د. ابراهيم خليل العلاف
يمتلك العراق ، ومنذ أكثر من 100 سنة ، نظاما قضائيا قويا ، ورصينا ، بُني على أسس صحيحة وقويمة. وجميل جدا ان تمر الذكرى المئوية لتأسيس محكمة تمييز العراق 1925-2025 ، والتي تولاها عبر كل هذه السنوات قضاة بارزون يشار إليهم بالبنان .
وأول ما يجب عليّ انا كاتب هذه السطور الدكتور إبراهيم خليل العلاف ان اقوله أنه لم يكن هناك في النظام القضائي المعمول به في العراق العثماني بولاياته الثلاث بغداد والموصل والبصرة ، محكمة للتمييز ، وانما تشكلت هذه المحكمة ، بعد قيام الدولة العراقية الحديثة سنة 1921 وتتويج الأمير فيصل بن الحسين ملكا على العراق في آب سنة 1921 .تشكلت في سنة 1925 باسم ( محكمة التمييز ) كواحدة من تشكيلات وزارة العدلية وهي وزارة العدل اليوم .
والشيء الجميل ، ان محكمة التمييز في العراق ، تعد اقدم محكمة تمييز في الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط ؛ فهي قد تأسست 24 شباط –فبراير سنة 1925 ،بعد صدور إرادة ملكية وقع عليها مؤسس الدولة العراقية ، وباني مجدها العظيم الملك فيصل الأول ملك العراق 1921-1933 ، في حين تأسست محكمة التمييز المصرية سنة 1931 ، ومحكمة التمييز السورية تأسست سنة 1973 ، ومحكمة التمييز السعودية تأسست سنة 1975 ، ومحكمة التمييز الإيرانية تأسست سنة 1979 .
وقد يكون من المناسب أيضا الإشارة الى ان اول رئيس لمحكمة التمييز العراقية كان خبيرا قضائيا بريطانيا اسمه ( المستر جيل الكساندر ) ، وقد تنقل في وظائفه ، ومناصبه الإدارية من العمل في محكمة البداءة الى العمل في محكمة الاستئناف ثم تولى ( رئاسة محكمة التمييز في العراق) بين سنتي 1925 الى 1939 .
وقد وجدتُ في (الدليل الرسمي العراق للسنة 1936) ، والذي أصدره الياهو دنكور ومحمود فهمي درويش ، وطبع في مطبعة دنكور ببغداد سنة 1936؛ ان المستر جيل الكساندر كان سنة 1936 رئيسا لمحكمة التمييز في العراق ، وان محكمة التمييز كانت من ضمن تشكيلات وزارة العدل .
ومن الجميل الإشارة الى ان من كانوا أعضاء في هذه المحكمة في بواكير تأسيسها عدد من جهابذة القضاء والقانون ، وهم الأستاذ داؤد سمرة وكان نائبا لرئيس المحكمة ، وهو عراقي يهودي معروف بمؤلفاته الشهيرة في مجال القانون . ويقول في مذكراته انه بقي نائبا لرئيس محكمة التمييز حتى الأول من تموز سنة 1945 يعد ان مددت خدمته وقد قدم له وزير العدل الحاج محمد حسن كبة الشكر على ” خدمته الطويلة التي اداها للحكومة بتضحية وإخلاص «
والأستاذ داؤد سمرة حاصل على وسام الرافدين من الدرجة الرابعة ومن النوع المدني منحه إياه الملك فيصل الأول تقديرا لخدماته في القضاء وفي التدريس بكلية الحقوق ببغداد.
اما الأعضاء فكانوا سنة 1936 الأستاذ أنطوان شماس، وهو شخصية عراقية قانونية معروفة ، كان له دوره في صياغة وكتابة القانون المدني العراقي، والأستاذ حسن رضا ، والأستاذ الحاج صالح الباجه جي ، والأستاذ صديق مظهر ، والأستاذ عبد العزيز المطير . اما رئيس كتاب محكمة التمييز، فكان الأستاذ صالح عبد الله. وكل هؤلاء كانوا من رجالات القانون والمحاماة المعروفون
هنا اريد ان اقف عند الاستاذ حسن سامي عمر التتار 1894 – 1981 فقد كان رئيسا لمحكمة التمييز وهومعروف بكونه حجة في القوانين وهو من اسرة التاتار البغدادية واسمه مركب حسن سامي ومعنى التاتار في التركية موظف كبير في البريد العثماني وقد عرف من خلال عمله بالانضباط والطيبة والحزم والنظافة . في العهد العثماني تخرج في كلية الحقوق والتحق ضابط احتياط ووقع خلال الاحتلال البريطاني للعراق في الاسر في آذار 1917 وبعد سقوط بغداد بيد الانكليز في 11-3-1917 نفي الى الهند وعاد بعد الهدنة 1918 .تولى مناصب قضائية منها انه كان معاون قاضي محكمة الصلح ببغداد 1921 والمدعي العام وقاضي في محكمة الجزاء والمفتش العدلي 1930 ومدير السجون 1931ونائب رئيس محكمة بداءة ديالى 1932وقاضي جزاءبغداد 1934 وعضو محكمة التمييز 1937 ونائب لرئيسها 1946 ووزير العدل من 5 شباط 1950، إلى غاية 5 آب 1950ونائب في مجلس النواب عن خانقين في شهر شباط 1951.وفي 16 تموزسنة 1951 عين رئيسا لمحكمة التمييز وترك الوزارة والنيابة وظل رئيسا للمحكمة حتى آب سنة 1958 أي بعد شهر من قيام ثورة 14 تموز 1958 وسقوط النظام الملكي في العراق .
من الأمور الملفتة للنظر، وانا اكتب عن مئوية محكمة التمييز 1925-2025 انه كان هناك أيضا عند تأسيس محكمة التمييز ، (مجلس التمييز الشرعي السني) برئاسة الشيخ الأستاذ امجد الزهاوي ، وعضوية الأستاذ محمد نافع المصرف والأستاذ عبد الرزاق الهاشمي ، و(مجلس التمييز الشرعي الجعفري) برئاسة الشيخ الأستاذ علي الشرقي وعضوية السيد محمد صادق الصدر والشيخ جعفر باقر علوش . وطبعا وظيفة هذه المجالس تدقيق الاحكام التي تصدرها المحاكم الشرعية، ومنها المحكمة الشرعية السنية ، والمحكمة الشرعية الجعفرية .ويجب ان نميز بين محكمة التمييز وبين هذه المجالس .
في ( دليل الجمهورية العراقيةلسنة 1960) وردت معلومات تتعلق بحكام أيقضاة محكمة التمييز وهمقضاة دائمون يجب ان لايقل عددهم عن تسعة وقضاة منتدبون لايزيد عددهم على ستة وهناكقضاة مقررون يقومون تحت اشراف الهيئة التي يعملون فيها بتلخيص وقائع الدعوى والحكم المميز والاسباب التي استند اليها بطلب التمييز وما اذا كان التمييز واقعا في مدده القانونية ام لا .وكانت محكمة التمييز سنة 1960 تتألف من الرئيس محمود خالص ونائبيه عبد الهادي الظاهر ومحمد شفيق العاني ومن الاعضاءمحمود عزت عبد السلام ، حافظ خالد ،كامل عبد الوهاب الخطيب ، نوري العمري ، عارف علي اصغر ،محمدفهمي الجراح ،عبد الحميد كبة ،محمدمحمود القشطيني ،احمد جمال الدين ، محمد رشاد عارف ،حسين محي الدين ، وديع جورجي ،حيدر عبدالرزاق العالم ، .اما القضاة المقررون فهم علاء الدين الخياط ، صادق مهدي حيدر ،نوري محمدعلي الهاشمي ، عبد الوهاب حسين الدوري .
وكانت محكمة التمييز هي المرجع الاعلى للمحاكم المدنية وتنعقد في العاصمة بغداد ولايقل عدد قضاتها عن عشرة بضمنهم الرئيس ونائباه وتقسم هذه المحكمة الى هيئتين هما الهيئة الحقوقية والهيئة الجزائية وتنعقد كل منهما على عدد لايقل عن ثلاثة قضاة ويجوز تعددها عند الاقتضاء وتنعقد الهيئة الجزائية بخمسة قضاة في الدعاوى الجنائية التي عقوبتها الاعدام .
والشيء الذي يجب ان اشير اليه وهو، مهم ان (محكمة تمييز العراق) تصدر قراراتها ثم تجمعها في مجلدات ، ومنها مثلا المجلد الرابع الذي يتناول القرارات الصادرة بين سنتي 1966و1967، مطبعة الحكومة ببغداد سنة 1970، وهذا طبعا يسهل للقضاة والمحامين أعمالهم، ومرافعاتهم، ودفوعهم القضائية .
ومحكمة التمييز اليوم هي محكمة واحدة في العاصمة بغداد تابعة لمجلس القضاء الأعلى) ، وهي المحكمة الوحيدة في العراق، والهيئة القضائية العليا التي تدقق القرارات الصادرة من المحاكم المدنية، ومحاكم الأحوال الشخصية (العائلة)، والمحاكم الجنائية، بالنسبة للجرائم التي تزيد عقوبتها على (5) سنوات. وقراراتها تكتسب أهمية كبيرة لأنها صادرة من أعلى هيئة قضائية في البنيان التنظيمي للمؤسسة القضائية العراقية المعاصرة.
اقرأ ايضا
من تاريخ مدينة الديوانية
نبيل عبد الأمير الربيعي ذكرلونكريك في كتابه (أربعة قرون من تاريخ العراق) أن حاكم بغداد سار …