قصي الفرضي
لفترة قصيرة ابتعدت فيها مائدة نزهت عن الاذاعة والوسط الفني برمته بسبب بعض المشاكل التي جابهتها من قبل بعض الفنيين والادرايين في اعتراضها لعدم اذاعة اغانيها وكان ذلك عام 1955 وهي لم تزل في بداياتها.. واستمرت الحالة حتى عام 1957 بعد ان عاد الفنان وديع خندة من غربته وعمله في اذاعة الشرق الادنى الناطقة باللغة العربية في قبرص وبيروت، وهو الفنان الذي اصبح اول رئيس لقسم الموسيقى في الاذاعة عند تاسيسه منتصف الاربعينيات بجهود منه وقرار من مدير الاذاعة زمنذاك المرحوم حسين الرحال.. وعن طريق الملحن احمد الخليل تعرف على مائدة نزهت حيث ذهبا معا الى اهلها لاقناعها واقناعهم بالعودة الى الغناء بعد ان اقتنع الفنان وديع خندة بصوتها فقد اسمعه احمد الخليل اغنية (اصيحن اه والتوبة) باستوديو الاذاعة.. وفي هذه الزيارة تمت تسوية الامر وعادت مائدة الى الوسط الفني والاذاعة لتواصل نشاطها الغنائي.. لتبدا مرحلة جديدة من مسيرتها الفنية .
وعن هذه الحقبة يقول الملحن المرحوم عباس جميل في لقاء له قمت بتلحين اول اغنية لمائدة نزهت قبل ان تغني للاذاعة هي ( جاني من حسن مكتوب ) ضمن فلم دكتور حسن ربما كانت طريقها للاذاعة , بعدها غنت من الحاني يا كاتم الاسرارباستوديو الاذاعة …
لقد جلب وديع خندة معه الى بغداد عام 1957 خبرة لرؤية فكريه وجمالية عاشها في قبرص مذيعا في اذاعة الشرق الادنى الناطقة بالعربية. وكان بفطرته ذا رؤية ثاقبة في كل موهبة فنية بما في ذلك موهبته.. فمضى يكتشف ما تنطوي عليه تلك الموهبة بالنسبة اليه في جد وانتظام.. وبدأ عطاؤه الجديد الى الاجيال الجديدة بالحانة وملاحظاته وادارته لقسم الموسيقى وفسح المجال للقابليات الموهوبة الاخرى لتبدو النتاجات واضحة..
اما الانسة مائدة نزهت وهي المطربة الجديدة فقد كان حظها اوفر من الجميع في مسيرتها الفنية حيث كان الثامن عشر من اذار عام 1958 موعدا لزواجها بهذا الفنان الموهوب وديع خندة بعد قصة حب جميلة، وبذلك بدات مائدة نزهت مرحلة جديدة وجدية في مسيرتها الفنية. ومن هذا التاريخ ايضا نلاحظ ان نشاط مائدة نزهت الفني قد بدا يستقر بصورة تدريجية. واصبح اقل من السابق، ولكنه اصبح نتاجا اكثر اتزانا ورصانة فحفلاتها الخاصة قد انعدمت او شبه ذلك ونشاطها الانتاجي امسى اكثر دقة وانتظاما.
تعتبر الالحان التي لحنها الفنان وديع خندة لمائدة نزهت قبل وبعد زواجه منها بقليل انعطاف جديد في مسار الاغنية الحديثة في بنائها اللحني من حيث تنوع الكوبليهات مع المذهب، وهو يبين لنا ايضا خلجات كتّاب الاغاني هذه، وهكذا كانت مائدة نزهت سيدة الموقف في حصيلة النتائج التي استطاعت ان تعبر عن مشاعر الملحن والكاتب معا، وهكذا كان الاتفاق التعبيري لمجموعهم.. ومن هذه الاغاني مثلا اغنية يم الفستان الاحمر التي كتب كلماتها الشاعر عبد المجيد الملا واغنية – احبك لا – التي كتبها اسماعيل الخطيب واغنية تجونة لو نجيكم من كلمات رشيد حميد واغنية تاليها وياك التي كتبتها امل سامي واغنية نسمات رومبا وسامبا بغداد التي كتبها حسن نعمة العبيدي واغنية وينك التي كتبها وديع خندة نفسه
يروي الفنان حسين الاعظمي : وفي صدد اغنية – تاليهه وياك – اذكر اني كنت مرة خلال الدوام الوظيفي اليومي لفرقتنا ونحن نتمرن على بعض الاعمال الغنائية المقامية وابداء بعض الملاحظات المقامية للفنانة مائدة نزهت وقد كنا في حضرة مقام الحكيمي وهو من سلم مقـام الهـزام .. وفي هذه الاثناء مال حديثنا الى اغنية – تاليهه وياك- وهي من نفس السلم حتى اخذت تغني ببعض مقاطعها التي ابديت اعجابي ببنائها الموسيقي وادائها المتقن الجميل فسألتها عن ظروف هذه الاغنية … فكانت ان اجابت بصراحة وجراءة فقالت (في هذه الفترة كنت على علاقة حب طاهر نقي مع الفنان وديع خونده عام 1957 )، وكان ذلك قبل زواجنا طبعاً ، كنت كمراهقة غرة ، لا يهمها كتمان مشاعرها وكان قد لحن لي هذه الاغنية فعند تسجيلها في ستوديو الاذاعة كان وديع موجود في كونترول الاستوديو جالساً مع المخرج وكنت انا في ذروة مزاجي الغنائي ومشاعري الجياشة مما جعلني اغني بكل الصدق والجودة فكان ان نجحت هذه الاغنية نجاحاً كبيراً ليس فقط لجمالها بل لمستواها الراقي في الكلمات والبناء اللحني والاداء الغنائي . وبذلك يمكننا ان نقول من جانب اخر ان هذه الاغنية سجلت قبل عام 1958 وهو عام زواجهما .
في خضم الاحداث التي كان يعج بها العراق اواخر العقد الخمسيني وبداية العقد الستيني وبسبب مضايقات معينة, سافرت مائدة نزهت مع زوجها وديع خندة عام 1962 الى بيروت , وهي المرة الاولى التي تسافر فيها خارج العراق , وفي بيروت بدات مرحلة جديدة من مسيرتها الفنية فقد كان زوجها على علاقة ببعض الصداقات مع الفنانين اللبنانيين والعرب منذ ان عمل في اذاعة الشرق الادنى . مثل عبد الحليم حافظ بواسطة محمد عبد المطلب الذي كان صديق وديع خندة في بغداد وتعرفت على اعضاء الفرقة الماسية وهدى سلطان ولبلبة ونجاح سلام وصباح ووديع الصافي ونصري شمس الدين وغيرهم . وفي هذه الفترة من اقامتهم في بيروت لحن لها زوجها اغنية يا خوية ويا احلى خي التي كتب كلماتها زين شعبي
في هذه الاثناء وبعد تحسن وضعهما واستقرارهما , قاما بسفرة سياحية الى اوربا عادا بعدها الى ارض الوطن عام 1963 ثم اضطرا للعودة الى بيروت ثانية وبقيا هناك , وفي عام 1964 انجبت مائدة ابنها البكر اياد وبعد ذلك باشرا مرة اخرى نشاطهما الفني وقد ذهبا الى سوريا التي فتحت ابوابها لهما , ولكنهما بقيا في دوامة من الذهاب والاياب بين سوريا ولبنان , ونشاطهما الفني مستمر وقد ساعدهما الفنان الكبير الفلسطيني الاصل حليم الرومي حيث كان مسؤولا عن الموسيقى في الاذاعة اللبنانية , وقد لحن لها بعض الفنانين العرب منهم حسن غندور وعفيف رضوان وخالد ابو النصر وسعدون الراشد والكويتيان عوض دوخي وحميد الرجب بعد ان سافرت الى الكويت لفترة معينة .
اقرأ ايضا
عائلة خندة البغدادية
طارق حربهي عائلة بغداديه منذ أربعة قرون ومنذ أن شاركت مع السلطان العثماني مراد الرابع …