جعفر ابو التمن وتشكيل الاحزاب السياسية في العراق

د خالد التميمي

لقد انتظمت نشاطات جعفرابوالتمن والجماعات السياسية المناهضة للمعاهدة اكثر مما كانت عليه ايام الاحتلال البريطاني عام 1917 فلقد اقتنع كل من المندوب السامي والحكومة العراقية المؤقتة بضرورة اعادة الحرية لتشكيل الاحزاب السياسية لقد كانت لدى المندوب السامي والحكومة العراقية القناعة بان العناصر الوطنية سوف تلجا الى اسلوب تنظيم الاحزاب السرية اذا لم تجاز تنظيماتها ففي برقية سرية رقم 197 بعثها المندوب السامي الى وزارة المستعمرات في 11/ 3 /1922 جاء فيها: ((لقد تاكد للمندوب السامي وللحكومة بان الوطنيين سوف يشكلون حزبا سياسيا سريا اذا لم يسمح لهم بالتشكيل العلني)) لكن تشكيل الاحزاب السياسية قد تاجل لان المندوب السامي كان يخشى من ان تؤدي الاختلافات بين المعتدلين والمتطرفين من وجهة النظر البريطانية الى الاخلال بالامن العام اثناء المباحثات حول المعاهدة وقد ايد المسر تشرشل راي المندوب السامي واقترح بان تقدم برامج الاحزاب السياسية للمندوب السامي لغرض الموافقة عليها.
ظهر هناك بعد مؤتمر كربلاء في نيسان 1922 حزبان مناهضان للانتداب هما الحزب الوطني وحزب النهضة وبد كل منهما في دور التكوين في بغداد .ففي الوقت الذي تالفت فيه قيادة حزب النهضة من الشيعة فقط فقد كانت قيادة الحزب الوطني مختلطة من اكثرية سنية ومعهم شيعة ايضا بحيث تضمنت اللجنة التاسيسية كلا من جعفر ابو التمن ومحمد مهدي البصير وهما من وجوه الشيعة لقد بدا الحزبان المذكوران نشاطاتهما السياسية بصورة سرية بينما استمرت الجماهير من خلال الصحافة والاجتماعات والعرائض بمطالبة الحكومة من اجل السماح بتشكيل الاحزاب وفي 28 تموز 1922 قدم جعفر ابو التمن طلبا الى وزارة الداخلية للحصول على اجازة تشكيل الحزب الوطني تلك الاجازة التي طلب الحصول عليها اصلا في ايلول 1921 وقد وافقت الوزارة في 2 اب 1922 يرى البعض ان سماح الحكومة لجعفر بتشكيل الحزبالوطني كان ذا مغزى فبعد ان كان بعض انصار جعفر قد شكلوا حزبا شيعيا حزب النهضة تحت قيادة كل من امين جلبي الجرجفجي وعبد الرسول كبة في 10 اب 1922 كظاهرة اختلاف او انشقاق في المعسكر الشيعي بينما كان تصرف جعفر ينسجم تماما مع الثقوابت الديمقراطية ومع الوطنية العراقية التي يؤمن بها . لقد ضمت الجنة التاسيسية الجديدة للحزب الوطني :
محم د جعفر ابو التمن
بهجت زينل
محمد مهدي البصير
احمد الشيخ داود
عبد الغفور البدري
وتم انتخاب جعفر سكرتيرا عاما بعد الحصول على الترخيص باقامة الحزب.
وقد طلب جعفر بان تصبح صحيفة المفيد الصوت الناطق باسمن الحزب لكن محرر الصحيفة رفض ذلك لذا تمت المباشرة بصحيفة جديدة باسم (اعلام الاسلام ) وتحمل جعفر نفقات ذلك . بدا جعفر بعد ذلك بالسعي لدمج الاحزاب الثلاثة الوطني النهضة والعهد وكان هدفه من ذلك تكوين حزب موحد ليكون جزءا متمما للعهد العراقي وكان جعفر نفسه حلقة الوصل بحزب العهد الا بعض عقبات ظهرت في طريق جهوده نتيجة عدم موافقة بعض العناصر في حزب النهضة بخصوص تعيين المقر العام للحزب الموحد في النجف ام في بغداد وحاول جعفر ان يقوم بدور الوساطة بين العهد والنهضة بهدف جمعها لكنه لم يستطع تسوية الخلاف بين الحزبين بخصوص مسالة مكان المقر العام للحزب الموحد المقترح فحزب النهضة بقيادة الجرجفجي الشيخ محمد رضا الشبيبي الشيخ باقر الشبيبي والسيد كاطع العوادي كان حزبا شيعيا باكثرية العدد واراد ان يكون مقر الحزب الموحد في النجف المدينة الدينية المقدسة اما الاخرون من اعضاء حزب العهد العراقي والذين كانوا من السنة في الغالب بقيادة نوري السعيد ياسين الهاشمي وجميل المدفعي فقد ارادوا ان يكون المقر العام في بغداد التي كانت قاعدة نفوذ قوية بالنسبة للزعامة السنية وخلال الفترة 20 -21 اب 1922 جرت مفاوضات بين لجنتي الحزبين الوطني والنهضة في مقر الحزب الوطني وقد ناقش جعفر الوضع السياسي في البلاد مع كل من محمد الصدر وامين الجرجفجي. وقد تم الاتفاق على وجوب توحيد الحزبين لجهودهما ونشاطاتهما السياسية وتم تكوين لجنة مشتركة برئاسة سيد محمد الصدر لذلك الغرض وقد صدر في اجتماع اللجنة المشتكة في 20 اب قرارا ادى الى الاجراء الذي اتخذه المندوب السامي في 26 اب 1922 وحيث صادفت ذكرى تنصيب الملك فيصل الاول على عرض العراق في 23 اب فقد تم الاتفاق على ان يقوم جعفر وامين الجرجفجي شخصيا بتقديم احتجاج يتضمن مطاليب حزبيهما الى الملك كما اقترح جعفر تنظيم تظاهرة في نفس اليوم لتقديم مطاليبهما غير ان الجرجفجي لم يقبل فكرة المظاهرة لكنه وقع على الاحتجاج وكان الملك والمندوب السامي قد تسلما من رؤساء الشامية وابو صخير والرميثة (مناطق الفرات الاوسط احتجاجا مماثلا من حيث الجوهر وفي 23 اب 1922 تراس جعفر وفدا من اعضاسء اللجنتين التنفيذيتين للحزبين في لقاء مع الملك وبعد تقديم التهاني عرض جعفر ابو التمن على الملك الاحتجاج التالي: (( حيث ان الشعب تطلع بعد اعتلاء جلالتكم العرض واعلان استقلال العراق الى تاسيس حكومة دستورية وانتخاب مجلس نيابي لاجل وضع مسودة قانون اساسي اضافة الى تاسيس هيئة تشريعية يكون الوزراء مسؤولين امامها بموجب العرف المعمول به لدى الحكومات الدستورية وحيث ان هذه الوعود لم يتم الوفاء بها فقد تحمل الشعب انواع الشرور نتيجة ادارة سيئة هيمن النفوذ البريطاني عليها خلافا لروح الاستقلال وتبني البريطانيين سياسة فرق تسد وغير ذلك من نشاطات لا قانونية قد تؤدي الى تحطيم الشعب ورغم كل الشكاوى التي قدمت الى جلالتكم والىة سلطات حكومية عليا فلم تلقا شكاوى الشعب اذنا صاغية لقد تم استبدال موظفين جيدين باخرين هم ادوات بايدي المستشارين ان هذه النتيجة وبعد انتظار طويل تسببت في خيبة امل الشعب وقلقه اذا ما استمر سوء الادارة والسياسة ان الشعب مضطر الى عرض قضيته المؤسفة عليكم ويطالب بالاصلاحات وان احدها صقوط الوزارة التي هي اكبر العوامل في عدم تحقيق طموحات الناس وفي استمرار الاضطرابات التي لا تحمد نتائجها وبما ان المجلس التشريعي لم يؤسس بعد وحيث ان للشعب الحق في المراقبة المباشرة على اعمال الوزراء فان الحزبين الحزب الوطني وحزب النهضة يعتبران ان من واجباتهما التقدم بالطلبات التالية:
1- وقف كافة النشاطات المذكورة وخاصة ما ذكر اعلاه.
2- تاسيس حكومة يتصف اعضاؤها بالاخلاص والمقدرة وتضمن للشعب انتهاء الاضطرابات.
3- ان لا يتم التوقيع على اية معاهدة وان لا يتم الدخول في اية مفاوضات لحين انعقاد مجلس نيابي دستوري ينتخب اعضاؤه بحرية.
التوقيع
جعفر ابو التمن
السكرتير العام
كذلك اخبر جعفر الملك بان الحزبين يرغبان في التعبير عن موقفيهما ازاء الوضع السياسي بصورة علنية في ساحة القصر وانهما يرغبان في حضور ممثل جلالته الى الاحتفال وقد القى محمد مهدي البصير احد زعماء الحزب الوطني كلمة بحضور فهمي المدرس حاجب الملك وقد نشر نص الاحتجاج وكلمة البصير في صحيفة المفيد في نفس اليوم.
كانت لدى اعضاء الحزب الوطني تعليمات بالتنظاهر في ساحة القصر كما ذكرنا سابقا وفي اثناء صخب التظاهرات والخطابات استحدثت عناصر حزب النهضة قائدها عبد اغلرسول كبة على القاء كلمة ففعل وص2ادف ذلك وصول المندوب السامي وموظفوه في تلك اللحظة وبينما كان المندوب يصعد السلم تدافع المحتشدون من حوله وسمع هتافات فسرت بانها مهينة للمندوب السامي الذي طالب بالاعتذار وباتخاذ الاجراء اللازم وقدم الملك اعتذارا الا انه رفض اتخاذ اي اجراء ضد المتظاهرين.
وفي اواخر اب استمرت حملة الحزب الوطني ضد المعاهدة وساءت ىحالة الامن والانضباط خاصة عندما تم نشر نص المعاهدة وتعميمها بين الجماهير. وقد اشيع بان جعفر ابو التمن كان قد سرب نسخة الى قادة المعلارضة الذين استقبللهم في بيته عندما كان وزيرا للتجارة بعد ذلك وفي 23 اب مرض الملك نتيجة التهاب الزائدة الدودية وكانلابدج من اجراء عملية جراحية مستعجلة له في 25 اب وقبل ساعتين من اجراء تلك العملية قام المندوب السامي وكورنوالس cornwallis بزيارة الملك وزشرحوا له مسؤوليته عن حوادث يوم 23 اب التي كانت بمثابة التعاون مع عناصر الحزب الوطني وقد اقترح المندوب السامي على الملك فيصل ان يتبرأ علنا من اولئك المشاغبين والا فليتنازل عن العرش كما اخبر المندوب السامي الملك بوجوب اتخاذ اجراء حاسم ضد قادة الحزبين الوطني والنهضة وبعد ساعة من النقاش اخفقا عن اقناع الملك بتنفيذ ما ارادا ومن اجلالمزيد من الفهم للظروف الصعبة التي كان يعيشها الملك فيصل الاول حيث كانت تشده قوى لها واقع يومي معاش نقدم للقارئ صورة عن الكيفية التي كان يفكر ويتعامل بها المسؤولون البريطانيون انذاك مع الملك ومع القوىالسياسية العراقية . برقية من المندوب السامي في العراق الى وزير المستعمرات
الرقم 605 / التاريخ 26 اب 1922
وردت لوزارة المستعمرات في الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر 27 /8 / 1922
نص البرقية:لقد قمنا انا وكورنوالس بزيارة فيصل في وقت مبكر في السابعة والنصف من صباح هذا لااليوم اي في اليوم التالي ليوم التتويج قبل ساعتين من بدئ اجتماعه بمستشاره لقد شرحنا له بان من الواضح لي باننا وصلنا الى مفترق الطرق ومن خلال الحديث الذي جرى معه في الشرطة التابعة لغرفته لحظة زيارتي له قلت انه اصبح مسؤول شخصيا ومعروف بعلاقته مع هذيان وتخريف جماعة الوطنيين المتطرفين والذي طالما تكررفي صحيفتين محليتين انه فيصل الان حسب وجهة نظري اما قد يصبح بالتاكيد معنا باعلان انفصاله علنا عن هؤلاء المشاغبين والا فانه يتحمل النتائج الى حد انه يعرف انها نهاية ملكيته لقد استمريت في حديثي معه وقلت لقد جئت اليك بعد ان استشرت كورنوالس والمفتشس العام للشرطة الذي كان نوري السعيد انذاك باني قد توصلت الى محصلة هي ان نضشاطات الشغب والفتك التي يقوم بها جماعته فيصل قد تجاوزت جميع الحدود الى درجة انه لم يعد من الممكن تقوية الامن العام ما لم تتخذ اجراءات سريعة وحاسمة وطبقا لذلك فنحن نطلب منك ان تامر خارج نطاق الوزارة بالقاء القبض على الغوغائي الذي القا خطابا محمد مهدي البصير حماسيا ن الشرفة مع ستة من انصاره المقربين لقد امضينا ساعة كاملة في محاولة اقناعه بان هذا الاجراء هوة فرصته الوحيدة لانقاذ نفسه وسحب يديه من اولئك المشاغبين ولكن مع الاسف اني اقول باننا فشلنا في اقناعه باتخاذ الاجراء الذي اردناه.
لقد ناقشنا بانه يعتبر ذلك الاجراء سوف تنتج عنه ثورة اكثر من ايقافها وهو امر لايريد ان يضع المسؤولية على كتفيه انني شخصيا مقتنع بانه مرتبط بالمتطرفين وان فكرة مستحوذة عليه تماما وهي ان قوة المتطرفين كبيرة ومسيطرة بحيث تجعله يخاف عاداتهم وبماانه لا توجد حكومة الان في هذا الوقت بسبب استقالتها وبما ان الملك مريض وغير راغب اتخاذ الاجراء شعرت ان من الضروري ان اتخذ الاجراءات بنفسي وطبقا لنفسي فان اجراءات القاء القبض قد اعدت هذا الصباح اربعة منالمهمين قد تم اصطيادهم واخر ارسل الى معتقل عسكري في البصرة اربعة اخرون اقل اهمية عثر عليهم بعد جهد جهيد كما تم حضر نشالط حزب متطرف وغلق مقرهمؤقتا كما تم غلق صحيفتين ومصادرة موادها واعتقال المحررين او هم على وشك ان يعتقلوا لقد بقيت المدينة بغداد هاتدئةولم تجد قوات الشرطة ضرورة الى طلب المساعدة من قوات الجيش انني مقتنع ان هذا الاجراء سوف يضمن تعزيز الاستقرار ويبقى معلقا بالقرار النهائي لحكومة جلالته (البريطانية).
انني الان بصدد اصدار بيان للراي العام في العراق في مساء هذا اليوم 26 اب ابدا بشرح كيفية الاجراء الذي تم بناء على غياب مجلس الوزراء وعطلة البرلمان فان حكومة جلالته لا تستطيع اعلان قرارها النهئي حتى بداية ايلول وبناء على ذلك وبموجب واجبات الجميع ان ينتظروا قرارها بصبر . ان مسؤولية دعم الامن والنظام لانتظار اتلبت بصورة نهائية للمعاهدة هي مسؤولية مشتركة بين حكومة العراق والمندوب السامي البريطاني.ولسوء الحظ لا توجد حكومة في الوقت الحاضر والملك عاجز بسبب مرضه الخطير (التهاب الزائدة الدودية). ولهذه الاسباب اخذ المندوب السامي المسؤولية على عاتقه والتي لو لا الضروريات لم يقم باجرائها من اجل دعم الامن وبناء على ذلك فقد تقرر اتخاذ خطوات اضافية للاجراءات السابقة. هذا الاجراء يتضمن عدم تغيير السياسة القائمة ولكن بالقانون ان جميع اولئك الذين يحبون ويراعون مصالح وطنهم قلبيا والذين يهمهم الحفاظ على علاقات الصداقة مع بريطانيا العظمى قد دعوا للوقوف سوية لتعزيز النظام ومنع المشاغبين الذين لا يشعرون بالمسؤولية من اقلاق السلام او التسبب في تصديع العلاقات السعيدة بين البلدين .من المحتمل ان اثنين من علماء الكاظمية سوف يخلقون المتاعب ولكني امل بان الاجراءات التي اتخذتها ستؤثر على موقفهم .
التوقيع
برسي كوكس
المندوب السامي

اقرأ ايضا

عبد الإله الصائغ.. ومخاضات مجلة الكلمة

جهاد مجيدغادرنا قبل مدة قصيرة الصديق الدكتور عبد الإله الصائغ في مغتربه في أميركا الذي …