هشام المدفعي
ضمن مشاريع تطوير مدينة بغداد في الثمانينيات ، احالت أمانة العاصمة مشروع تطوير شارع الخلفاء الى شركات عالمية . فقسم المشروع الى قسمين رئيسيين بناءً على الحاح وطلب الشركة العامة للمقاولات ، الاول وهو مكون من تسع عمارات الى شركة ENERGOPROJECT اليوغسلافية ، ويقع هذا الجزء على ساحة الميدان والجزء الغربي من شارع الخلفاء . واخذت الشركة العامة للمقاولات القسم الثاني من المشروع على الجزء الشرقي من شارع الخلفاء .
وضعت شركة TAC الامريكية التصميم الاساس لشارع الخلفاء ليكون شارعاً نموذجياً في مدينة بغداد ، كما قامت بتصميم العمارات معمارياً . وقامت بالتصاميم الانشائية شركة بلجيكية . وفي احدى زياراتي الى لندن لعيادة زوجتي المريضة ، طُلب الي ان ازور بلجيكا لتدقيق الخرائط الانشائية ، وان يرافقني ممثل الشركة العامة للمقاولات المهندس عبد الاحد عبودي ، وقد وجدتُ ان الخرائط جيدة والتصاميم بمواصفات عالية وتمت المصادقة عليها بنحو كامل .
باشرت الشركتان المقاولتان بالعمل بكل جد ونشاط . وكان المسؤول عن جزء الشركة العامة للمقاولات المهندس الله وردي جبرائيل الذي عمل معي في السابق في وزارة الاسكان. وتولى المهندس SASHA ادارة اعمال الشركة اليوغسلافية التي اعتمدت تصميماً سويسرياً جديداً في معمل صناعة الاجزاء الكونكريتية مسبقة الصنع .
ذلك لأن جميع العمارات التسع
صُممت ليكون معظم اجزائها من
الكونكريت مسبق الصنع .
في المعامل الاعتيادية لصناعة الكونكريت مسبق الصنع ، تكون القوالب ثابتة ، ويتم تنظيفها وربط حديد التسليح وشبكات الخدمات داخل القالب ، ثم يوضع الكونكريت ، وبعد تصلبه الاولي ، ينقل الى ساحات الانتظار والتصلب ، وبعدها يرفع على عربات ليركّب في موقعه بالعماره . اما في شارع الخلفاء ( خ 1 ) ، فاعتمدت الشركة اليوغسلافية اسلوب ان تكون جميع القوالب متحركة على احزمة ناقلة ، وتتم كل العمليات عليها في مواقع محدده ، ثم تنتهي في غرف التبخير للحصول على الصلابة المطلوبة قبل نقله الى مواقعه . وقد اثبتت هذه الطريقة كفاءةً عالية ، وساعدت على انجاز المشروع في وقته المحدد .
جرت اعمال الشركة اليوغسلافية بنحو جيد ، وعلى وفق برمجة دقيقة من ناحيتي العمل والنوعية. باعتقادي كان ذلك بسبب خبرة ادارة الشركة اليوغسلافية ومديرها SASHA الذي قام بأعمال مماثلة وناجحة في اماكن مختلفة من العالم . فضلا عن خبرة المهندسين الذين عملوا معه ، وكفاءة العمال اليوغسلاف الذين عملوا وفق المنهج وعلى مدار اليوم كله .
لم تصادفنا اية مشاكل تصميمية ، وكان جهاز الاشراف الكامل والممثل لامانة العاصمة من مدير المشروع ومهندسين بريطانيين من الشركة الاستشارية AITKINS ، اما تدقيق الخرائط فكان يتم من قبل شركة OVARUP الاستشارية . سارت جميع اعمال السراديب لتكون ملاجئ نووية ، وكل اعمال تصنيع الارضيات والاعمدة والجدران الداخلية والخارجية بسلاسة وبنحو دقيق ، كما هو الحال مع الاعمال الختامية والمعمارية الاخرى . ولايفوتني ان اذكر ان ساحة الميدان تم تصميمها مجدداً جُعلت مناسبةً لوقوف باصات نقل الركاب كما هو موجود حاليا وكما في مدن اخرى من العالم . كما اضفت بعض الاعمال الفنية المناسبة للمنطقة لراحة المواطنين ، كما اعتدتُ في اغلب اعمالي .
واذكر من حوادث تلك الفترة ، ماحدث في عصر احد ايام الخميس سنة 1983 ، عندما كان السيد عبد الحسين الشيخ علي وكيل الأمانة موجودا في موقع المشروع ، وكان جهاز حفر ووضع الركائز يعمل في ساحة الميدان قريبا من شارع الرشيد ، واذا بانفجار هائل صاحبه شرر كهربائي . توقف العمل فورا . كانت جميع الخرائط الموجودة لدينا لاتشير الى وجود قابلو رئيسي الا على بعد نحو مترين من موقع الحفر . تبين لعبد الحسين الشيخ علي ان اصطدام جهاز الحفر قد قطع تحت الارض قابلواً رئيسياً له علاقة مهمة بالعمليات العسكرية لوزارة الدفاع في الحرب العراقية الايرانية
تم استنفار جميع امكانيات شركة انركو – بروجكت اليوغسلافية لإبعاد المعدات عن موقع العمل واجراء عملية الصيانة على الفور . بقي عبد الحسين الشيخ علي في موقع العمل خشية معرفة مسؤولي وزارة الدفاع ، وربما اعتبروا الحادث عملا تخريبيا او عدوانيا . واتضح اننا كنا محظوظين يومذاك ، اذ لم تنتبه وزارة الدفاع القريبة من الموقع لهذا الانقطاع ، وربما كانت لوزارة الدفاع قابلوات محورية بديلة اخرى تم استخدامها دون انتباه الى ما حدث .
كانت نجاحات الشركة اليوغسلافية واضحة ، حتى اوشكت ان تنهي اعمالها ، في الوقت نفسه الذي كانت فيه الشركة العامة للمقاولات ما تزال تقوم بدق الركائز لمجموعة العمارات التي أنيط بها تنفيذها . كان هناك عدد من المشاكل الفنية مع الشركة العامة للمقاولات ، كفشل بعض الركائز ، وفشل الكونكريت المستعمل ،وشغب بعض العمال ضد مهندسي الاشراف . تسلمت تلك الشركة نحو 30 بالمئة من قيمة المشروع كسلفة تشغيلية خاصة ، دون ان تنجز ما يعادل ذلك من اعمال . وللاسف لم تستطع الشركة العامة للمقاولات من انجاز اعمالها .
ويمكنني ان اعزو ذلك الى عدم خبرة مهندسها المسؤول ، وضعف شخصيته ، وضعف الادارة العامة للشركة ووقوف السلطة وراؤه لحمايته . لقد تعرضنا بسبب ذلك الى خسائر مادية واقتصادية جسيمة ولم ينجز هذا الجزء من المشروع لحد الآن .
قاربت الشركة اليوغسلافية على انهاء اعمالها ، عندما كلفناها بأعمال تأثيث شارع حيفا وشارع الخلفاء ، في الوقت نفسه كانت لديها اعمال رئيسية عديدة مع الدولة . انجز المشروع وافتتح في احتفالات تموز 1985 بحضور امين العاصمة عبد الوهاب المفتي وكبار موظفي الدولة . ووزعت الشقق السكنية على مستحقيها من موظفي الدولة ، كما جعلت بعض العمارات دوائر ومؤسسات حكومية .
Lمن مذكرات المدفعي ( نحو عراق جديد … )
اقرأ ايضا
صنف (الشبانة) في العهد العثمانيهل هم من الجيش ام الشرطة ؟
ماريا حسن م التميميان الشبانة هي كلمة فارسية تعني بالأصل (حارس الليل) لتحل محل الجندرمة …