سلمان هادي الطعمة
وابتدأت المظاهرات السلمية في ساحات كربلاء للمطالبة باستقلال بلادهم غب تحرير الكتابين اللذين أرسلهما المرزا الحائري إلى الملك فيصل بن الحسين وكتاب المرزا محمد رضا نجل المرزا الحائري إلى الملك علي بن الحسين، وقد استمر الوطنيون على نشاطهم في الاجتماعات وبث الدعاية ونشر الآراء في المطالبة الصريحة السلمية فأزعج ذلك الحكومة المحتلة مما خشيت سوء العاقبة، الأمر الذي دعتهم إلى إبعاد كل من السيد محمد علي الطباطبائي وعبد الكريم آل عواد رئيس عشيرة آل عواد وعمر الحاج علوان رئيس عشيرتي الوزون والسلالمة وطليفح الحسون رئيس عشيرة النصاروه ومحمد علي أبو الحب والسيد محمد مهدي المولوي، فأرسلوا إلى الهند وذلك بتاريخ 5 ذي القعدة سنة 1337 هـ المصادف 1 تموز سنة 1919 م.
باستثناء السيد محمد علي الطباطبائي الذي تم تسريحه وأرسل إلى سامراء لمدة ستة أشهر، وأخيراً أطلق سراحهم حيث أصدر الحاكم العام السر ولسن أمره بإرجاعهم فوصلوا كربلاء يوم 9 ربيع الأول سنة 1338 هـ.
واشتدت الحركات والمظاهرات، وأخذت تتوسع شيئاً فشيئاً، وعلى اثرها تم تأسيس جمعية سرية باسم (الجمعية الوطنية الإسلامية) س، وقد تألفت عقيب الهدنة في كربلاء. ونتيجة لتلك النشاطات التي قام بها الوطنيون، القت الحكومة القبض على كل من الشيخ محمد رضا نجل الإمام الشيرازي والشيخ هادي كمونة ومحمد شاه الهندي وعبد الكريم آل عواد وعمر الحاج علوان وعثمان الحاج علوان وعبد المهدي القنبر وأحمد القنبر والسيد محمد علي الطباطبائي والشيخ كاظم أبو ذان وابراهيم أبو والده والسيد أحمد البير ونفتهم إلى جزيرة (هنجام) في الخامس من شهر شوال سنة 1338 هـ (22 جزيران سنة 1920 م). وفي هذه الأثناء عدل الميجر بولي عن القبض على السيد هبة الدين الحسيني لثبوت إصابته بالرمد وعدم اشتراكه في المظاهرات، كما عدل عن القبض على المرزا أحمد الخراساني بتوصية من أحد العلماء (1) ولما كانت حركات المتظاهرين لم تلق نجاحاً مطلوباً مما دعا إلى إعلان الثورة المسلحة، فاندلعت الشرارة الأولى لنار الثورة العراقية من كربلاء في يوم 30 حزيران سنة 1920، وذلك لسببين رئيسيين: الأول وجود آية الله الشيرازي قطب الوطنية الصادقة في كربلاء، الثاني زيارة النصف من شعبان، حيث اجتماع القبائل العراقية في هذه الأرض المقدسة. فكانت النتيجة أن هب الثوار بوجه الإنكليز، ودام الصراع العنيف عدة أشهر مما دعا الإنكليز إيقاف هذه المظاهرات عند حدها، والاستجابة لمطاليب العراقيين التي تتضمن السيادة والاستقلال.
ولابد لنا من الإشارة إلى أن تلك المظاهرات كبدت الوطنيين خسائر
فادحة في الأرواح والمعدات وخاصة في بغداد. توضح الخاتون المس بيل ذلك فتقول ان الحكومة أرسلت سيارتين مسلحتين لتفريق المتظاهرين فقتل رجل أعمى سقط عرضاً فدهس، وحصلت في كربلاء مظاهرات شبيهة بالتي جرت في بغداد، فخرجت مظاهرة سلمية صاخبة، وعلى أثرها أفتى الإمام الشيخ الحائري بالجهاد وذلك بإصداره منشوراً دعا فيه إلى التظاهر وهذا نصه:
مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين ويجب عليهم في ضمن مطالباتهم رعاية السلم والأمن ويجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية إذا امتنع الإنكليز من قبول مطالبهم.
وعلى اثر ذلك تأسست في كربلاء عدة مجالس لحفظ الأمن وجمع الواردات والإعانات للمعوزين من الثوار وعينوا أعضاءها والأعمال التي تزاولها وهي:
1ـ المجلس العلمي: وأعضاؤه السيد هبة الدين الحسيني والسيد أبو القاسم الكاشاني وميرزا أحمد الخراساني والسيد حسين القزويني وميرزا عبد الحسين الشيرازي. ومهمة هذا المجلس بث الدعوة بين المواطنين في المدن والعشائر بلزوم الإشتراك في الثورة.
2ـ مجلس جمع الإعانات للمعوزين من الثوار: وأعضاؤه: السيد عيسى البزاز والسيد محمد رضا فتح الله آل طعمة والحاج حيدر القصاب والحاج قندي والسيد أحمد زيني.
3ـ المجلس الملي: وأعضاؤه: السيد عبد الوهاب آل طعمة والسيد أحمد الوهاب والسد محمد حسن آل طعمة والسيد عبد الحسين الدده والسيد ابراهيم الشهرستاني والسيد محمد علي آل ثابت والسيد حسن نصر الله وعبد النبي آل عواد وهادي الحسون وعبد علي الحميري والحاج عبد أبو هر والحاج علوان جار الله وعلي المحمد المنكوشي وعزيز علوان زنكي والحاج محمد الشهيب والحاج محمد حسن أبو المحاسن. ومهمة هذا المجلس ترشيح الموظفين وجباية الضرائب والرسوم وتوزيعها للصرف وتنظيم المستشفيات وتشكيل قوة من الشرطة وحسم الدعاوي وتأمين الطرق القريبة من كربلاء والقيام بواجب الإدارة. وبعد انسحاب الثوار إلى أبي صخير، اقترح العلامة الشيخ حسين زين العابدين أن يذهب وفد يمثل كربلاء مؤلف من السيد أحمد الوهاب والسيد عبد الوهاب آل طعمة والسيد محمد حسن آل طعمة والسيد ابراهيم الشهرستاني وعبد المحسن السعود والشيخ بحر آل شبيب رئيس اليسار والشيخ محمد حسن أبو المحاسن والشيخ محمد الشهيب وغيرهم.
وعند إخماد الثورة القت الحكومة القبض على كل من السيد عبد الوهاب آل طعمة والسيد علي هبة الدين الحسيني والسيد حسين القزويني والسيد محمد السيد أحمد الكشميري وعبد الرحمن آل عواد وعبد الجليل آل عواد والسيد حسين الددة وطليفح الحسون والشيخ محمد حسن أبو المحاسن والشيخ يحيى علي وسفرتهم إلى الهندية وذلك في ليلة الثالث عشر من صفر سنة 1339 هـ الموافق 23 تشرين الأول سنة 1920 م وسجنوا هناك حتى يوم 11 كانون الأول سنة 1920 م الموافق 1 ربيع الثاني سنة 1339 هـ حيث حوكموا في المحكمة العسكرية الإنكليزية، وأطلق سراح كل من الحاج محمد حسن ابو المحاسن والشيخ يحيى علي، وحكم الباقون بأحكام مختلفة، لكنها لم تبلغ اليهم، ومكثوا في سجن الحلة حتى 8 أشهر تم بعده صدور قرار العفو العام في 20 مايس سنة 1921 م واطلق سراحهم. أما الذين فروا من السلطة في أواخر أيام سنة 1921 م هم السيد نور الياسري الذي فر إلى الحجاز وعمران الحاج سعدون فقد فر إلى حدود العراق، وأرجعه سلمانزجرى بشرط أن يتوسطه لدى الحكومة وسلم نفسه وسجن مع رفاقه في الحلة، وكذلك السيد محمد الكشميري الذي فر إلى خارج كربلاء، وعندما علم أن السلطة قبضت على عائلته وزجتهم في السجن، سلم نفسه إلى الحكومة في 24 صفر سنة 1339 هـ أما عبد الجليل آل عواد فقد فر إلى أبو صخير وسلم نفسه إلى السلطة بعد مضي عشرة أيام، وقد أمرت السلطة بتهديم دور هؤلاء الفارين (1).
وهكذا شملت الثورة جميع منطقة الفرات الأوسط، وامتدت جنوباًَ حتى الناصرية وشمالاً حتى المحمودية، وأشتملت على أهم المدن الفراتية، وبعد ذلك قامت حكومات مؤقتة في المدن المحتلة عنوة وأخلاها الإنكليز اضطراراً ولم يكن بوسع حكومة الإحتلال إلا أن تعترف بالأمر الواقع. وفي هذه الأثناء انتقل الإمام الشيخ محمد تقي الحائري الشيرازي إلى الرفيق الأعلى في 3 ذي الحجة لسنة 1338 هـ (13 آب سنة 1920 م).
واستمرت الثورة والثوار على احتلال مدن الفرات الأوسط، كما استولى الثوار على لواء ديالى وأسسوا حكومات محلية، وسرعان ما سرت الثورة إلى اللواءين كركوك واربيل سريان النار في الهشيم، حتى شملت جميع أنحاء العراق من أقصاه إلى أقصاه، وراح زعماء الفرات والعشائر تقاوم الانكليز بكل صلابة وجرأة، حتى تم تشكيل الدولة العراقية وعين الفيصل بن الحسين ملكاً على العراق.
عن كتاب (تراث كربلاء)
اقرأ ايضا
ملف ثورة العشرين..صحافة الثورة العراقية الكبرى
د. إبراهيم خليل العلافكانت ثورة 1920 الكبرى في العراق ضد الاستعمار البريطاني ثورة وطنية قومية …