في ذكرى وفاتها في 21 كانون الاول 1950.. الملكة عالية .. بعض من حياتها الاجتماعية

نهلة نعيم عبد العالي
ولدت الأميرة عاليه في صبيحة التاسع عشر من كانون الثاني عام 1911 في حارة القشاشية بمكة المكرمة وكان والدها الملك علي حينذاك في أحدى غزواته خارج مكة. وفي يومها السابع سماها جدها الشريف حسين بن علي( عاليه) وبعد أربعين يوما من ولادتها ً أخذت كعادة أهالي مكة الى المسجد الحرام إذ طاف بها بالبيت الحرام السيد العلامة الشيخ عبدالله الزواوي وبعد ذلك وضعها على باب الكعبة وطلب من مؤذن الكعبة الشيخ محمد الشيبي أن يدعوا لها قائلا ً أدع لعاليه الفضائل .
كانت نحيفة القوام ذات عينيين واسعتين ووجه بيضوي يمتاز بأشراقة وبكلامها الذي ينطلق عن أدب أصيل ، والملكة عاليه كريمة الخلق متواضعة في أريحية وأنبساط ذات أسلوب مشرق الى جانب ما تمتاز به من بساطة في مظهرها ، ولم يكن في حديثها أي تكلف وكانت شخصيتها توحي بالأحترام ، هادئة الطبع وذات حلاوة في خلقتها وخلقها وكانت باسمة دوما ً ، قال الشيخ الذويبي لوالدها ” تمنيت لو خلق الله هذه الفتاة أميرا ً هاشميا ً لتحدث الركبان عن فتوتها ورباطة جأشها في الكر والفر”.
في الثامن من أذار عام 1920 غادرت الأميرة عالية وأخواتها الى دمشق لحضور حفل تتويج عمها الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على سوريا. وكانت تشاهد من أحدى الدور المطلة على ساحة الشهداء وصول عمها وحشود الشعب السوري تهتف ( يحيا ملك سوريا) ،ولم تمر مدة طويلة حتى عادت الأميرة عالية الى مكة ، وبقيت هناك حتى سفرها الى العراق عام وعاشت تحت رعاية عمها الملك فيصل الأول حتى أصبحت ملكة العراق عام 1934 ، عندما تزوجت من أبن عمها الملك غازي.
تمت خطوبة الأميرة عاليه في الثامن من أيلول عام 1933 عندما كانت في أسطنبول مع والدتها وشقيقاتها في زيارة الى جدتها ملك خانم ، وفي أثناء وجودها هناك توفي عمها الملك فيصل الأول في ليلة السابع من أيلول عام 1933 ، فاجتمعت العائلة المالكة وقررت زواج الملك غازي من أبنة عمه الأميرة عاليه تنفيذا ً لرغبة والده الملك فيصل الأول .
سافر الأمير عبدالإله ليصطحب والدته وشقيقاته ، وعندما علمت الأميرة عاليه بخطوبتها ، صعقت لهذا الخبر فلم تتوقع بأنها ستصبح يوما ً زوجة للملك غازي لأنه يصغرها بعام كما أنها كانت تميل الى إبن عمها الأمير طلال بن عبدالله وعلقت قائلة ” هل أنا جارية لكي يبيعوا ويشتروا بي دون أن يأخذوا رأيي ” .
عادت الملكة عاليه في الثامن من كانون الأول عام 1933 الى بغداد ووقف متصرف لواء الموصل تحسين قدري وعدد من مسؤولي الدولة لأستقبال ملكة العراق حيث اقيم حفل زفافها في الخامس والعشرين من كانون الثاني عام 1934. وبهذه المناسبة أذاع مجلس الوزراء العراقي بياناً جاء فيه “بمنـّه الله تعالى تم زفاف الملكة عالية إبنة الملك علي المعظم ملك الحجازالسابق في عاصمة مملكة العراق وذلك في الساعة التاسعة والنصف مساء يوم الخميس 9 شوال سنة 352 هـ ، الخامس والعشرين من كانون الثاني1934 جعل الله هذا القران السعيد مقروناً بالرفاه والبنين ” .
أقتصرحضور الزفاف على أقارب العروسين فقد كان الحزن على وفاة الملك فيصل الأول مستمرأً في البلاد وكان حفل الزفاف بسيطا ً ، وقد حضر رئيس الوزراء جميل المدفعي ورؤساء الوزارات السابقين وأعضاء الوزارات القائمة آنذاك ووزعت النقود على الفقراء والمحتاجين في سائر أنحاء العراق،وأنتقلت الملكة عالية الى قصر الحارثية على أعتبار أنه لايجوز أن تسكن ملكتان في قصر واحد ، اي مع الملكة حزيمة، وبعد أن أكتمل بناء قصر الزهور أنتقلت الملكة عاليه الى مقرها الجديد وأخذت تتلقى دروسا ً في العلوم والثقافة والآداب من مدرسين أكفاء .
أنجبت الملكة عاليه أبنها الوحيد الأمير فيصل في الثاني من آيار عام 1935 ، بعد أن أصيبت بالأجهاض في حملها الأول في التاسع من آيار عام 1934 وكرست نفسها لتربية أبنها الوحيد وكان منذ طفولته يخاطبها بكلمة ستي كما كان يخاطب مربيته بكلمة ماما . وكانت تطلب من المقربين إليه أن يعامل مثل الأطفال الأخرين ، وأعتادت الملكة عاليه في الأعياد والمناسبات توزيع الهدايا على الخدم. وعندما بلغ الأمير فيصل الثاني الخامسة من عمره أوكلت إليه هذه المهمة ، وكانت على الرغم من ألتزاماتها تقوم بالأشراف على دروسه وتنمي القدرات والمواهب التي تلاحظها عليه ومساعدته على تنميتها وحرصت على أن يطلع على سير الشخصيات العربية والأسلامية التاريخية لتهيئته ملكا ً ، وقد قبل في (مدرسة هارو العامةHarrow Public School ) في بريطانيا وكان في الثالثة عشر من عمره بعد أن أمضى سنة في( مدرسة ساندرويد Sandroyd School) التمهيدية ، وقد أشترت الملكة عالية منزلاً في ستانويل في لندن لتكون قريبة من ولدها (2) ، طلبت من ناظر الخزينة أن يعامل ولدها مثل الصبيان الأخرين وأن لا تعطى له أية أمتيازات خاصة.
كانت الملكة عاليه تتابع جميع النشاطات التي تقيمها الكلية التي يدرس فيها الملك فيصل الثاني ، وقد حضرت مع شقيقتها في عام 1949 مهرجان الخطابة الذي أقيم في الكلية (4)، وبعد وفاتها علق عميد الكلية الدكتور مور قائلا ً ” لقد شعرنا بفراغ كبير في الحفلة في هذا العام أذ شغر فيها مكان الملكة عاليه الفقيدة بشخصيتها الباهرة ” . بدأت حالة الملكة عاليه تتدهور عام 1948 وعندما كان شقيقها الوصي عبدالإله يسألهاعما تشكوه حين يجدها مضطجعة تقول له بأنها لا تشكو من شيء وأنها متعبة قليلا ً ولكن عبدالآله أحس بأنها تشكو من مرض ولا ترغب في أخباره حتى لا تقلقه ولهذا طلب أجراء الفحوصات الطبية لها في لندن . وأجريت لها عمليتان جراحيتان عام 1950 بعد أن تبينت بأنها مصابة بمرض السرطان ولكن لم يتحقق أي شفاء ولم يكن بوسع الأطباء سوى أستعمال الحقن لتسكين الألم (. وقد أقترح الوصي على الأطباء نقلها الى الولايات المتحدة لكنهم نصحوه بأنه لا فائدة من ذلك ، وعادت الملكة عاليه في الثالث والعشرين من تشرين الأول بناء على طلبها قائلة “خذوني فأن عشت فأنا تحت سماء بلادي وأن مت فلأدفن بين أفراد شعبي ” . وقد رافقها في رحلتها طبيبان أنكليزيان هما(دكسن فرثDr.Dixson Firth ) و ( جونسون Dr.Johnson)، وعند عودتها الى العراق أشرف على علاجها الدكتور كمال السامرائي وقبل وفاتها طلبت من والدتها الملكة نفيسة أن تأخذها لزيارة قبر الرسول وكان يرافقها شقيقها الأمير عبدالإله وشقيقتها الأميرة جليله وأبنها الملك فيصل الثاني.
في ليلة الحادي والعشرين من كانون الأول 1950 أشتد المرض على الملكة عاليه فأستدعت ممرضتها الدكتور كمال السامرائي وكانت الملكة عاليه متعبة جدا ً فطلبت رؤية والدتها الملكة نفيسه وعندما دخلت عليها قبلت يدها قائلة ” أغفري لي يا أمي أن كنت قد أخطأت معك يوما” ً(4)، فلم تتحمل الملكة نفيسة الموقف فغادرت الغرفة مسرعة ، وطلبت الملكة رؤية شقيقتها الأميرة عبديه ، وأوصتها أن تكون أما ً للملك فيصل الثاني بعد وفاتها ، كما أوصت شقيقتها الأميرة بديعه بالأهتمام بزوجها ، وبعد ذلك دخل شقيقها الأمير عبدالإله فقالت له الملكة عاليه ” أريد أن يكون الدكتور كمال شاهدا ً على ما أقول يا أخي عبدالإله كان فيصل يتيم الأب وعما قريب سيكون يتيم الأم فعدني أن تكون له أبا ً وأما ً لأغفر لك ما مضى وأراد أن يقاطعها فردته بحزم ،عدني أمام الدكتور فهو شاهدي بدار البقاء ” (، فتمتم بالوعد وخرج ثم أخذت صورة الملك فيصل الثاني وقبلتها ووضعتها على صدرها وأعقب ذلك أضطراب في أنفاسها وبعد ساعة لفظت أنفاسها وبعد نصف ساعة أذاعت الحكومة نبأ وفاتها ، ونقل جثمانها من قصر الزهور الى البلاط الملكي ، ووقفت جموع من المواطنيين من نساء ورجال لألقاء النظرة الأخيرة على الملكة الشابة ، وصحبت سيارة الملكة شقيقاتها ووالدتها ، ودفنت في الثاني والعشرين من كانون الأول عام 1950 في المقبرة الملكية في الأعظمية وعم الحزن في أرجاء البلاد وأُقيمت المآتم على روح ملكة العراق ورددت أهزوجة في العراق :
كوم عزل يا عــــراقي وألبس هدوم السواد
ماتت أم فيصل الثاني وأحزنت كل البـلاد
عن رسالة ( سيدات البلاط الملكي في العراق )

اقرأ ايضا

إبراهيم عرب .. الحياة والسياسة والضحك العراقي

صادق الطائيمثل إبراهيم عرب ظاهرة اجتماعية وفنية في آن واحد؛ شخصية شعبية عراقية خرجت من …