هل كان الملك غازي يعلم بانقلاب بكر صدقي ؟!

سيف الدين الدوري
تميزت فترة الحكومة الهاشمية الثانية ببروز الجيش على الساحة ودخوله المعترك السياسي وذلك نتيجة ما قام به من اعمال لقمع التمردات العشائرية وقبلها تمرد الاشوريين هذه الميزة التي اسفرت عن الانقلاب العسكري الذي قاده الفريق بكر صدقي واطاح بحكومة ياسين الهاشمي في 29 تشرين الاول 1936 وادى الى مقتل وزير الدفاع جعفر العسكري على يد اتباع صدقي. ومما ساعد الانقلاب الاشاعات التي ترددت عن نية الهاشمي ازاحة الملك غازي واعلان الجمهورية ووصلت تلك الاشاعات الى مسامع الملك غازي الذي تحدث مع صفوت العوا الذي شغل وظيفة ناظر الخزينة الملكية الخاصة واخبره بان ياسين يدبر مؤامرة ليكون رئيسا للجمهورية. لذلك قيل ان الملك غازي لم يعترض على انقلاب بكر صدقي ليتخلص من ياسين الهاشمي بل ان الملك غازي كان يخشى من فشل انقلاب بكر صدقي وعودة ياسين الى الوزارة مما يعني انتقامه من الملك الذي فكر في ان يتوجه بالطائرة الى الاردن في حال فشل الانقلاب اذ يقول حفظي عزيز طيار الملك الخاص انه كان قد استدعاه الملك قبل يوم من وقوع الانقلاب وبادره بالسؤال ( هل الطائرة جاهزة وهل تستطيع ان تصل الى عمان دون الوقوف في الرطبة؟).
في هذا الوقت كانت حكومة ياسين الهاشمي مستعدة لمقاومة الانقلاب فكان وزير الداخلية رشيد عالي الكيلاني مقيما في الوزارة ويتصل بالمتصرفين ليستعينوا بالعشائر . بل ان احمد المناصفي سكرتير وزير الدفاع اتصل بالملك غازي واخبره ان القوات المسلحة مستعدة تحت امرة امين العمري للمقاومة وهي تنتظر اوامركم . فاجابه الملك ( لا) سرح القوات لقد استقالت الوزارة.وانا ساحاول دون دخول بكر بغداد.الا ان بكر صدقي لم يسمح للملك غازي بالتدخل في شؤون الجيش بصورة تمس سلطاته او تشاركه في السيطرة على الضباط فعندما تدخل الملك لياخذ ذلك الاتجاه لم يتورع بكر بان يبين للملك بواسطة قائد القوة الجوية محمد علي جواد ( انك ملك غير مسؤول بجب الا تتدخل فنحن طوع امر بكر صدقي فهو الذي يسير الامور). لقد اراد غازي ان يكون قائدا اعلى للجيش العراقي نظريا وواقعيا بينما كان بكر يهدف ان يجعل منه رمزا فقط.
لقد ترك انقلاب بكر صدقي في نفوس الكثيرين من اقطاب السياسة العراقية نقمة كبيرة تجاه الملك غازي ورجال الانقلاب بما فيهم جميل المدفعي الذي كان يعد من اقرب المقربين للملك فاخذ يرى بسبب اضطهاده من قبل حكومة الانقلاب وهربه الى سوريا ان من الانسب لمصلحة العراق ابعاد الملك غازي عن العرش وابداله بولده الصغير تحت نظام الوصايا او بالامير عبد الاله واتفق في ذلك مع ناجي السويدي وتوفيق السويدي اما رشيد عالي الكيلاني وناجي شوكت فقد اتفقا مع نوري السعيد على ضرورة التخلص من غازي بابعاده الى الخارج واحلال شخص مناسب مكانه فقد برز نوري السعيد اكثر حقدا على الملك ورجال الانقلاب ليس بسبب اضطهادهم له فقط بل وبسبب مقتل زوج شقيقته جعفر العسكري فقد خرج نوري من العراق ناقما على الملك غازي ومتهما اياه بالتواطؤ مع الانقلابيين حيث عاش نوري السعيد في القاهرة وضعا ماليا صعبا وسيئا اجبره على طلب مساعدة الامير عبد الله وحين اراد السفر الى الاردن اعترض الملك غازي على ذلك وفسر سفره بانه محاولة للتامر على العراق.
كان الملك غازي يعلم بما يبيته له نوري السعيد من غدر فقد كان خال الملك ( الشريف علي بن ناصر) الذي ظل مقيما في القاهرة احد الذين يزودون الملك بتحركات نوري ضده وضد الحكم في العراق وبعد اغتيال بكر صدقي اكد الشريف علي بن ناصر على الملك في رسالة بعثها اليه في 15 آب 1937 بان يحذر نوري السعيد كما انذره قائلا( دبر امرك بنفسك وكن دائما حذرا منه ومتنبها للحوادث) ولذلك ظهر على الملك عدم الارتياح بمجرد ان شاع في ايلول 1938 خبر وصول نوري الى العراق.
حاول الملك غازي ايجاد تكتل ملكي خاص به لمناهضة التكتل الملتف حول طه الهاشمي فقرب حكمت سليمان الذي كان يثير الملك على نوري ويخبره بانه سوف يزيحه عن العرش وكذلك العناصر العسكرية المحسوبة على بكر صدقي كجواد حسين احد المشتركين في اغتيال جعفر العسكري وجعله طياره الخاص والعقيد علي رشيد رئيس المرافقين بواسطة مرافقه فؤاد عارف الذي كان ينقل حكمت بالسيارة الى قصر الزهور وقد علم جميل المدفعي بتلك الاتصالات فارسل الى فؤاد عارف واخبره بانه على علم بما يجري كما تناقش المدفعي مع السفير البريطاني واعرب عن قلقه من تقريب الملك لهؤلاء . السفير البريطاني من جانبه اكد انه اخذ يرى تحاشي الملك مقابلته .
تكتل الملك هذا دفع بكتلة الضباط القومية في الجيش الى ان تتوجس خيفة من ازدياد نفوذ خصومها فاتجهت الى الضغط على جميل المدفعي فطالبته بان يطهر الجيش والبلاط من العناصر( الفاسدة جماعة بكر) وان يبعد حكمت سليمان الى الخارج الا ان المدفعي لم يوافقهم فاخذوا يفكرو برستم حيدر وصادق البصام وتحسين علي ومولود مخلص . وقد تضاعف قلق الكتلة القومية بعد ان اشيع ان الملك غازي بتحريض من حكمت سليمان ومن رئيس مرافقيه رشيد علي ضرب كتلتهم القومية خاصة بعد شاع خبر تبديل الفرقة الاولى فرقة امين العمري المرابطة في بغداد بالفرقة الثانية فرقة امين زكي الموجودة في كركوك واعتزام غازي احالة العمري الى التقاعد فحاولت التقريب بين الملك ونوري السعيد اولا واشراكه في الوزارة ثانيا وكذلك حاولت تقريب طه الهاشمي اليه كما قررت القيام بانقلابها في 24 كانون الاول 1938 حين حشدت قواتها في معسكر الهنيدي( معسكر الرشيد) وارسلت العقيد عزيز ياملكي للاتصال برئيس الوزراء المدفعي ومطالبته بالاستقالة الذي اعلنها فورا وقد ادرك الملك غازي ان هذه الحركة تعني اعادة نوري السعيد وطه الهاشمي وفرضهما عليه الا ان الكتلة القومية هددت بخلع الملك اذا لم يوافق على تكليف نوري السعيد بتشكيل الوزارة فذعن الملك غازي للامر وكلف السعيد بتشكيل الوزارة.
عن موقع ( الكاردينيا ) مجلة ثقافية عامة

اقرأ ايضا

من تاريخ مدينة الديوانية

نبيل عبد الأمير الربيعي ذكرلونكريك في كتابه (أربعة قرون من تاريخ العراق) أن حاكم بغداد سار …