اشهر المدارس المسيحية في بغداد في العهد العثماني..مدرسة الأتفاق الكاثوليكي الشرقي

جاسم محمد رجب
لم ترغب الطوائف المسيحية بإدخال أبنائها في مدارس الحكومة العثمانية رغم فتح هذه المدارس أبوابها لهم دون أي تمييز بينهم وبين المسلمين , ولم يكن من صالح الدولة أن تترك الأمر على حاله, لذا قامت في عام 1869 , بإصدار نظام المعارف العمومية.الذي ضمبعض الشروط والبنود التي تنظم شؤون مدارس هذه الطوائف التي منحتها الحرية في تأسيس المدارس الخاصة بها وقد عرفت المادة (129) المدارس الخاصة الأهلية»بانها المدارس التي تقام من قبل الطوائف الدينية أومن قبل أفراد الدولة أوالأجانب ورعاياها».
واشترط في تأسيس المدارس غير الإسلامية الحصول على الرخصة الرسمية من مديرية معارف الولاية ، على أن يرفق طلب التأسيس شهادات المعلمين وجداول الدروس والنظام الداخلي والمناهج الدراسية ، لكي لا تطالع في هذه المدارس دروس ومفاهيم مغايرة للآداب والسياسة كما الزم مؤسسي المدارس الخاصة أن يتم تمويلها من قبل طوائف أوأشخاص من تبعية الدولة العثمانية أو من الأجانب , ومن المفيد الإشارةأن المادة (129) لم تفّعل ولم تنفذ بنودها على الأجانب والطوائف غير الإسلامية , فاستمرت هذه المدارس القيام بنشاطاتها التعليمية دون الاكتراث لمعظم ما كان يصدر من الدولة بشأنها.
أسست الطوائف المسيحية مدارس مختلفة خاصة بها في ولاية بغداد ,وكانت ملكيتها تعود إلى الأقليات المسيحية البارزة في بغداد من السريان والكلدان والأرمن.
وفي عام 1870 أسست الطوائف المسيحية مدرسة في بغداد لتعليم أطفالها, بعد أن تم جمع مبالغ من المال تبرع بها أهالي ولاية بغداد والألوية التابعة لها وبعض الأعيان من المسلمين والمسيحيين , وهذا يعني أن أهالي الولاية بغض النظر عن فئاتهم الاجتماعية أو دياناتهم ساهموا في إنشاء هذه المدرسة, كما ساهم في التبرع وكيل القنصل الفرنسي في بغداد ومترجم القنصلية الفرنسية والقنصل الإنكليزي وطبيب القنصلية الإنكليزية,لم يتم الإشارة في المصادر التي أرخت لهذه المدة تبعية المدرسة وإدارتها لأي طائفة من الطوائف المسيحية.
بموجب معاهدة برلين التي أبرمت عام 1878 بين الدولة العثمانية والدول الأوربية المتمثلة ببريطانيا وفرنسا , أفادت الأقليات الدينية في الدولة وبضمنها الطوائف المسيحية من الامتيازات الأجنبية التي منحتها الدولة العثمانية لبريطانيا وفرنسا , وبموجب تلك الامتيازات شرعت الطوائف المسيحية بإقامة مؤسسات ثقافية خاصة بها مدعومة من قبل أفرادهاأو من قبل البعثات التبشيرية الأجنبية.
وتوالت إقامة المدارس في بغداد , وكانت من اشهر المدارس التي أسستها الطوائف المسيحية الثلاث , الكلدانية والسريانية والأرمنية في عام 1878 مدرسة ” الاتفاق الكاثوليكي الشرقي “.إذ تم تأسيسها على اثر الاتفاق المبرم بين رئيس الطائفة السريانية المطران اثناسيوس روفائيل جرخي ورئيس الطائفة الكلدانية المطران ميخائيل نعمو, ورئيس طائفة الأرمن الكاثوليك الخوري فيلبس مغاكيان, وكانت الدراسة فيها بمستوى الدراستين الابتدائية والرشدية.
أولت المدرسة اهتماما كبيرا بتدريس اللغات منها الكلدانية والسريانية والأرمنية , فضلا عن تدريس اللغة العربية , واللغة الإنكليزية , واللغة الفرنسية , واللغة التركية وكان تدريس اللغات المذكورة بحسب قواعدها المألوفة , فيدرس الصرف , والنحو , والمعاني , والبيان , والبديع , والإنشاء , والشعر , كما تضمن منهاجها الدراسي العلوم الحديثة وهي : الجغرافية , والتاريخ , والحساب , ومسك الدفاتر , والجبر , والمساحة , والهندسة , والمنطق, والفلسفة العقلية , وكان البعض من هذه العلوم تدرس باللغات الإنكليزية والفرنسية والتركية.
ولكن مواد الدراسة فيها قد قلصت بعد ذلك بصورة كبيرة والغي تدريس العلوم الحديثة نتيجة للاتجاه الديني في منهاجها , الأمر الذي جعل هذه المدرسة تتخصص في إعداد طلبتها كرجال دين , إذ قامت منذ أواخر الثمانينات من القرن التاسع عشر بإرسال عدد من طلبتها للدراسة في المدارس الإعدادية الدينية في ولاية الموصل .
وقد بلغ عدد طلبة المدرسة عام 1880 زهاء (200) طالبٍ من أبناء الطوائف السريانية والكلدانية والأرمنية من الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس، فضلاً عن عدد من أبناء المسلمين . وينقسم هؤلاء الطلبة على ثلاث طبقات او مدارس وكل طبقة تحتوي على صفوف تتفاوت بدرجات بحسب عدد طلاب كل طائفة ، وكانت المدرسة تعتمد بشكل كبير علىالأجور الدراسية الشهرية المستحصلة من الطلبة , ومن ريع وقفيات المدارس للطوائف الثلاث المتحدة , وما تدفعه رؤساء الطوائف المتحدة شهريا , فضلا عن المساعدات المانحة من قبل الأفراد , أي مما يجمع من الأجانبمن داخل وخارج البلد , وفي حال حصول العجز المالي للمدرسة تدفعه الطوائف الثلاث بالتساوي , إذ تدفع كل طائفة ثلث العجز للمدرسة.
ازدهرت مدرسة الاتفاق الكاثوليكي الشرقي ازدهارا باهرا على عهد مديرها الأول الشماس فرنسيس اوغسطين جبران , وتخرج منها بعض التلاميذ الذين امتازوا بعلمهم وأدبهم , وساهموا مساهمة فعالة في النهوض بالحركة الفكرية والأدبية , واصبحوا فيما بعد منأركان النهضة الحديثة في العراق. وكان من ابرزهمالأبانستاس ماري الكرملي , ودير نرسيس صائغيان, والمنسنيور عبد الأحد جرجي , ويوسف غنيمة , والقس اوغسطينمرمرجي , ويعقوب ميخادانو , ورزوق عيسى .
استمرت مدرسة الاتفاق الكاثوليكي الشرقي حتى عام 1894 , بعد أن انفصم عرى اتفاقها وعادت فانقسمت على ثلاث مدارس .
فتحت المدرسة السريانية أبوابها عام 1894 على اثر انفصالها عن مدرسة الاتفاق الكاثوليكي الشرقي , باسم ” المدرسة السريانية الافرامية ” , وكان مديرها الأولالمنسنيور عبد الأحد جرجي (1894-1903) , ومعاونه يوسف جرجي , وكان عدد طلابها ما يقارب (10) ثم بلغ نحو (40) طالباً، ثم ازداد هذا العدد في عام 1900 إلى (60) طالباً. تطورت المدرسة في عهد مطران السريان في بغداد اثناسيوساغناطيوس نوري (1895-1903) , بعد أنتبرعورثة أحد أثرياء الطائفة السريانية فتح الله بن نعمة الله عبود بمبلغ من المال قدره خمسة عشر ألف فرنك , لشراء دار يعود إيراده السنوي على المدرسة السريانية.
كانت الدروس التي تدرس فيها نفس الدروس في المدارس الابتدائية الحكومية يضاف إليها تعليم اللغات العربية والتركية والإنكليزية والفرنسية.
بلغ عدد طلابها عام 1902 (71) طالباً. واتسع نطاق المدرسة في عهد مديرها القساوغسطينمرمرجي (1907-1913) وازداد عدد طلابها حتى بلغ (100) طالبٍ .
قامت الطائفة الكلدانية بإعادة فتح المدرسة باسم (مدرسة الكلدان) عام 1897. وشملت الدراستين الابتدائية والرشدية , وكان مديرها المسؤول الخوري ميخائيل ، وبلغ عدد طلبتها عام 1902 (131) طالباً.وفي عام 1906 استقلت صفوف المرحلة الابتدائية لتصبح مدرسة ابتدائية لأطفال الكلدان مستقلة عن مدرستهم الرشدية.بلغ عدد طلاب مدرسة الكلدان الابتدائية عام 1907(85) طالباً , وتألفت هيئتها التدريسية من المدير خوري ميخائيل وستة معلمين وهم على النحو الآتي : داود صليوا لتدريس اللغة العربية ، والمعلمان شماس فرنسيس والقس جبرائيل لتدريس الحساب والجغرافية والرياضة، والقس جبرائيل لتدريس اللغة الفرنسية ، وسليم افندي لتديس اللغة العثمانية ، والمعلمان منصور آيار والقس بطريق لتدريس اللغة الإنكليزية.أما عدد طلاب مدرسة الكلدان الرشدية لعام 1913 فقد ضمت (240) طالبا , وتالف كادرها التدريسي من ثمانية مدرسين .
أما مواد الدراسة التي كانت تدرس للمرحلة الرشدية فقد ضمت :
الجغرافية الطبيعية , الرياضيات, الحساب , الهندسة , الصرف , واللغات الأجنبية كالفرنسية والإنكليزية , فضلا عن تعليم اللغات العربية والكلدانية والتركية .
وعاودت الطائفة الأرمنية هي الأخرى افتتاح مدرستها على اثر انفصالها عن مدرسة اتفاق الكاثوليكي الشرقي وكانت تضم الدراستين الابتدائية والرشدية، وعادت كمدرسة صغيرة ملحقة بكنيسة الأرمن الكاثوليك تضم عدداً قليلاً من الطلبة ، وكان منهاجها واسع النطاق اشتمل على تدريس كل من اللغات الأرمنية والعربية والتركية والفرنسية والإنكليزية ، فضلاً عن تدريس العلوم الحديثة. وكان مديرها المسؤول عام 1902 مهران افندي ، وعدد طلبتها في العام نفسه (118) طالباً وطالبة منهم (81) من الذكور ، و (37) من الإناث.
عن رسالة (المدارس المسيحية في بغداد 1921-1958 دراسة تاريخية)

اقرأ ايضا

إبراهيم عرب .. الحياة والسياسة والضحك العراقي

صادق الطائيمثل إبراهيم عرب ظاهرة اجتماعية وفنية في آن واحد؛ شخصية شعبية عراقية خرجت من …