من تاريخ الحركة الديمقراطية …جمعية الأصلاح الشعبي في عهد انقلاب 1936؟

د . وسام هادي عكار التميمي

 القسم الثاني

انتخابات المجلس النيابي لعام 1937

أصدرت الوزارة السليمانية إرادة ملكية برقم(512) في (31 تشرين الأول 1936) ، بحل المجلس النيابي الذي جاءت به الوزارة الهاشمية الثانية، والشروع بانتخابات مجلس جديد، لتمكين الوزارة الحالية من القيام بالإصلاحات المنشودة على أساس التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، الذي كان مفقوداً في المجلس السابق، وحددت الوزارة السليمانية يوم (10 كانون الأول 1936) بداية الشروع في الانتخابات النيابية، على أن تنتهي في (20 شباط 1937).

حاول أعضاء جمعية الإصلاح الشعبي الحصول على عدد كبير من المقاعد النيابية في المجلس الجديد معتمدين على شعبيتهم، لاسيما في الأوساط التقدمية وعلى منزلتهم بين جماهير الشعب، فاخذوا يدعون إلى انتخابات حرة مباشرة لما لها من فوائد في الاطلاع على رغبات الشعب، ودفعه إلى المشاركة الفاعلة فيها، لضمان مجيئ نواب يمثلون الشعب تمثيلاً حقيقياً، وإبعاد تحكم السلطة الحاكمة في اختيار النواب، كما انتقدوا نظام الانتخابات غير المباشر في العراق واصفيه بأنه من مخلفات عهد الانتداب، وانه لم يعد يتناغم مع التطور السياسي والثقافي الذي وصل إليه الشعب.

وبعد إن غدتْ صحيفة الأهالي لسان حال جمعية الإصلاح الشعبي أخذت تنشر العديد من المقالات تدعم المشاركة في الانتخابات النيابية. ففي 21 كانون الثاني 1937 كان المقال الافتتاحي لصحيفة الأهالي دعوة المرشحين للمجلس إلى نشر مناهجهم وذكرت» إن أهم ما يجب أن يُراعى في هذه الانتخابات إن يعلن المرشحون وجهة نظرهم إزاء المشاكل العامة، وما ينوون إن يحققوه للشعب من خدمات في المجلس النيابي، ويتقدمون بذلك إلى الناخبين ليكون انتخابهم على أساس صحيح، وليكونوا مسؤولين تجاه ناخبيهم من الوعود التي وعدوا بها الشعب وانتخبوا على اساسها000إن اطلاع الناخبين على أهداف الذين يرشحون أنفسهم للنيابة من العوامل الرئيسة في تنشيط الانتخابات وجعلها تجري على أساس المبادئ لا الأشخاص، وبذلك تتولد حركة واسعة في المجتمع بالقضايا العامة، وتتهيأ أفكار الناس إلى الاشتراك في المسؤولية التي حُرِموا منها في الماضي، إذ لم يكن للشعب رأي في انتخاب ممثليهم، ولم يكن الذين يُؤتى بهم إلى المجلس إلا صدى للذين في الحكم، وهذا ما شل الحياة النيابية في العراق».

وتحت عنوان (الانتخابات النيابية) كتبت صحيفة الحارس لصحابها ومديرها المسؤول المحامي مكي جميل أحد أعضاء الهيأة المؤسسة لجمعية الإصلاح الشعبي مقالاً ذكرت فيه» مرت على العراق أربعة عشر عاماً تتابعت فيها المجالس النيابية الواحد تلو الآخر، ولم تكن المجالس لتمثل الشعب تمثيلاً صحيحاً لأنها كانت تجمع جمعاً من قبل القابضين على السلطة، فكانت دائماً تمثل مصالحهم الذاتية، وتخلص لمن جمعها، ولا علاقة تربطها بالشعب، لأنه لم يكن قد انتخبها بمشيئة وحرية، ولم تكن هناك جماعات منظمة وأحزاب تدخل المعترك النيابي وتجذب الجماهير إلى صناديق الانتخابات بمناهج وأهداف جلية واضحة تستهدف خير المجتمع وتحسن أحواله الإقتصادية والسياسية والاجتماعية، لذلك كان الشعب لا يشعر بإجراء الانتخابات ويتركها تسير حسب أهواء القائمين بها، فيقوم هؤلاء بملء الأوراق الانتخابية بأسماء من يشاءون أو من يوحي إليهم بها». وأضافت الصحيفة إن على عاتق المجلس الجديد واجبات تأريخية يتوقف عليها مستقبلنا في الأعوام القادمة، فعلى المخلصين والغيارى على مصلحة الشعب والوطن، إن يحثوا المنتخبين الأولين من أبناء الشعب إلى الاشتراك الفعلي بالانتخابات، وضرورة الحرص على إجراءها بشكل خالي من الغش والضرب على أيدي من يحاول العبث بحقوق الشعب الديمقراطية.

لاقت دعوات الإصلاحيين معارضة بكر صدقي وحكمت سليمان بحجة إن الانتخابات الحرة ستؤدي إلى رجوع عدد من النواب المؤيدين للحكومات السابقة في المجلس لنفوذهم في الأوساط المجتمعية.

في السياق ذاته، استفحل نشاط القوميين المناوئ للإصلاحيين، فمنذ حدوث الانقلاب كانوا يقومون ببث الدعايات والنشرات ضده، وكوّنوا لجنة عليا من ضباط الجيش القوميين ومن بعض رجال السياسة لمراقبة الوضع، واتفقوا على مقاومة الإصلاحيين والتصدي لأفكارهم، وعقدوا اجتماعاً في عصر يوم وفاة ياسين الهاشمي في 21 كانون الثاني 1937، في دار محمد زكي رئيس مجلس النواب في عهد الوزارة الهاشمية الثانية، وتوصلوا إلى نتيجة مفادها إن ليس باستطاعتهم مقاومة قادة الانقلاب إلاّ عبرَّ استخدام سياسة مرنة للتفريق بين الجيش والإصلاحيين وإضعافهما، وتنفيذا لتلك الخطة أُختيرَ علي محمود الشيخ على للاتصال ببكر صدقي، ومحمد علي محمود للاتصال بحكمت سليمان، وبعد مداولات بينهم جرى الاتفاق على إن يقوم القوميون بدعم بكر صدقي وإيقاف دعاياتهم ضده مقابل إنهاء تحالف الجيش مع الإصلاحيين والتشهير بهم، وكان بكر صدقي بحكم ميوله الدكتاتورية مستعداً لتنفيذ ذلك الاتفاق، فاستطاع التأثير على حكمت سليمان وإقناعه بالتخلي عن حلفائه الإصلاحيين.

وفي الوقت الذي بدأت فيه الانتخابات العامة، كانت العلاقات بين الإصلاحيين وبكر صدقي قد تدهورت، ففي أواسط شباط 1937، اجتمع لفيف من رجال الجيش ومن القوميين، في دار بكر صدقي لإعداد القوائم النهائية بأسماء النواب الجدد، ولم يحضر ذلك الاجتماع أحد من (جمعية الإصلاح الشعبي)، وبتحريض من القوميين سعى بكر صدقي للحيلولة دون نجاح إي مرشح إصلاحي في الانتخابات، وفعلاً فكر بكر صدقي في إبعاد الإصلاحيين؛ لولا تدخل حكمت سليمان، وجعفر أبو التمن اللذين أقنعاه بالعدول عن تلك الفكرة، وذلك لأنهم من المساهمين في الانقلاب.

 جرت الانتخابات على قاعدة إرضاء الجميع، بكر صدقي والجيش والإصلاحيين وشيوخ العشائر والرغبات الشخصية، ومصالح الجماعات المتنفذة، والمعروف أن الانتخابات كثيراً ما زورت في المجالس النيابية السابقة واللاحقة، فكان وصول النواب أقرب إلى التعيين من الترشيح (45)، وهذا في الظروف الطبيعية للبلاد، فما هو وضع الانتخابات بعد أول انقلاب عسكري في تاريخ العراق المعاصر.

واستكملت في (20 شباط 1937)، وحصل الأصلاحيّون على ثلاثة عشر مقعداً، من أصل مائة وثمانية مقعد في المجلس النيابي الجديد وهم كل من:

جعفر أبو التمن عن بغداد.

كامل الجادرجي عن الحلة.

عبد القادر إسماعيل عن الموصل.

محمد حديد عن الموصل.

عزيز شريف عن البصرة.

حكمت سليمان عن ديالى.

صادق كمونة عن كربلاء.

يوسف عز الدين إبراهيم عن كركوك.

مكي جميل عن ديالى.

عبد الجبار الملاك عن البصرة.

نعمة المنصور عن البصرة.

ذبيان الغبان عن الكوت.

محمد الجرجفجي عن المنتفك.

 وبعد إعلان نتيجة الانتخابات عُين جعفر أبو التمن عضواً في مجلس الأعيان، فأصبح عدد الإصلاحيين في المجلس اثنى عشر عضواً. وكان الحزب الشيوعي السري سعيد بهذه النتيجة بوصول اثنين من المقربين إليه في ذلك المجلس هما عزيز شريف وعبد القادر إسماعيل.

 عقب حصول الأصلاحييّن على عدد ضئيل من المقاعد النيابية إذا ما قيس بأجمالي المقاعد النيابية، لم يُرضِ ذلك جعفر أبو التمن وكامل الجادرجي اللّذينِ أرادا إن تجري الانتخابات بصورة حرة مع استبعاد أي تدخل. برغم ذلك فأنهم لم يفقدوا الأمل وقرروا الوقوف صفاً واحداً وبقوة في المجلس الجديد، لتنفيذ مشاريعهم الإصلاحية. وما دعوا إلى الأخذ به من إصلاحات أساسية لتطوير المجتمع نحو الأفضل، إذ كان اشتراك الأصلاحّيون في المجلس كجماعة تؤمن بالديمقراطية إسلوباً في العمل، وغاية تعمل لتحقيقها في المجتمع.

عن رسالة ( جمعية الاصلاح الشعبي ودورها  )

اقرأ ايضا

الأخوان كويتي .. من الملاهي الى البلاط الملكي

د . عبد الله المدني ولد الأخوان صالح وداوود في منطقة شرق بالعاصمة الكويت في …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *