لقاء مع لمعان امين زكي

هؤلاء اساتئتي ..
لمعان امين زكي … الرائده في طب ألاطفال، ألاستاذة ورئيسة قسم طب ألاطفال في الكلية الطبية والمستشفى التعليمي ، مديرة ومُؤسِسَة لرعاية الامومه والطفوله ، رئيسة جمعية أطباء الاطفال العراقية، والمشرفه على لجنة الدراسات العليا في طبالاطفال في جامعة بغداد، والخبيرة الدولية في التلوث الكيمياوي وألاستشارية في منظمة الصحة العالمية في التسمم في الزئبق .
ولدت في سنة 1923. أكملت دراستها الابتدائية، المتوسطة والثانوية. تخرجت من كلية الطب بغداد سنة 1946. حصلت على شهادة الدبلوم في طب الاطفال من جامعة لندن. حصلت على عضوية كلية الاطباء الملكية، المملكة المتحدة. حصلت على زمالة كلية الاطباء الملكية، المملكة المتحدة.
 اخترت دراسة الطب مدفوعة بمثابة غامضة هي مزيج من الحلم والخيال والامال، او بالتعبير الجميل للدكتور محمد عابد الجابري بذهن حالم وليس بعقل عالم. وكنت ارجو ان اجمع بين الطب والادب، ولم اكن ادرك يومئذ كم يتطلب من فكر المرء وروحه كل واحد من هذين المسلكين،
كان الدوام في الكلية مختلفا كل الاختلاف عما الفناه اثناء الدراسة الثانوية، اولاً، في المدرسة الثانوية كان المحيط كله من الاناث باستثناء مدرس الرياضيات المرحوم الاستاذ على مظلوم، في حين ان محيط الكلية كان يسيطر عليه الرجال، والدراسة كانت بالانكليزية والدرس على شكل محاضرة المتكلم الوحيد فيها هو .
كنا ننتظر الاستاذة تحت شمس الشتاء او في ظل الاشجار في مدخل الكلية. وكان في مكان المطعم الحالي للكلية رفعة جميلة من الحشيش الاخضر تظللها نخلات باسقات واشجار نبق عتيقة. وكان الاستاذ منهم يقبل من المستشفى بمعطفه الابيض فنخف نحن لدخول قاعة الدرس ويدخل هو غرفة جانبية هو غرفة يستبدل فيها معطفه الابيض بالروب الجامعي الاسود المهيب. وكان جميع المحاضرين ملتزمين بارتداء الروب الاسود اثناء المحاضرات وبارتداء المعاطف في المختبرات وردهات المرضى الطلبة ايضا كان لهم زيهم الذي هو الزي المستعمل اليوم باضافة شعار كلية الطب مطرز على الجيب الايسر في صدر السترة. وكان ارتداؤه في الايام الاعتيادية اختياريا والزاميا في الحفلات والمناسبات الرسمية
الاساتذة الرواد.
من هم اساتذتي ؟ ما اصعب الاجابة على هذا السؤال! لكل استاذ منهم ميزته ولكل موقعه في النفس، واني الان والله ، لاستحييهم من وراء الغيب وكانهم يقرؤون ما اكتب. دعني اروى لك بعض ما علق في الذاكرة عن افراد ذلك الجيل الكريم الذي سبقنا.
المرحوم الاستاذ هاشم الوتري بخلفيات ثقافته الاسلامية العربية وطلعته المهيبة، ان ما يهمه انتقاء الكلمات والتعابير والاستشهاد بابيات من الشعر العربي. كما كان يحرض على ذكر ترجمة المصطلح العلمي باللغة العربية ويشرح الاصل والاشتقاق وكثيرا ما كان يستطرد فينقل مناقشاته في المجمع العلمي الى قاعة الدرس ،
ومعه كان الاستاذ صائب شوكت فارسا حلبة وفرسا رهان، يتنافسان ويتناوبان على عمادة الكلية ولكل منهما اتباعه ومريدوه. كان الاستاذ صائب شوكت شخصيته الطاغية واندفاعه في الوطنية يثير محبة الطلبة ورهبتهم في ان واحد . كان يراقب دواء الطلبة والمدرسين في الردهات والمختبرات وبحرص على مظهر الطلبة وسلوكهم ايضا، ليش شعرك طويل.. انت بنية؟ طلع ايدك من جيبك حين تكلم استاذك.. كان يريد من الطبيب ان يسلك سلوك الرجل الكريم، والادب كان يقضي ان تكون السترة مزررة واليد خارج الجيب حين يكلم الفتى ولده او من هو اكبر منه. وكان للاستاذ شوكت الزهاوي مثل هذا الحرص على سلوك الطلبة كما انه اثر الانصراف الى البحث العلمي فلم يفتح عيادة خاصة تدر عليه ارباحا اضافية
الاستاذ المرحوم عبد الهادي الباجه جي بتربيته الاسطنبولية ودراسته الباريسية كان مثال السيد الكريم الدمث الفكه والانساني المترفع عن الصغائر كان يلقي درس السريريات الابتدائية بعربية دارجة بغدادية صميمة وبمصطلحات عربية فصيحة وجميلة، كانت مستعملة في كليات الطب العثمانية التي كانت تتعامل مع اللغة العربية تعامل الغربيين مع اللاتينية، مع تردد المصطلحات الاجنبية كما يلفظها الفرنسيون، فيسر الطلبة بترديد تلك الاصطلاحات على لقد انطبع في ذاكرة طفولتي نظيفا اشقر جميلا مهذبا حلو المعاملة والتصرف طريقته .
ثم المرحوم الاستاذ جلال العزاوي، كان رقيق القلب مرحا محبا للاطفال ينتظره كل صباح عدد منهم في مدخل قسم العيون فيوزع عليهم نقودا معدنية وهو يضحك معهم ويمرح ويمد يده مداعباً شعر هذا قارصا خد ذاك والكل ضاحك سعيد بمداعياته.
ثم هناك جماعة الاطباء البريطانيين وعلى رأسهم طبعا الاستاذ سندرسن بلغته المهذبة المنتقاة وحرصه على سلوك الجنتلمان الانكليزي. كان يحضر الى المحاضرة متأخرا وهو يتعلل بكثرة المشاغل ويقول خير لكم ان احضر متأخرا من ان لا احضر ومحاضراته تكاد ان تكون على شكل املاء من دفتر كبير سجل فيه المعلومات ، ويكتب على السبورة بخط جميل وكان له حضور مهيب بقامته الطويلة وشعره الفضي وربما لنفوذه الذي يعرفه الجميع ايضا.
والاستاذ ملز العالم المخلص المجد، كان يتمسك بسلوك السادة في العهد الفكتوري، يفتح الباب وينحني لدخول الطالبات ويخاطب الجميع بادب وظرف جم..لقد كان يتمنى ان يكون قبره في بغداد فلم تتحقق له الامنية، ولكن وصيته شملت بعض الذين عملوا تحت اشرافه في المختبر المركزي وقد استلموا المبالغ متعجبين .
الاستاذ بيتي كان يدرسنا البكتريولوجي وشيئا من امراض الطفيليات، وقد كان ضليعا في عمله وكانت دروسه شائقة ولذيذة، وهو سكوتلاندي قصير القامة اشقر الشعر جم النشاط والحركة قريب من الطلبة، وزوجته كانت لطيفة ودودة. ولانها كانت اطول منه قامة ونحيفة جدا فقد اطلق عليها بعض الطلبة الخبثاء لقب دودة البلهارزيا وحين ترك العراق، شغل بيتي كرسي البكتريولوجي في كلية طب شفيلد الى حين تقاعده
الاستاذ ستيسي، استاذ علم العقاقير وفن التداوي، كان جادا متحفظا يغلب على سلوكه الخجل لكنه كان ملتزما بمواعيد المحاضرات والدروس السريرية، وكانت دروسه شائقة يقبل عليها الطلبة بحماس. وفي وسعي ان اقول بانه كان من خيرة من درس الطب الباطني في تاريخ الكلية، وكان الطلبة يكبرون فيه علمه وحرصه وانضباطه وحسن تقييمه للطلبة. وقد شغل منصب استاذ في كلية طب سنت توماس في جامعة لندن حتى تقاعده. وكانت له مكانة مرموقة بين اساتذتها. درس النسائيات والولادة كانت تدرسه سيدة سكوتلاندية هي الدكتورة ماكداول ويساعدها في الدروس السريرية د. فؤاد مراد الشيخ والاستاذ الدكتور كمال السامرائي وقد كان شابا يرتقي العتبات الاولى في المهنة والتدريس. كانت الدكتورة ماداول خجولة ومتحفظة واعتقد بانها لم تجد من معاونيها الدعم والتعاون المالوفين او هكذا كانت فكرة الطلبة. وارجوا ان لايكون ذلك التمييز الجنسي لكونها امرأة ترأست قسما مهما من اقسام الكلية.
اساتذة طب الاطفال
تعمدت تأخير كلامي عن اساتذتنا في طب الاطفال لانهم كالعادة كانوا يستلموننا خلال السنوات المتأخرة من الدراسة اولا، ثم بعد ذلك اصبحوا زملائي الكبار ورؤسائي في العمل وقد طغت صفة الزمالة هذه على علاقتي بهم ولابد لي من ذكر ميزة كانت تجمع بين كل اطباء مستشفى حماية الاطفال. تلك هي حسن الزمالة والتكاتف في العمل اولا ثم الصبر العجيب على كثرة العمل بصرف النظر عن ساعات الدوام الرسمي. فقد كانت مشافي الاطفال ف القطر قليلة. وكان طبيب العيادة الخارجية منهم يعالج 300 – 350 طفلا في اليوم ، هذا الى جانب واجباته في الردهات وفي الاعمال الادارية، الامر الذي جعل اهتمام الاساتذة يتركز على المحاضرات النظرية. اما التدريس السريري فقد اعتمد على جهد الطلبة في التعلم، مثلا، يدفع لنا الاستاذ بمجموعة من الاطفال ويقول هذه كلها حالات حصبة. فنستلم نحن الاطفال ونقارن اعراضهم بما هو موجود في الكتاب، اي اننا كنا اقل اتكالية على الاساتذة من الوجبات المتأخرة من الطلبة
الاستاذ الدكتور عبد الله القصير كان يجمع بين ادارة مستشفى حماية الاطفال وبين عمله كطبيب وكأستاذ. وهو موصلي وواحد من رعيل الاطباء العثمانيين كان اول من تخصص في طب الاطفال في العراق بعد ان خدم في الجيش خلال الحرب العالمية الاولى، ثم تقلب في ادارات طبية مختلفة قبل ان يطمئن الى اختصاص طب الاطفال. وهو اول من عمل على فصل العيادات الخارجية للاطفال عن العيادات العامة في المستشفى الملكي، ثم اول من تولى مديرية مستشفى حماية الاطفال. وكانت له الريادة في استحداث عدد من مشايع رعاية الطفولة في العراق بما في ذلك تأسيس جمعية حماية الاطفال
من حوار اجراه الاستاذ ابراهيم القيسي في جريدة العراق ــ .1985

اقرأ ايضا

نص نادر..من أوراق مصطفى علي في العشرينيات

إعداد : ذاكرة عراقيةكانت معزز برتو مديرة مدرسة البارودية الابتدائية للبنات، فتاة تقدمية.. درست في …