بمناسبة تجديد شارع الرشيد..خوف شعبي قديم من تغيير ملامح أقدم شارع ببغداد

رفعة عبد الرزاق محمد
ان الوعي بحماية الشارع والحفاظ على تراثه، قد بدأ منذ ثلاثينيات القرن الماضي، فمما ذكره المرحوم محمود صبحي الدفتري في بعض ما املاه، انه في عهد امانته للعاصمة في الثلاثينيات اراد توسيع شارع الرشيد في بعض مناطقه، الا انه واجه معارضة شديدة، فرد على منتقديه انهم سيندمون على معارضتهم في المستقبل!، وفي عام 1946 بدأت امانة العاصمة في تطوير شارع الرشيد، الا انها اختارت وسيلة هدم بعض المؤسسات التراثية، ومنها جامع مرجان فقد كانحائط الجامع على الشارع كبيرا وجميلا، الا ان معاول الهدم لم تبقي عليه، مما اثار حملة نقد كبيرة لجرأة الامانة بهدم هذا الاثر الذي يرقى الى العهد المغولي، ولعبت جريدة (صوت الاهالي) دورا كبيرا في ذلك. وكان المقال الشهير لصاحبها الاستاذ كامل الجادرجي، تحت عنوان (هدم جامع مرجان بآثاره الفريدة جناية على الفن) حديث الرأي العام، فبعد حديثه عن تارخ بغداد الغني الحافل وفقره بالوقت نفسه بآثاره القديمة، قال:
… فوجيء الناس بهدم الجامع والظاهر ان امين العاصمة الذي اعتبر هذه القضية قضية شخصية، عد نفسه مخذولا، فجدد نشاطه، واستعمل نفوذه الشخصي لدى الوزارة الحاضرة التي لم تعتبر قرار الوزارة السابقة بهذا الشأن قرارا نهائيا، فأستصدرت قرارا مستعجلا بهدم الشارع. وكم كانت دهشتي عظيمة عندما رأيت العمال يهدمون البناء من دون ان تكون هناك عناية بالمحافظة على تلك الاثار النفيسة، فكانت الكتابات والزخارف تتحطم وتنهار تحت الانقاض من غير ان يكون هناك مراقبة ما من جانب مديرية الاثار، فذهبت الى تلك الدائرة مستفسرا عن هذا العمل الشائن، فقيل لي انه لم يكن للدائرة سابق علم بهذا القرار الاخير، وانها في تلك الحالة لم تتمكن من انقاذ تلك الاثار الا بنسبة ضئيلة، وهكذا تلاشى هذا الاثر النفيس نتيجة قرار طائش.
والحقيقة ان تجميل المدن اصبح فنا رفيعا يحتاج الى ثقافة واسعة ودراسة شاملة، بالاضافة الى الاختصاص والتنظيم فيما يتعلق بالفن المعماري وتاريخ المدينة التي يراد تجميلها او اعادة تنظيمها، والصفة الخاصة التي تمتاز بها ايضا. فليس تجميل المدينة معناه تخطيط الشوارع بالمسطرة من دون الالتفات الى ما يجب صيانته من اثار نفيسة قيمة ان وجدت… فحتى في المدن التي لا تعترض الاثار التاريخية تخطيطها اصبح التخطيط يعين بموجب انحرافات اصطناعية خشية ان تكون الاستقامات الطويلة مملة، وبهذا الاعتبار لا يتطلب تجميل مدينة بغداد نفسهاان تكون شوارعها على هذه الاستقامة المملة، بل كان يجب ان تراعى فيها قبل كل شيءالمحافظة على البقية الباقية من لآثارها القديمة. (صوت الاهالي 9 نيسان 1946).
اني اخشى على الشارع بعد تصاعد صيحات المطالبة بأصلاح امره، او التسرع بأتخاذ القرار، من خيال التطوير وتجريبية الشركات الهندسية التي يعهد اليها تنفيذ عملية التطوير المعماري. فالشارع وحدة واحدة ليست لها صلة بما حولها من محلات وجسور، فتلك لاتتصل مع الشارع الا بمنافذ محددة، والحديث عنها ليس محله هنا.
ومنذ البدء، كانت للشارع حكاية معمارية متميزة، فلم تعرف بغداد قبل فتح شارع الرشيد عام 1916، سوى شارع ضيق يمتد من سوق الخفافين وينتهي عند رأس جسر الاحرار، هو ما يدعى بشارع المستنصر او النهر. ولعله من بقايا دار الخلافة العباسية التي كانت تضم قصور الخلفاء و حريمهم وما يتصل بمقر الخليفة. وتذكر كتب الخطط البغدادية انها كانت تمتد من شارع السمؤل (البنوك) حتى محلة المربعة وتطل على دجلة, وهو على اية حال لايمكن تسميته بشارع، او قل انه زقاق عريض على غير ما عرف في ازقة بغداد.

اقرأ ايضا

كربلاء في عام 1923 كما تصفها الليدي دراور

حسين هاشم الطعمةمن المهم جدا ان ندرس عن كثب الرحالة الاجانب عما كتبوه في مذكراتهم …