أزهـر العبيدي
إن شارع النجفي كان ولا يزال من أهم شوارع مدينة الموصل القديمة، فهو يربط بين سوق الشعارين وشارع نينوى في الشمال، وباب الطوب وباب السراي في الجنوب.
وكانت العجلات ووسائط النقل كافة تمرّ من خلاله منذ إنشائه سنة 1913م لحين إغلاقه بوجهها في بداية السبعينيات، واقتصر على مرور المشاة فقط. ويشهد الشارع يومياً زحاماً شديداً من المارة، إذ أصبح الشريان الرئيس في الوقت الحاضر فضلاً عن شارع غازي الذي أفتتح من بعده سنة 1926م ليخفف من زحام العجلات فيه. سمّي الشارع بهذا الاسم نسبة إلى أسرة (النجفي) أو بالأحرى (النجيفي) التي سكنت منطقة الشارع قبل فتحه واستقطاع القسم الأكبر من بيتهم البالغة مساحته (1200) متر مربّع ضمنه. أما تسمية أسرة (النجيفي) بهذا الاسم فقد أشتقّ من تسمية قرى (النجيفات) في الشام التي قدمت منها الأسرة صحبة جمع من قبيلة بني خالد المخزومية سنة 1638م مع السلطان مراد الرابع في حملته العسكرية لتحرير بغداد من الاحتلال الفارسي. وصحّفت لفظة (النجيفي) إلى (النجفي) لكثرة تداولها وصعوبة لفظ الأولى.
ويقول الحاج عبدالعزيز النجفي عميد الأسرة الحالي أنّ جدّ الأسرة (حسن بك) سكن في محلة السوق الصغير بعد أن منحه والي الموصل لقب (بك) وقرى عدة في ولاية الموصل، حتى كانت سنة 1913م عندما قرر والي الموصل سليمان نظيف باشا فتح شارع جديد يربط بين شارع نينوى وشارع المحاكم (العدالة حالياً). ويضيف أنّ الوالي أصرّ متعمداً وخلافاً لرغبة البلدية أن يمرّ الشارع في وسط بيت آل النجفي على الرغم من انحرافه عن مساره المستقيم الذي رسمته البلدية. وفي رأيي أنّ بلدية الموصل بتأييد من الوالي اضطرّت لكي يكون مدخل الشارع الشمالي يقابل ويوازي مدخل سوق الشعارين أن تحرف مسار الشارع الجديد عن جامع العباس لكي تتجنب هدم الجامع بأكمله فيما لو رسم بصورة مستقيمة. ولو كان الوالي يعلم أن تصرّفه اللئيم هذا سيفتح في المستقبل كنزاً لأسرة النجفي لما فعل ذلك، إذ بنت الأسرة عدداً كبيراً من المحلاّت على جانبي الشارع فيما بعد عادت عليهم بأرباح كبيرة.
في سنة 1959م هدمت أسرة النجفي بيتها القديم والمحلاّت الكائنة على جانبي الشارع وشيّدت على أنقاضها عمارتين متقابلتين. وكذلك فعلت أسرة عبدالباقي الشبخون الواقع دارهم جنوبي دار النجفي، إذ شيّدوا عمارة الشبخون سنة 1984م. وتعرّض جامع العباس الكائن في المنطقة بين البيتين المذكورين إلى اقتطاع جزء من مشهده ضمن الشارع، ويقول الأستاذ سعيد الديوة جي عن هذا الجامع أنه بني سنة 405هـ/ 1013م من قبل شخص اسمه الحاج كاظم وكتب على رخامة فيه (هذا فبر العباس بن علي)، وهدمه سنة 1346هـ/ 1927م الحاج عبدالباقي الشبخون وجدد عمارته، وبنى إلى جانبه غرفة اتخذها مدرسة لتدريس العلوم المختلفة، وبنى فوقها المصلّى وأقام به منبراً واتخذه جامعاً يجتمع به للصلاة. وكتب فوق باب الجامع: (قد جدد عمارة العباس بن مرداس السلّمي عبدالباقي بن عبدالله الشبخون). كما أقام الحاج الشبخون منارة من الحديد فوق باب الجامع هي أول منارة حديدية أنشئت في الموصل، وتميز منبر الجامع بأنه مقعّر داخل في جدار المصلّى وهو أول منبر مقعّر بني في الموصل.
أصبح الشارع الذي يبلغ طوله (250) متراً وعرضه حوالي خمسة أمتار تجارياً لوقوعه في منطقة حيوية وسط أسواق المدينة في باب الطوب وباب السراي وسوق الصياغ والسرجخانة، وبنيت على جانبيه محلاّت عديدة استخدمت لأغراض مختلفة. وفي الخمسينيات غلب على الشارع طابع الثقافة بافتتاح عدد كبير من المكتبات تخصصت معظمها في بيع الكتب القيمة القديمة، وتخصص بعضها الآخر في بيع المجلاّت المصرية واللبنانية الدورية وبيع الجرائد اليومية الموصلية والعراقية، وفي مكتبات أخرى بيعت القرطاسية للمدارس والدوائر الرسمية ومن أهمها مكتبة العسلي التي زودني صاحبها الحاج مقداد العسلي بمعلومات قيمة عن معالم الشارع في ذلك الحين[، وكانت هذه المكتبة تحمل اسم مكتبة الجزائر للأخوين هاشم ومقداد العسلي قبل انتقالها إلى مكانها الحالي. فضلاً عن مكتبة النبراس والعراقية لصاحبهما ذنون المصري، والشباب لهشام محمد عبدالله، والخيام لحسين الجبوري، والعربية لعبدالرحمن كركجي، والمعارف لمحمد شهاب، والإمام لصديق الإمام، والغانم لسعدالله الغانم.
وتميزت مكتبة الأهالي التي كان صاحبها عبدالرحمن نصّار (أبو عوف) من أهالي البصرة ويتحدّث باللهجة البغدادية ببيع الكتب القديمة والمجلاّت المصرية، وكذلك مكتبة الأمل لصاحبها عصام محمد عبدالله، والمكتبة العصرية لآدمون الصائغ، ومكتبة العروبة لصبحي، ومكتبة الموصل لشمس الدين السيد حاتم، ومكتبة المسيرة لقيس قاسم بشير،ومكتبة محمد ثامر، ومكتبة الأمين لسيد على أحمد الغنام، والمكتبة الوطنية لزهير ووالده شاكر شنشل، ومكتبة أبو بكر لصدّيق قاسم محمد لبيع الكتب الدينية. ومن مكتبات بيع الصحف والمجلاّت مكتبة أزهر الطائي وعبد فتاح جاسم (أبو بسّام) في مدخل شارع النجفي، ومكتبة علي محمود مقابل جامع العباس، ومكتبة مجيد. وتخصصت مكتبة أخرى لذنون المصري ببيع بطاقات اليانصيب.
تركّز وجود المكتبات في القسم الجنوبي من الشارع مع عدد من محلاّت بيع الأحذية منها معرض أحذية جوهرة لمهدي، وأحذية عبد القادر الأحمر، وأحذية محمود القوندرجي، ومعرض أحذية سوريا لعبدو السوري، ومعرض أحذية الشمال لوعدالله حازم، ومعرض أحذية عدنان لبشير خليل حيّاوي، ومعرض أحذية الجزائر للحاج إدريس، يقابلها معرض الدهّان لسعيد الدهّان وزوجته ماري لبيع الأحذية النسائية وحقائب اليد، ومعرض أحذية حازم الطائي، وبائعا الأحذية مهيدي وعمر وفوقهما (الكوشك) الجميل المجاور لجامع العباس والذي يشغله دلال العقارات صالح.
وكان في مدخل الشارع الأيمن/ الشرقي دكان صغير لـ (عمّا علي) صاحب المهنة التراثية (خياط الفرفوري) الذي كان يجلس على الأرض ويعمل في خياطة الآنية الزجاجية من الخزف الصيني بخيوط معدنية بعد تثقيبها بمثقب يدوي، وقد يحيط أباريق الشاي المتصدّعة بأحزمة معدنية رقيقة لتقويتها. ولا نزال نذكر هذا الرجل وهو يثقب الآنية بجهاز يشبه قوس آلة الكمان يحرّكه جيئة وذهاباً. وبجانبه البقال عبد الجبار ومحمد علي (أبو الكيك) بائع الكعك الذي اشتهر بمرحه ونشاطه الفنّي في الليالي الملاح. وفوقه في (كوشك) مكتب المحامي غربي الحاج أحمد، ويليه في (الكوشك) المجاور عيادة الطبيب نافع الخيّاط.
وبعد المدخل بعدة محلاّت فتحت (صيدلية عبد الموجود) سنة 1944م باسم أسرة عبد الموجود التي كانت تسكن في محلة جامع خزام[6]، وكانت أول صيدلية يفتتحها عبد الهادي أحمد عبد الموجود بعد أن اقتصر امتلاك الصيدليات على المسيحيين واليهود في ذلك الوقت، وانتقلت الصيدلية إلى دورة السرجخانة سنة 1976م. وكان يشغل (الكوشك) فوق الصيدلية طبيب العيون الدكتور عبد القادر الجوادي، وفي (الكوشك) المجاور له عيادة الدكتور عبد الإله عبد الموجود.
وفي القسم الجنوبي من الشارع تواجدت محلاّت عدة للتصوير منها ستوديو الخيام لصاحبه فوزي حسين الجبوري، وستوديو محفوظ لصاحبه محفوظ أحمد، وستوديو الداغستاني لصاحبه غازي الداغستاني، ومحل تصوير إبراهيم درويش (أبو ناصر). وتواجد الخطاط الأطرش نوري سعيد في هذا القسم، ومجلّدان للكتب (مُصحّف) أحدهما أحمد إسماعيل والآخر الحاج محمد (أبو فيس) الذي كان يضع طربوشاً أحمر على رأسه. وتقع مطبعة الجمهور لصاحبها عبد القادر خضر في منتصف الشارع مقابل جامع العباس.
وعلى الجانب الأيسر/ الغربي تواجد دكان محمد الشكرجي بائع الحلويات والسجق و(من السما) و(الملبّس) 000 الخ، وبائع الحلويات سعدي (سعّودي)، ونجم وسلطان الحلاّقين في دكانين مرتفعين بعدد من السلالم عن مستوى الشارع. ومن بعدهما الصاغة رياض قاسم، وإبراهيم عديلة، ونجيب الصائغ، وسالم مرعي. وعدد من محلاّت الأحذية منها معرض أحذية حواء لعامر محمد علي التي حوّلت إلى أحذية الربيع، ومعرض أحذية المثنى التي حوّلت إلى مكتبة المثنى لسعدون عبدالله، وأحذية بلقيس لهاشم أحمد، وأحذية فينوس لسالم الشاهري. ودكان سعدالله الشيخ علي الشكرجي أول صانع للسجق (000 القاضي) في الموصل، يليه صياغة الأهرام للصائغ أديب، والصائغان أحمد وعبدالله العراقي. ثم الزقاق المقابل لسوق الصيّاغ وفيه إدريس (أبو الدوندرمة)، وياسين القصّاب، وإبراهيم الجايجي، ومحمد علي الكبابجي وفوقه بيت شريف القوندرجي، وقاسم الشرقي بائع أدوات للصيّاغ (بنزين ومواد جلي 000الخ)، وعزوز الصائغ، وفي مدخل الزقاق جمال الأوتجي يعمل بمكوى الفحم.
المصدر:بيت الموصل
اقرأ ايضا
صنف (الشبانة) في العهد العثمانيهل هم من الجيش ام الشرطة ؟
ماريا حسن م التميميان الشبانة هي كلمة فارسية تعني بالأصل (حارس الليل) لتحل محل الجندرمة …