سوسن الأبطح
رحل إسكندر حبش بعد معركة عنيدة وشرسة مع السرطان، قضاها يحاربه بالكتابة والبحث، وإنقاذ ما يستطيع من كتابات تستحق أن تبقى بدل أن يطويها غبار الصحف التي أفنى وقتاً طويلاً في تدبيج مقالاتها.
شاعر لبناني – فلسطيني، عائلته من مدينة اللدّ، مترجم، ورسام وصحافي جادّ ومثابر، من صنف ستشتاقه الصحافة الثقافية بشكل خاص، التي، وهي تفقد فرسانها القدامى واحداً تلو الآخر، تبدو وكأنها تتوجه نحو يُتم مؤلم ومظلم.
استهواه الأدب العالمي، وانكبّ على القراءة والترجمة، وتعريف القراء بالنصوص التي أحبها، قبل أن يقدمها للمتصفحين والمتابعين. فقَد اختار ما يعجبه، وحرص دائماً، وما استطاع، أن يبقى أميناً لما يستهويه، لا ما يدرّ عليه المال.
ترجم كثيراً من المؤلفات للمكتبة العربية، منها: «هكذا تكلم أمبرتو إيكو»، و«أجمع الذكريات كي أموت» (قصائد برتغالية)، و«لست ذا شأن» لفرناندو بيسوا، ورواية «مورفين» لميخائيل بولغاكوف، كما رواية «حرير» لألساندرو باربكو، و«ألف منزل للرعب» لعتيق رحيمي.
وكان أتُيح له، مطلع العام الحالي أن يصدر، عن «دار نلسن»، كتاباً بعنوان «نفسي ليست صحراء»، ضمّنه مقابلتين طويلتين كان قد أجراهما حبش مع الشاعر أنسي الحاج، ونُشرتا في جريدة «السفير» التي توقفت عن الصدور وأصبحت من الماضي، كما أنه يسلط الضوء على بعض المعلومات الخاصة عن الشاعر وطريقة تعاطيه مع المقابلات الصحافية. وفي الكتاب مقالتان: إحداهما عن أعمال أنسي الحاج، وأخرى عن اللقاء الذي نظمته «دار نلسن» واجتمع فيه من تبقى من شعراء مجلة «شعر» حينها. وفي الختام، «تحية» وداعية نشرها حبش غداة رحيل الشاعر أنسي الحاج.
وُلد إسكندر حبش في بيروت عام 1963. لعب دوراً في إصدار مجلّات شعرية في الثمانينات، وأشرف على الصفحة الثقافية في جريدة «السفير»، قبل أن تتوقف عن الصدور عام 2016.
من حسن الحظ أن الوقت قد سنح لتغريد عبد العال أن تُجري مع حبش حواراً شعرياً مطولاً صدر في كتاب «إسكندر حبش: ضوء الأمكنة المتناغمة» عن «أكاديمية دار الثقافة» و«دار الفارابي» في بيروت، يتحدث فيه عن الشعر والسياسة والعزلة والفن التشكيلي والشعر بطبيعة الحال، وفيه قصائد غير منشورة له وأشياء أخرى.
تقول تغريد عن شعر حبش: «ربما حين نقرأ قصائد إسكندر حبش، ندرك أن شعره خافت بمعنى أنه لا يسأل ولا يصف، بل هو في اقترابه من أسئلة هذه الحياة يجعل هذه الفجوات التي نراها تضج بالأسئلة وتحت الباب كي نقترب نحن من أمكنته التي تصبح متناغمة».
صدرت له مجموعات شعرية عدة، من بينها: «بورتريه رجل من معدن» (1988)، و«نصف تفاحة» (1993)، و«تلك المُدن» (1997)، و«أشكو الخريف»، و«لا أمل لي بهذا الصمت» (2009)، و«لا شيء أكثر من هذا الثلج» (2013)، و«إقامة في غبار» (2020).
ونعى نقيب محرري الصحافة اللبنانية، جوزيف القصيفي، الناقد والشاعر إسكندر حبش، الذي غلبه المرض بعد طول صراع، ووصفه بأنه «قارئ نهم، مطل على الآداب العالمية، مترجم دقيق يعيش روح النص وينقله إلى القارئ العربي وكأنه كتب بلغته الأصلية».
كما أشار القصيفي إلى أنّ إسكندر «عنيد في مواقفه الوطنية والسياسية، مبدئي لا يساوم في قناعة، ولا يبدل». والأهم أنه «من حبر يراعه أكل خبزه، ومن موهبته الكتابية شق طريقه إلى عالم الصحافة الثقافية عبر تلك التي كانت (صوت الذين لا صوت لهم)، فكان صوت الأدباء والشعراء والنقاد الملتزمين بقضايا الوطن والإنسان والباحث عن سر الوجود وحقيقة الكون بتناقضاته وصخبه».
عن الشرق الاوسط
اقرأ ايضا
اسكندر حبش”غادرنا على عجل”
محمد ناصر الدين«أتذكر رغبةً/ تركها رجل/ حين أضاع ذراعيه القديمتين/ قولي أيتها الجميلة/ أتكفي حياة …