نهاية حركة مايس 1941 بدأت في البصرة

صالح محمد صالح العلي

في شهري نيسان ومارس من عام 1941 ، حدثت في العراق انتفاضة شعبية ، وبالرغم من انشغال كل من بريطانيا وحلفائها من جهة وألمانيا من جهة ثانية بمعارك الحرب العالمية الثانية ، الا انهما أجبرتا على ان يعطيا جزءًا من اهتمامهما بتتبع حركة 1941 في العراق التي تمخضت في 2 مايس من العام نفسه عن قيام حرب بين الجيش العراقي والجيش البريطاني . واذا كانت الأحداث الأولى للحركة قد بدأت في بغداد ، فان البصرة قد استطاعت أن تخطف الانتباه بعد هروب الوصي عبدالاله إليها ، ولذلك فقد كانت البصرة المدينة الثانية في العراق ، التي أدت دورًا في أحداث نيسان ومايس 1941.

يذكر عامر حسك ، انه في يوم 3مايس 1941 وحوالي الساعة الثالثة بعد الظهر ، وردت برقية من المقر العام كان مضمونها ، ان رئيس الوزراء وقادة الجيش قد التجأوا الى ايران وان جميع الضباط الموجودين في بغداد ، قد قرروا ايقاف القتال والدخول مع الجيش البريطاني في مفاوضة لعقد الهدنة ، على ان لا تمس شروطها بشرف الجيش العراقي بشيء ، ويطلب من العراق اكثر من تنفيذ المعاهدة العراقية البريطانية المعقودة سنة 1930 وخلاف ذلك سيواصل الجيش قتاله مهما كلفه الامر والى اخر جندي واخر اطلاقه.

عند ذلك أعلن العقيد رشيد جودت آمر الرتل بانه قرر الالتجاء إلى إيران خوفًا من إعدامه باعتباره المسؤول عن موقف حامية البصرة يوم 4 نيسان ، ولعدم اطاعته اوامر الوصي بالتقدم نحو بغداد فركب سيارة وتوجه إلى العمارة ومنها عبر الحدود من منطقة الحلفاية وسلم نفسه إلى قوات الحدود الإيرانية.

وقد تم كتمان هربه تلك الليلة خشية البلبلة ولاعطاء فرصة له كي يدخل ايران بسلام ، وفي صباح اليوم التالي اشعر المقر العام بالامر في مساء 31 مايس 1941 وردت للبصرة برقية من المقر العام تشعر الرتل انه قد تم التوقيع على الهدنة بين الجيش العراقي والقوات البريطانية واوقف القتال ، وفي حالة قيام القوات البريطانية بحركات عدائية او استفزازية (ضدكم) يجب مقاتلتها .

وفي صباح الاول من حزيران 1941 وصل الى القرنة زورق بخاري من البصرة يحمل ضابطين بريطانيين فتم استقبالهما من قبل المقدم عامر حسك والرئيس الاول مزهر الشاوي ، وكان يرافقهما الدكتور شمس الدين السيد طالب النقيب كمترجم ، وكان الاخير قد ترك عمله في شركة النفط والتحق بالثوار في القرنة متطوعًا ، وكان الضابطان يحملان ورقة مدون فيها شروط الهدنة وهي :

1 ـ ايقاف القتال حالا .

2 ـ تبادل تسليم الأسرى بين الطرفين .

3 ـ ابعاد جميع الضباط بما فيهم الألمان والايطاليين .

4 ـ عودة الوحدات الى معسكراتها الدائمة .

فيذكر (عامر حسك) بانهم اجابوا الضابطين (باننا لم نتلق هذه المعلومات عدا ايقاف القتال ، وكل شيء ترغبان عمله يجب اخذ موافقة وزارة الدفاع عليه ، وانهم غير مستعدين لتلقي امر من اية جهة عدا وزارة الدفاع …) فامتعضا من هذه الاجابة ورجعا إلى البصرة ، وشعرنا انهما يبيتان لنا شرًا.

ونظرًا لاحاطة مياه الفيضانات بالقرنة وعدم صلاحية الاراضي لعمل خنادق حماية بسبب (النزيز) وبعد توقيع الهدنة وايقاف القتال ، فان رتل دجلة قرر الانسحاب إلى العمارة ، حيث يكون الطقس فيها أفضل والاراضي مرتفعة وجافة ، وقد كتبت القوات العراقية إلى قائد القوات البريطانية في البصرة الرسالة التالية :

((نظرًا إلى اتفاقية الهدنة وشروطها ، قررنا العودة إلى معسكراتنا الدائمة في البصرة ولما كانت هذه مشغولة من قبل قواتكم ، نرجو اشعارنا بوقت اخلائها ومساعدة قواتنا في دخول معسكراتنا الدائمة)).

وبينما كانت الرسالة في طريقها إلى البصرة باشرت قوات البصرة بالانسحاب الى العمارة ، واستمرت الهيمنة العسكرية البريطانية على البصرة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 .

اما بالنسبة للوصي عبدالاله ، فقد عاد الى الحبانية بعد احتلال الفلوجة من الجيش البريطاني ، ومعه جميل المدفعي وبعض اعوانه ، واستقل المدفعي طائرة بريطانية متوجها إلى البصرة إذ وصلها في 24 مايس يحمل رسالة جاء فيها : الى كل من يهمه الامر في الوية البصرة والعمارة والمنتفق لقد عدت بعون الله تعالى إلى العراق ، وباشرت عملي كوصي شرعي على العرش العراقي ، وبالنظر لما تتطلبه المصلحة العامة ، فقد انتدبت عني فخامة السيد جميل المدفعي ليمثلني في الالوية الثلاثة المنوه عنها اعلاه ، مزودا بصلاحيات تامة لتنظيم الشؤون الادارية والعسكرية والمالية واعادة الامور الى مجاريها الطبيعية وتنظيم المحاكم وفق ما يقتضيه العدل ، والله ولي التوفيق.

وبعد وصول جميل المدفعي الى البصرة ، رفع العلم العراقي على مركز متصرفية اللواء في السادس والعشرين من مايس ، واذاع بيانًا الى موظفي ومستخدمي البصرة الباقين يدعوهم للعودة لاستئناف واجباتهم الرسمية فورًا وطلب من معاوني ومفوضي وافراد الشرطة مراجعة المتصرفية لتسجيل التحاقهم ، علمًا بان تسعة اعشار موظفي البصرة قد هجروا البصرة إلى بغداد اعتبارًا من 17 مايس .

وبعد مغادرة القادة الأربعة والتجاء الكيلاني ووزرائه إلى إيران مساء يوم 29 مايس ، فقد عاد المدفعي الى بغداد ليكون في استقبال الوصي عبدالاله .

وقد وجه كتابًا إلى الشيخ صالح باش اعيان . (بناء على ضرورة مغادرتي إلى بغداد ، وبالنظر لطلب سمو الوصي المعظم ، فاني أوكل معالي الشيخ صالح باش اعيان للقيام بالمهمة التي كانت ملقاة على عاتقي ).

اما الوصي عبدالاله فقد وصل بغداد يوم الأول من حزيران … واستمرت البصرة تدار من قبل الشيخ صالح باش اعيان لمدة خمسة ايام حتى وصول عبدالرزاق حلمي الذي عين متصرفًا للواء البصرة في 3 حزيران 1941 ، حيث جمع موظفي اللواء المشتتين في بغداد ، وغادر العاصمة يوم 5 حزيران وخول صلاحيات واسعة كالحبس والاعتقال والابعاد وقد وصل البصرة مع الموظفين الذين غادروا ، وبهذا تنتهي هذه الثورة التي بدأت احداثها في البصرة بوصول الوصي اليها في 3 نيسان وانتهت بوصول عبدالرزاق حلمي إلى البصرة يوم 5 حزيران 1941.

بعد نهاية الحركة توسط ماجد مصطفى لدى وزارة المدفعي بالعفو عن العقيد رشيد جودت والسماح له بالعودة للعراق ـ وبعد عودته احيل لمجلس تحقيقي ومحكمة عسكرية ، غير ان وزير الدفاع اللواء نظيف الشاوي ، اصدر امرا بمنع محاكمته واطلاق سراحه حين عين امرا اللواء المشاة السابع .

عن موقع ( شبكة البصرة الثقافية

اقرأ ايضا

الأخوان كويتي .. من الملاهي الى البلاط الملكي

د . عبد الله المدني ولد الأخوان صالح وداوود في منطقة شرق بالعاصمة الكويت في …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *