إعداد: ذاكرة عراقية
يقول الاستاذ الجواهري في مذكراته:
لقد كتب الكثيرون عن ثورة 14 تموز وكان كل واحد منهم انما يكتب وفق اهوائه ومواقفه ومصالحه من هذة الثوره وزعيمها ولانني واحد من شهود العيان فيها لاسيما اني عشت وشاركت وتفاعلت مع احداثها وبخاصة مع زعيمها ابان الثوره وقبلها بعشر سنوات واكثر من ذلك فقد كنت الوحيد الذي قرأ الفاتحة عليها وانا اسمع اسماء الوزراء في الوزاره الاولى بعد الثورة.
صحيح اني لا اكتب بمنهجية المؤرخ ولكني اكتب برؤية من وحي الاحداث وقناعة من شارك فيها وتحليل من خبر خلفياتها لذا وجدت لزاما علي ان اعيد كتابة التاريخ بوقائعه وحقائقه.
ان الفترات الحرجة التي سبقت الثورة والتي كان نوري السعيد يهيمن فيها على الحياة السياسية بشكل غير مسبوق وقد خلق تلك اللعنة الموروثة التي اعجزت خلفائه عن اتباع سياسة خاصه بهم.فقد كان حكمه استبداديا قضى على كل نشاط سياسي واعتمد في ذلك على اجهزة الامن والتحقيقات الجنائية السيئة الصيت مقللا في ذلك من شان السخط الشعبي.
ونيجة الوضع السياسي والاقتصادي المتردي للشعب العراقي ولدت جبهة الاتحاد الوطني من اربعة احزاب هي الحزب الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي وحزب البعث وحزب الاستقلال.
هذه الجبهة التي ساعدت على انضاج فكرة الثورة وقبلها تشكلت حركة الضباط الاحرار وكان عبد الكريم قاسم احد اعضائها وبعد ذلك رئيسا لها في اخر ساعات صبيحة الرابع عشر من تموز عام 1958 دخل عبد الكريم قاسم العاصمة بغداد بوصفه القائد غير المنازع للثورة ورئيس الحكومة واتخذ من وزارة الدفاع مقرا له ومنذ اللحظات الولى لولادة الجمهورية الجديدة رحت ابارك ما كنت اعتقده انه خلاصا وما كنت احسبه انهاءا تحرريا لقد كان ما كان من محض اعتقاد عابر ولكن هل يمكن ان ينقذ الاعتقاد والتكهن موقفا.
ليتني بقيت في قضاء علي الغربي لكنت بقيت في منجاة من محاكمة الضمير صحيح ان الذي كان يجمعني بعبدالكريم قاسم هو رباط قوي يمتد الى سنوات قبل الثورة وصحيح ان عبد الكريم نفسه كان صادقا معي كل الصدق وامينا كل الامانة في الحفاظ على تلكم العلاقة ولكن هل كانت النتائج بمستوى المقدمات وهل اثمرت هذه العلاقة ما كنت اتمناه للثورة ومسيرتها وهل جرت الرياح بما تشتهي السفن.
سوف اتطرق هنا الى شخصية عبد الكريم باعتباري اكثر العارفين به لقد كان عبد الكريم مصابا بمرض شبه عضال والذي شاءت الصدف ان اكون اول الشاهدين عليه في لقائي معه في لندن قبل عشر سنوات من الثوره حيث كان يعرض امامي فحوص الاطباء وكشوفهم.
واكثر من هذا وبعد عشر سنين من ذلك كنت من الشهود النادرة على عقابيل مرضه هذا وذلك عندما قام عدد من الاطباء السوفيت الذين استقدوا من الاتحاد السوفيتي بشكل سري وتحفظ وقد تمت معالجته وشفي من المرض ولكن ظلت اثاره تنعكس على شخصية وطباع وتصرفات هذا الرجل اقول هنا وبدون فخر اني كنت اكثر الناس احتكاكا بعبدالكريم منذ الايام الاولى من الثورة وقد تعرفت على شخصيته بشكل لا يعرفه الاخرين.
ان عبد الكريم من اكثر الناس نظافة ووطنية ومن اشدهم انتماءا للفقراء كما انه من الد اعداء الاستعمار وكان زاهدا بامور الحياة مترفعا عن الملذات الشخصية يملك الكثير من الذكاء ولكنه في الجانب الاخر كان يملك ثقافة محدوده لذلك كان يشطح احيانا في خطاباته وكان نموذجا للعناد وعدم المنهجية وانعدام العقيدة
وكراهية روح النقد والمنافسة كل هذه الصفات ادت به الى ان يتارجح في سياسته من اقصى اليمين الى اقصى اليسار.
ونتيجة لذلك فقد وجهه ضربات موجعة للاحزاب والجماعات والافراد الذين كانوا يمثلون الدعامة الكبرى لحكمه ومسيرة الثورة ويمكن وصفه بانه شخصية وطنية وكفاحية متناقضة مزدوجة وهو لا يخلو من الرواسب والعقد لم يكن عبد الكريم شجاعا لحد التمجيد ولا جبانا لحد الاستهانة لقد كان فيهما كما هو في كل مفارقاته وتضارب نزعاته واهوائه ومواقفه خليطا عجيبا ومزيجا غريبا من كل ما هو الشئ ونقيضه.
خلال وجودي في مدينة علي الغربي حيث كنت اعمل مزارعا هناك وفي ساعة الصباح المبكرة من يوم 14 تموز وعندما فتحت المذياع واذا بي استمع الى ان جمهورية جديدة ولدت في العراق وكدت اطير من الفرح
والنشوه حين سمعت النبا ولكن هذا الشعور اختفى حين سمعت اسماء الحكومة الجديدة واستطيع ان اقسم على اني قرأت الفاتحة على هذه الجمهورية وبقيت مستمرا في تلاوتها اياما وليالي وخامرني شعور غريب وقرات الاحداث وما سيحصل في الايام المقبلة معتمدا في ذلك على خبرتي الطويلة في الحياة واستطيع ان اترجم مشاعري ان علاقتي بتلك الجمهوريه منذ ولادتها ولادة بائسة فاشله متهوره بل ومسحوقه كولادة زعيمها.
وصلت الى بغداد في يوم 24 تموز اي بعد عشرة ايام من قيام الثوره بعد الحاح شديد من قبل قيادة الثوره والجهات السياسيه لانهم كانوا يعتقدون اني ساكون اول من يبارك قيام هذه الجمهوريه ومنذ بداية وجودي في بغداد وبعد ان عرفت ما حدث للملك فيصل الثاني وعائلته وكيف تم قتلهم والتنكيل بهم عرفت ان هذه الثوره محكوم عليها بالموت منذ ولادتها.
لم يمض شهر على قيام الثوره حتى بدات الانقسامات تطفو على واجهة احداثها وانعكس ذلك على القوى السياسيه داخل البلد وكل من عاصر احداث هذه الفتره يعرف حق المعرفه كيف كانت تسير الامور وما كان مصير الثوره والثوار بعد انقلاب 8 شباط الاسود وما جرت من ويلات على العراق وشعب العراق.
اقرأ ايضا
كيف صدر الدستور المؤقت لثورة 14 تموز 1958؟ودور حسين جميل في كتابته
آية جميل عباسعقب قيام ثورة 14تموز عام 1958، حدثت العدد من المتغيرات على الصعيد السياسي …