د. عدنان القطان
ارتأت الحكومة البريطانية خلال سنوات الحرب العالمية الثانية تخفيف بعض التزاماتها الاقتصادية تجاه بلدان الشرق الأوسط الواقعة ضمن هيمنتها، أثر اشتداد الغزو الإيطالي لليونان في ٢٨ تشرين الأول ١٩٤٠م، واستناداً إلى المقترحات التي قدمتها ثلاث مؤسسات بريطانية بضرورة إيجاد مركز للشحن والتموين خاص بالمدنيين بالشرق الأوسط فقد تأسس (مركز تموين الشرق الأوسط) في نيسان ١٩٤١م في القاهرة، لتخفيف المصاعب الاقتصادية التي جابهت الشرق الأوسط بإدارة ضباط بريطانيين كانوا يعملون ضمن الأسطول البريطاني الموجود في منطقة البحر المتوسط وبمساعدة عدد من ممثلي بريطانيا السياسيين الموجودين في بلدان الشرق الأوسط، وبالتعاون مع ممثلي وزارة النقل الحربي البريطانية والشركة التجارية البريطانية، وقد ساهمت الولايات المتحدة الأمريكية بإدارة هذا المركز بعد عام ١٩٤١م وتمكنت عن طريق المركز من الإشراف الكامل على منطقة الشرق الأوسط، وساهمت الولايات المتحدة في تدعيم هذا المركز بعد عام من تأسيسه وبعدها أصبح المركز (منظمة بريطانية – أمريكية) وتضمنت واجبات المركز وضع الأسس العامة لأنظمة التموين الواجب تطبيقها في بلدان الشرق الأوسط، كما تضمنت استخدام التدابير لسد حاجة الاستهلاك المدني في تلك البلدان من السلع المستوردة عبر البحار وتوزيعها وتصدير الفائض إلى بلدان الحلفاء والبلدان المجاورة.
شمل عمل مركز تموين الشرق الأوسط عدة أقطار في آسيا وأفريقيا مثل (مصر، السودان، ليبيا، مالطا، قبرص، الحبشة، أريتريا، الصومال البريطاني، فلسطين، الأردن، سوريا، لبنان، السعودية، العراق، تركيا، ايران، عدن)، وقد ساهم في وضع الأسس العامة لأنظمة وقوانين التموين لبلدان الشرق الأوسط في مجال الاستهلاك وتثبيت الأسعار ومكافحة التضخم وتنظيم تبادل المنتوجات الزراعية المحلية بين بلدان الشرق الأوسط، بموجب قانون الإعارة والتأجير الأمريكي، ويلحظ أن أمريكا اتجهت سياستها وفق هذا القانون خلال سنوات الحرب العالمية الثانية نحو دعم بريطانيا إدراكاً منها بأن أي انهيار لبريطانيا يمثل خطراً على أمنها، فكان التعبير العملي لإبعاد هذا الخطر هو قانون الإعارة والتأجير الذي صادق عليه الكونغرس الأمريكي في ١١ آذار ١٩٤١م، ووفق هذا القانون كانت بريطانيا أول المستفيدين منه.
ساهم المركز في توزيع المواد المستوردة بموجب هذا القانون الأمريكي (قانون الإعارة والتأجير) مثل، السكر والشاي والأقمشة والأدوية الطبية، كذلك قدم خبراء المركز خبراتهم وإرشاداتهم للمصانع في بلدان الشرق الأوسط، وإنشاء المركز لجنة مهمتها إسداء النصح والإرشادات الطبية والحصول على الأدوية والمستلزمات الطبية عن طريق مجلس تموين الشرق الأوسط، وساهم المركز في تقديم المساعدات والإرشادات في مكافحة الآفات الزراعية وتطوير سبل الزراعة في منطقة الشرق الأوسط، وتمكن من توفير كميات كبيرة من الطحين المخلوط بما يزيد عن (٥٠٠) ألف طن سنوياً، وحصل العراق بموجب قانون الإعارة والتأجير على تجهيزات متنوعة بلغت قيمتها حتى الحادي والثلاثين من آب (١٩٤٥م) نحو (١,٣٢٠,٠٠٠) ديناراً من السلع والبضائع الضرورية التي تعذر العراق استيرادها من مكائن وآلات وفولاذ وإطارات سيارات … إلخ.
كان من نتائج نشاطات المركز هيمنته على الفروع الرئيسية للتجارة الخارجية والتموين وشؤون الاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، إذ انخفضت استيرادات المنطقة من البضائع الاستهلاكية بمعدل ثلاثة أضعاف مرات ونصف عما كانت عليه قبل الحرب، إضافة إلى سيطرته على المنتجات المحلية في تلك البلدان والتي كان يوزعها حسب رغبته ومصالحه العليا، وتحت ضغوط الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت ترى أن إطلاق الحرية التجارية أضمن لازدهارها وتغلغلها في المنطقة.
وبسبب الخلافات المستمرة ما بين مركز المصدرين الأمريكان والحكومة البريطانية، قام المركز بتصفية أعماله في تشرين الأول ١٩٤٥م، وما ساهم في تصفيته هو عجزه عن اتخاذ التدابير اللازمة للحد من ارتفاع أسعار المواد التموينية لاسيما الغذائية منها التي ارتفعت خلال سنوات الحرب، وفيما يخص العراق فقد أولى المركز اهتماما خاصا بصادرات العراق من المنتوجات الزراعية، وفي الوقت نفسه سيطر على مستورداته من المواد التموينية، كما أعار قسماً من خبرائه الفنيين لتنظيم شؤون التموين في العراق.
كما شمل (قانون الإعارة والتأجير) بدعم العراق بالمنتوجات الزراعية والصناعية الامريكية في ٢ أيار ١٩٤٢م، إذ عدت الولايات المتحدة الامريكية الدفاع عن العراق أمراً حيوياً للدفاع عن مصالحها الاستراتيجية لذا قدمت مبالغ مالية للعراق تصل قيمتها إلى (٨٩,٨,٦٥٦) دولارا من تجهيزات هذا القانون، لكن العراق لم يستفد من تلك المساعدات، إذ استحوذت القوات البريطانية على معظمها، كما عانى العراق من سلبيات مركز تموين الشرق الأوسط من حيث تنظيم وتوزيع مواد التموين الضرورية في العراق، فقد استحوذ المركز على نسبة (٥٠٪) من المواد الغذائية في العراق، بهدف تأمين احتياجات قوات الحملة البريطانية على العراق وإيران، وبتأثير المركز نفسه اضطر العراق إلى زيادة صادراته السنوية من تلك المواد لغرض تموين وتجهيز قوات (الحلفاء) في منطقة الشرق الأوسط، وفي هذا الصدد ذكر (عبد الجبار الجلبي) وزير التموين للفترة من (٢٣/ شباط/ ١٩٤٦ – ٢١/ أيار/ ١٩٤٦) عن السلبيات فقال: “إن معظم العاملين في مركز التموين لا يعتمدون الدقة والتخطيط في إدارة شؤون المركز، وعند تطبيق برامج المركز يلاحظ أن هناك تفاوتاً وغبناً في التوزيع بين ما يخصص للعراق وبين ما يرسل إليه فعلاً، فمن كان يملك نفوذاً أقوى يحصل على حصته من تموينات المركز”، وأضاف: “كان لتدخل المركز في استيرادات العراق من المواد التموينية الأثر السلبي في تقنين حصته من السكر والشاي والقهوة والمنسوجات القطنية، وبالنظر لضعف ما كان يخصصه المركز للعراق من المواد التموينية فضلاً عن توزيعه العشوائي القائم على الارتجال والرغبة دون اعتبار لعدد سكانه أو اهتمام بحاجته الحقيقية، فقد كان العراق يضطر في أحيان كثيرة إلى تجاوز تلك التخصيصات من تأمين حاجاته التموينية”.
بسبب تطورات الحرب وتوسع امتدادها في جبهة البلقان ازدادت أزمة الغلاء وشحة المواد التموينية، وتأزم الوضع بشكل أكبر بين الحكومة البريطانية وحكومة الدفاع الوطني وفرضت بريطانيا حصاراً اقتصادياً ومالياً على العراق،
عن : مركز الرافدين للدراسات الاستراتيجية
اقرأ ايضا
نص نادر..من أوراق مصطفى علي في العشرينيات
إعداد : ذاكرة عراقيةكانت معزز برتو مديرة مدرسة البارودية الابتدائية للبنات، فتاة تقدمية.. درست في …