إعداد : سالار شهاب الاثري
في مساء الجمعة 22 شباط 1924 أغتيل السيد توفيق الخالدي وزير الداخلية السابق في وزارة عبد الرحمان النقيب وهو في طريقه الى داره في محلة جديد حسن باشا ببغداد. وكان لاغتياله دوي كبير وواسع في كافة الأوساط .. فالقتيل وزير بارز وعضو هام في المجتمع العراقي، ولعل عملية اغتياله اعتبرت ابرز علامة في مطلع الحكم الوطني في العراق. وقد نشرت جريدة (العراق) في عددها المرقم 1١٥٢ في 2٥ شباط 1924 النبأ التالي . بينما كان معالي توفيق بك الخالدي وزير الداخلية السابق ذاهبا الى داره في محلة جديد حسن باشا مساء أول من أمس – اذا بيد اثيمة اطلقت عليه اربع عيارات نارية فأردته قتيلا لساعته ، وقد هرب الجاني حالا، فأسرعت الشرطة بعد الواقعة ببضع دقائق، ولكن رأت ان الرجل قد قضى وهرب الجاني. وقد تبين من الكشف الطبي أن العيارات النارية هي من مسدس من نوع برونيك، وأن الرصاصات اجتازت من ظهره الى قلبه حيث توفي حالا وقد حار الناس في حينه – كما يقول الاستاذ الحسني في كتابه تاريخ الوزارات العراقية في تعليل هذه الحادثة، فقال بعضهم : ان القتيل كان من انصار الجمهورية وانه كان يرى رأي النقيب السيد عبدالرحمن في وجوب اسناد الحكم في العراق الى عراقي ، فأتفق الملك فيصل مع وزيريه جعفر العسكري ونوري السعيد على وجوب التخلص من الخالدي، فأسر الوزيران ذلك الى معروفها شاكر القره غولي فأختبأ هذا في دار عبد الحميد كنه القريبة من دار الخالدي حتى اذا اقترب المغدور منه تبعه القره غولي ثم اطلق النار عليه فأرداه قتيلا . ويدلل اصحاب هذا الرأي على رأيهم ان كلا من العسكري والسعيد والقره غولي لقي حتفه مقتولا، فكانوا مصداقا للحديث المعروف بشر القاتل بالقتل وقال البعض الآخر ان الخالدي كان من دعاة الاتحاديين في دولة العثمانيين كما كان عضواً بارزاً في الحزب الحر العراقي الذي اشتهر بموالاته للأنكليز وبالميل الى نظام الحكم الجمهوري، وأن القاتل هو عبدالله محمد سريّه يساعده في القتل شاكر القره غولي، وأن القوميين العرب وعلى رأسهم ياسين الهاشمي قابلوا الاغتيال بالغبطة والسرور ، وربما كانوا على علم مسبق به . الحسني أن عبدالله سريه قال له عندما كانا في معتقل العمارة في اعقاب الحركة التحررية التي قامت في ايار ١٩٤١ بأنه هو الذي قتل الخالدي، وأن شاكر القره غولي كان شريكه في هذا القتل ، كان عضوا في جمعية سرية هدفها الفتك بمن يشايع الانكليز وأن الخالدي كان أحد هؤلاء المشايعين . وعلى كل فقد كان الخالدي – الكلام لايزال للأستاذ الحسني – شخصية فذة وذو كفاءة نادرة، وكان خصومه السياسيون يخشون بأسه ويوجسون خيفة من قرب صيرورته رئيسا للوزراء حيث يقضي على طموحهم ويبدد احلامهم، وقد يمهد الى قيام حكم جمهوري في العراق وكان قد تلقى قبيل اغتياله رسائل ودية غير موقعة ينصحه فيها اصحابها ان يحذر مؤامرة تحاك ضده ، وقد اطلع عليها المندوب السامي البريطاني السر هنري دوبس، وكان المندوب مدعوا في مزرعته في (الدورة) في يوم الحادثة فلما كان المساء اركبه معه في سيارة المندوبية ليظهر للناس احترامه للأنكليز، ولذا لم يكن قتله مدعاة للانزعاج الحقيقي لدى الأوساط السياسية العليا، الأمر الذي ادى الى عدم اظهار القاتل، وكان القتل أول اغتيال سياسي في تاريخ العراق . كانتوفيقالخالدي يملك مزرعة في منطقة الدورة اسمها (العكابية) وكان قد جعلها مكانا للراحة والاستجمام، وكان يقيم فيها الولائم والدعوات الخاصة لاصدقائه ومعارفه. وفي احدى الايام اقام الخالدي وليمة غداء في مزرعته على شرف المستر ،دوبس، حضرها عدد من المدعوين وبعد انتهاء الوليمة وخروج المدعوون ، دعى المندوب السامي توفيق الخالدي الى الركوب معه في سيارته وأخذ يطوف به في شوارع بغداد، والخالدي جالس الى جانبه. وعندما علم الملك فيصل بذلك استاء استياءاً كبيرا، وأعتبر هذا العمل مدبرا ضده، وأنها بداية الخطر حقيقي سيحيق به وأعتقد أن الأنكليز صاروا يتضايقون منه هذه الايام، اخذوا يهيئون الخالدي بديلا عنه في حكم العراق، في وقت تدهورت فيه العلاقة بين الملك فيصل والأنكليز بشكل خطير وسافر حتى انتقل هذا الخلاف والصراع على صفحات الصحف العراقية التي أخذت تعمق هوة الخلاف، وتوسيع شقة العداء بينهما . وعلى هذا قرر الملك التخلص من الخالدي وتصفيته في أقرب فرصة قبل استفحال الخطر، وقد عهد الى نوريالسعيد القيام بهذه المهمة فقام بها ونفذها ليلا . أتصل نوري السعيد بشاكر القره غولي وعبدالله سريه وطلب منها تنفيذ المهمة. وكان الخالدي يومها يسكن في محلة (جديد حسن باشا خلف جامع السراي) وكان عبد الحميد كنه قد استأجر دارا صغيرة يسكنها وحده ، حيث كان يومها اعزب – والدار قريبة من دار الخالدي، وتبعد عنها عدة خطوات اعدها لقضاء سهراته الليلية فيها أو كما تسمى (الليالي الحمراء) – وكانت ازقة هذه المحلة ضيقة ومتعرجة، وكان عبد الحميد كنّه يومها ملتزما لحراسة منطقة جديد حسن باشا فطلب منه نوري السعيد أن يتعاون معهم في هذا الأمر، وأن يقدم لهم التسهيلات اللازمة لذلك. فجعل عبدالحميد من داره مكمنا يكمن فيه القره غولي وسريه يراقبان الخالدي في غدوه ورواحه، وظلا يتربصان به حتى ظفرا به في ليلة ٢٢ شباط ١٩٢٤ عندما كان عائدا من زيارة للمرحوم عبد الرحمن النقيب رئيس الوزراء الأسبق، وتقدم شاكر وأخذ مكانه في رأس الزقاق الذي يقع فيه بيت الخالدي، وعندما لاح الخالدي قادماً الى داره فاجأه عبدالله سريه بأطلاق ثلاث طلقات عليه من الخلف عندما كان يطرق باب الدار فأرداه قتيلا يتخبط بدمه ببدلته البيضاء .
وعندما هرعت الشرطة الى مكان الحادث لم تعثر على الجناة ، وبعد اجراء الكشف الموقعي والطبي تبين ان المغدور اصيب بـ (٤) رصاصات قد اطلقت عليه من مسدس برونك وأن احدى الاطلاقات قد اجتازت ظهره الى قلبه فأصابته بمقتل ومات على الفور ، وسجل الحادث ضد مجهول .
ملاحظة (١) : يروي المرحوم سالم خونده حكايته قائلا: «لقد اعقب حادثة اغتيال الخالدي حوادث واعتداءات عديدة قام بها عبدالله سريه، فقد اطلق النار على الحاج محمود الشابندر، وسبب هذا الحادث : ان عبد الله سرية طلب مساعدة مالية من الشابندر، فلم يعطه، وطرده بكلمات خشنة فهجم سرية على الشابندر واطلق عليه عدة طلقات في الخان المسمى بخان الشابندر المجاور للمحكمة الشرعية في شارع النهر مقابل مصرف الرافدين اليوم ولكن هذه الطلقات قد طاشت ولم تصبه وفر هارباً .
ملاحظة (٢) : يروي المرحوم خيري العمري انه تحدث مع شقيق المغدور السيد غالب جلبي الخالدي في ٢١ تشرين الاول ١٩٥٨ ووجه اليه بعض الاسئلة فأجاب عليها قائلا : هو أبن عبد القادر الخالدي الموظف في بلدية بغداد في العهد العثماني، وجده معروف الخالدي مزارع له اخ واحد وشقيقات . بدأ حياته ضابطا في الاعدادي العسكري ببغداد، وسافر الى استانبول ثم تخرج ضابطا، فتعين مهندسا عسكريا في الاراضي السنية في العمارة . ونسبة العائلة الى خالد ابن الوليد .
ملاحظة (٣) : عندما اغتيل توفيق الخالدي امتنعت اغلب الصحف الموالية للبلاط ولنوري السعيد عن نشر خبر مصرعه ، كما ان المعروفين من شعراء الفصحى والذين نظموا مراثي عديدة في حق الاقل منه شأنا احجموا عن نظم بيت واحد بحقه بأستثناء الشاعر الشعبي المعروف ملا عبود الكرخ المشهور بجرأته المتناهية. وهذه مطلع من قصيدة الكرخي .
ذهنك الوقاد قاطع الفكر اخر القوم الكرام بهل العصر
ملاحظة (٤) : دفن الخالدي في الاعظمية وعمل له عزاء كبير (الجاينة) في دار المرحوم (عبد الله خيوكه) في محلة الدنكجية كون ان المغدور الخالدي هو زوج كبرى كريمات (عبد الله خيوكه) ومن العجيب ان نوري السعيد وجعفر العسكري رئيس وزراء انذاك كانا من ضمن المشيعين وكان نوري يبكي ويبدي تفجعاً شديدا .
ملاحظة (٥) : الدار التي يسكنها المغدور توفيق الخالدي تقع في محلة جديد حسن باشا خلف جامع السراي (الملك سابقاً) وبالقرب من دار الضابط المتقاعد المرحوم علي المان ،
بحث خاص لمنتدى الميدان وشارع الرشيد التراثي الثقافي