة والقيم الروحية، ليشعر الفرد بقيمته كمواطن له حريته وكرامته في حدود ما امر الله..)، فضلا عن ذلك فقد التقى فؤاد عارف بعدد من علماء الدين البارزين في النجف وكربلاء حينذاك، والذين باركوا وايدوا الثورة وهم كل من الشيخ عبد الكريم الزنجاني، والسيد محمد الحسني البغدادي، والسيد علي بحر العلوم، والشيخ علي محمد رضا كاشف الغطاء.

اقرأ ايضا

نص نادر..تاريخ مطبعة الحكومة في الموصل

رفائيل بطيأسست مطبعة الحكومة في الموصل – وكانت تسمى مطبعة الولاية في العهد العثماني – …