د. عدنان القطان
بهدف استكمال القواعد السياسية للمملكة العراقية الجديدة، أصدرت الحكومة العراقية في 4 آذار 1922 قانون الانتخابات بغية استكمال الصيغة الدستورية للحكم، وفي 19 تشرين الأول من العام نفسه صدرت إرادة ملكية حدد بموجبها يوم 4 تشرين الأول موعدا للبدء بانتخابات أعضاء المجلس التأسيسي الذي حدد مهامه بإقرار ثلاث امور هي :
أولا : البت في أمر المعاهدة العراقية – البريطانية.
ثانيا : اقرار دستور للبلاد (القانون الأساسي).
ثالثا : سن قانون لانتخابات مجلس النواب.
أصدرت الحكومة العراقية في 4 آذار 1922 (قانون الانتخابات) بغية استكمال الصيغة الدستورية للحكم، وفي 19 تشرين الاول من العام نفسه صدرت ارادة ملكية حدد بموجبها يوم 4 تشرين الأول موعدا للبدء بانتخابات أعضاء المجلس التأسيسي.
أصدر عدد من العلماء فتاوى بتحريم المشاركة بالانتخابات، الا بتحقيق مطالب الشعب،
وعدوا ذلك مطالب وطنية لإثبات حسن نية الحكومة لإجراء الانتخابات. ولما لم تستجيب الحكومة لشروط ومطالب الحركة الوطنية، فقد قررت الحركة وفي أغلب أنحاء العراق مقاطعة الانتخابات وخصوصا في بغداد والموصل لأنها رأت في اجرائها في ظل الانتداب تثبيتا للاستعمار.
الانتخابات :
بغية تأسيس حكومة دستورية، أصدرت الحكومة في آذار 1922، قانون الانتخابات على أن يكون هذا النظام المؤقت لانتخابات المجلس التأسيسي في المقدمة وتتضمن الاصلاحات (72) مادة مقسمة على سبعة فصول. وقد حوت المقدمة مادة واحدة لتعريف اصلاح العراق وتقسيمه الى اثنى عشر لواء (محافظة) وتعريف مصطلح العراقي، بأنه (كل عثماني متوطن في بلاد العراق غير مدمج بتبعية أجنبية)، كما حددت هذه المادة واجبات المنتخب (بكسر الخاء) وهو الذي ينتخبه المنتخبون الأولون لينتخبوا نوابا في حين أن النائب الذي ينتخبه المنتخبون الثانيون ليكون عضوا (نائبا) في المجلس التأسيسي. وتطرق الفصل فيما يتعلق بالدوائر الانتخابية وأقسامها ويتكون من أربعة مواد، حيث عد كل لواء (محافظة) دائرة انتخابية وكل قضاء أو ناحية تابعة لها.
الدعوة لمقاطعة الانتخابات :
لم تكد تبدأ الانتخابات حتى دعت الحركة الوطنية الى مقاطعتها، فأدى ذلك الى استقالة اللجان الانتخابية في بعض المدن العراقية، ولم تستطيع الحكومة تأليف تلك اللجان في مناطق اخرى، وواجهت صعوبات في تشكيل الهيئة التنفيذية في بغداد. فالمعارضة اعتبرت الانتخابات اسلوبا بريطانيا لترسيخ سلطتها في العراق، وقدمت مذكرة الى الملك فيصل الأول طالبت فيها الحصول على الاستقلال التام ورفض المعاهدة واطلاق حرية الصحافة والأحزاب واعلنت معارضتها للانتخابات.
كما أصدر عددا من العلماء الفتاوى بتحريم المشاركة بالانتخابات، الا بتحقيق مطاليب الشعب، التي ذكرناها آنفا، وعدوا ذلك مطالب وطنية لإثبات حسن نية الحكومة لإجراء الانتخابات، واذا لم تستجب الحكومة لشروط ومطالب الحركة الوطنية،فإن الحركة الوطنية قررت مقاطعة الانتخابات في أغلب أنحاء العراق وخصوصا في بغداد والموصل لأنها رأت أن اجراءها في ظل الانتداب تثبيت للاستعمار.
ومن الجدير بالذكر أن المقاطعة لم تقتصر على المسلمين وحدهم، فقد ظهرت اعلانات موجهة الى المسيحيين تخبرهم أن رجال الدين المسيحيين أفتوا بمقاطعة الانتخابات تمسكا بالوحدة الوطنية وحفظا للمصالح المشتركة ومؤازرة للمسلمين.
لقد كان لاستجابة العراقيين بمختلف قطاعاتهم لمقاطعة الانتخابات أثر واضح انتهى بفشل اجراء الانتخابات التي بدأت في تشرين الأول 1922، كما لم يستطع المجلس التأسيسي الانعقاد كما كان مقررا له في كانون الثاني 1923م.
على الرغم من ان وزير الداخلية (عبد المحسن السعدون) قد بدأ باتخاذ الخطوات الضرورية لبدء عملية الانتخاب، وأصدر بيانا دعا فيه الى التضامن والتعاضد وإلتزام السكينة – لأن السعدون كان يعتقد بضرورة اتباع سياسة حازمة اتجاه المعارضة وحملها على الاستجابة لمواقف الحكومة والانصياع لأوامرها- لكنه لم ينفع، لذا توجب على الحكومة أن تتجه الى ازالة الأسباب التي أدت الى وقف الانتخابات للسير بها من جديد ليتمخض عنها مجلس تأسيسي منتخب.
وفي 12 آذار 1923 توجه الملك فيصل الأول الى الموصل، وقد استقبله الأهالي فيها استقبالا حارا، مظهرين تمسكهم بوحدة التراب العراقي. وفي مأدبة أقامها وجهاء المدينة، ألقى الملك كلمة أكد فيها ضرورة عقد المجلس التأسيسي لغرض الدخول الى عصبة الامم.
من جانبه قام علي جودة الأيوبي – وزير الداخلية- بزيارة الموصل لدعوة المعارضين فيها للإسهام في الانتخابات. ورأى الأيوبي أن الموصل كانت من أشد المناطق في العراق معارضة لهذه الانتخابات، وقال عنها: “… كانت من أشد المناطق في العراق معارضة لهذه الانتخابات” وأضاف: “… في بعض المناطق كانت تقوم معارضة شديدة لإجراء الانتخابات وأشدها معارضة في الموصل، لذلك ذهبت اليها وأقنعت المعارضين بفكرة الانتخابات ودعوتهم الى المساهمة فيها، بعد أن ضمنت لهم حرية الانتخابات وازالة أسباب الشكوى والتذمر…”.
وقد تقابل الملك فيصل الأول والمندوب السامي البريطاني (هنري روبس) في 30 أيار 1923، فأخبر الملك المندوب بأنه لن تكون هناك صعوبة الآن في اجراء الانتخابات في ولاية الموصل، كما أبلغه بأن الوقت مناسب لإجراء الانتخابات في جميع أنحاء العراق في أقرب ما يمكن.
قامت وزارة الداخلية بتوجيه كتاب سري في 13 حزيران 1923 الى جميع المتصرفين تطلب منهم توضيح الظروف التي تعيشها ألويتهم لدراسة امكانية اجراء انتخابات المجلس التأسيسي، فكانت الاجابات ايجابية، وعلى أثرها عقد مجلس الوزراء جلسة خاصة في القصر الملكي ترأسها الملك فيصل الأول وحضرها عبد المحسن السعدون (رئيس الوزراء) وبقية الوزراء، وتقرر تجديد اللجان الانتخابية في الألوية كافة، وتقرر تعيين يوم الخميس 12 تموز 1923 موعدا للمباشرة في اجراء الانتخابات.
أعربت جريدة الاستقلال بعددها الصادر في 23 تموز 1923، عن تفاؤلها بفوز الوطنيين في انتخابات الهيئة التفتيشية في كل من بغداد والموصل.
وفي 27 آب 1923 بدأت مرحلة انتخاب الناخبين الثانويين، ويبدو أن تصدر المعارضين للساحة الانتخابية في بغداد والموصل قد أثار حفيظة المندوب السامي البريطاني فوجه في 31 آب 1923 رسالة الى كوراندليس – مستشار وزير الداخلية – طالب فيها اطلاع الملك ورئيس الوزراء عليها ومما جاء فيها : ” … ويظهر من التقارير أن المتطرفين ما زالت لهم الأكثرية الساحقة …” وطالب “بتحذير الحكومة من ذلك …”
وفي 9 شباط 1924، أصدرت وزارة الداخلية بلاغا تضمن جدولا لتقسيم النواب على الألوية، بحسب قرار ديوان الانتخاب في جلسته المنعقدة في 7 شباط 1924، مبينا فيه عدد أعضاء المجلس التأسيسي الواجب انتخابهم في اللواء عن المدن والعشائر والطوائف غير المسلمة .
وهكذا تمكنت وزارة عبد المحسن السعدون الاولى (18 تشرين الثاني1922- و 22 تشرين الثاني1923) من اتمام عملية انتخاب المنتخبين الثانويين، ولكنها استقالت قبل اجراء انتخابات النواب، فألف الوزارة جعفر العسكري في 22 تشرين الثاني 1923 وقد نص منهاجها على انهاء انتخابات المجلس التأسيسي، وجمعه بأسرع وقت ممكن. فقررت وزارة الداخلية اجراء الانتخابات في 27 شباط 1924، وقد بذلت السلطة جهدها الواسع لفوز مرشحيها في هذه الانتخابات واتضح الأمر بتدخلها المباشر فيها لتحقيق ما ترمي اليه.وبالفعل اجريت الانتخابات في 25 شباط 1924، وأعلنت عن الفائزين لعضوية المجلس التأسيسي .
هكذا تمكنت السلطة من انهاء عملية الانتخابات في أجواء سياسية عاصفة خصوصا في بغداد والموصل بعد تمكنها بالتهديد والقمع والابعاد من ازاحة العناصر الوطنية عن ساحة الانتخابات . كما ظهر للعيان أن السلطات البريطانية قد اطمأنت الى النتائج التي تحققت بفوز أغلبية تميل الى ابرام المعاهدة العراقية – البريطانية .
عن ( مركز الرافدين للدراسات الاستراتيجية )
اقرأ ايضا
من ذكريات نائب في العهد الملكي..ماذا كان يفعل برلمان الثلاثينيات؟
خيري الدين العمريسارت الحكومات منذ تأسيس الدولة العراقية سنة 1921 وإلى سنة 1930 في سياقات …