عندما أصبح عبد العزيز القصاب رئيساً لمجلس النواب عام 1928

وصال عبد العزيز محمد
في بداية سنة 1928 انتخب عبد العزيز القصاب نائبا في مجلس النواب عن لواء بغداد. لكن هذا المجلس سرعان ماحله عبد المحسن السعدون . وفي 19 ايار 1928 افتتح مجلس النواب وانتخب عبد العزيز القصاب الذي كان يشغل منصب وزارة الداخلية رئيسا لمجلس النواب، بعد ان حاز على (67) صوتا من اصل (83) صوت وبذلك فقد رقى عبد العزيز القصاب كرسي الرئاسة وفي خطابه شكر أعضاء مجلس النواب لثقتهم به وانتخابه رئيسا للمجلس داعيا الاعضاء إلى مساندته في تقديم الخدمة المطلوبة منهم للبلد.
ومن الامور المهمة التي ناقشها مجلس النواب خلال تلك الفترة ميزانية سنة 1928. كما اشتغل المجلس في اثناء الاسابيع الاولى من جلسته في التصديق على بعض القوانين التي اصدرتها الحكومة بعد حل المجلس السابق لاكتساب التدابير المالية التي لم يرصد لها مخصصات في ميزانية تلك السنة صبغة قانونية . ثم قدمت بعد ذلك بضعة قوانين ادارية اكثرها ذو اهمية ثانوية وبعض القوانين المعدلة للقوانين المعمول بها . اما اعمال المجلس الرئيسية فهي مقاولة اللطيفية التي حلت محل امتياز اصفر وامتياز التنوير والترامواي لمدينة بغداد وبعض اللوائح القانونية فضلا عن قضية الدفاع الوطني ومسالة مكافحة الجراد وميزانية وزارة الاوقاف فضلا عن قضايا اخرى تتعلق بزيارة الفردموند والاجراءات المتخذة بحق الطلاب.
ان هذه القضايا كانت تمثل الشغل الشاغل للرأي العام العراقي وان إستشارة واحدة لمحاضر مجلس النواب نجد ان النواب كانوا يتسابقون لبيان رأيهم وحججهم فيها . أما القصاب فعلى الرغم من انه كان رئيسا لمجلس النواب ولابد ان يلتزم الحياد والادارة المسؤولة في تنظيم جريان جلسات المجلس … كان عليه رغم ذلك ان يبدي رأيا ما أو تعليقا ما بصدد هذ القضايا الخطيرة … وله في ذلك أمثلة كثيرة على مواقف بعض النواب الذين تمتعوا بشعبية كبيرة لدى الرأي العام العراقي ولاسيما في بغداد بسبب تلك الأراء والبيانات الشجاعة التي نطقوا بها وتناقلتها الصحافة المحلية في حينها . ولكن مسألة واحدة كان هو بطلها تلك التي دخل من خلالها في مشادة كلامية بينه وبين نائب الموصل ضياء يونس حول استخدام الكتاب القليلي العدد في المجلس والاغلاط التي تحصل خلال عملية التوثيق لمحاضر مجلس النواب اذ تكلم ضياء يونس قائلا» اود ان اتكلم عن شيء يتعلق بادارة قلم المجلس، يعلم حضرات النواب ان الافادات التي يلقونها في هذا المجلس لها اهمية كبيرة ولكن مع الاسف لانزال نشاهد اغلاطا في الضبط وقد لفت نظر الرئاسة الى ذلك مرات عديدة ومن رايي ان بقاء الحالة على ماهي عليه غير جائز واعتقد ان كتاب الضبط الموجودين يقومون بوظائفهم فالنقص ليس من جهتهم وانما هو لان عدد كتاب الضبط هو اقل من اللازم فلو ان ديوان الرئاسة التفت الى ذلك وعين من الكتاب مافيه الكفاية لكان احسن واولى.
واضاف قائلا» وهناك شيء اخر وددت ان الفت نظر المجلس اليه وهو ليس في النظام الذي لدينا مايبين الوقت الذي يجب ان ينهى به محضر الجلسة مثلا الجلسة السادسة يجوز ان تؤخر الى ان تبدأ المذاكرة في الجلسة العاشرة في حين ان العاشرة او العشرين تتاخر احيانا الى ان تمضي خمس او ست جلسات . وفي هذا التاخير محاذير اولا ان نفس الكتاب لايكتبون كل الالفاظ التي يلقيها النواب بل حينما يأتون لتنظيم الضبط الذي يكتبونه ربما ينسون كثيرا من الجمل التي يلقيها النواب بينما لو كانوا ينظمون المحضر بعد الجلسة بيوم او يومين لكانوا يتمكنون من خطها كما هي فمن هذا التاخير تحصل دائما اغلاط . ثانيا ان النواب انفسهم ربما يصعب عليهم ان يتذكروا نفس الجملة التي القوها في المجلس اذا وجدوا غلطا في افادتهم وقد لايتذكرون معناها. فلو ان ديوان الرئاسة اتخذ قاعدة وهي يجب ان ينظم محضركل جلسة بعد الجلسة لكان ذلك احسن فارجوا من ديوان الرئاسة ان يتخذ التدابير اللازمة لتامين هذه الغاية حتى يسلم ضبط المجلس من الاغلاط.
اجابه عبد العزيز القصاب قائلا» ان مقرر اللجنة لم يراجعني سوى مرة واحدة قبل ثلاثة ايام اذ ان كتاب الضبط قليلون وحضراتكم تعلمون ذلك) . فتكلم ضياء يونس قائلا» اتذكر اني راجعت معالي الرئيس مرتين فيمكن انه نسى الواحدة وبقيت الاخرى في باله ولو كنت قد راجعته مرة واحدة فالمقصد ان الفت نظر ديوان الرئاسة الى هذه المسالة سواء اكان مرة او مرتين وسمعت ان قسما من حضرات النواب راجعوا مقام الرئاسة في ذلك وهذه في نظري مسألة ضرورية يجب معالجتها بل ارى ان يزاد عدد كتاب الضبط الى مقدار يكفي ان لاتظهر المحاضر بصورة غير صحيحة. اجابه عبد العزيز القصاب قائلا» انا لاارى من المناسب ان اناقش النائب ولا ارغب في ذلك فهو راجعني مرة واحدة وهذه وقعت بمحضر من اعضاء اللجنة المالية واظن حضرات الاعضاء يعترفون بذلك وانا طلبت منه ان يراجع كتاب الضبط ويقابل خطاباته في كل وقت شاء.
وكان لذلك الخلاف صدى في الصحف التي اخذت تردد تلك الحادثة التي وقعت بين عبد العزيز القصاب وضياء يونس فقد ذكرت صحيفة الاستقلال مايلي « لقد ساءنا كثيرا ماحصل من تصادم بين مقام الرئاسة واحد النواب . حيث كان واجب الرئاسة ان يتحاشى كل مامن شانه ان يعكر صفو الصلات بين النواب ومقام الرئاسة لان النواب ورئيسهم في نظر القانون الاساسي والعرف السياسي سواء في الحقوق وتأدية الواجبات لذا فان من واجب النواب احترام الرئاسة ومن واجب الرئاسة حفظ كرامة النواب، ونحن نرجو من معالي الرئيس ارحب صدرا ولاسيما مع نائب محترم ذي مبادئ وطنية ونزعات سامية كضياء يونس يحترم الحقوق النيابية ويقدر الواجبات الوطنية.
مع ذلك يمكن القول ان اعتراض ضياء يونس واقتراحه له مايبرره لأنه اراد أن يضبط توثيق المحاضر وتوثيق بيانات وآراء النواب حتى تخرج المطالعات بشكل مضبوط إلى الرأي العام . ويبدو ان رئيس المجلس عبد العزيز القصاب هو الاخر أراد المحافظة على سلامة التوثيق وضبط تدوين الجلسات … ولكن الاختلاف بينهما وقع في صيغة المداخلة ليس إلا.
اظهر عبد العزيز القصاب حين ترأسه لجلسات مجلس النواب حرصه على تطبيق النظام في اثناء الجلسات . فعند التصويت على لائحة قانون تحديد اجل تسجيل البيوع والافراغات غير المسجلة لسنة 1928 ، خاطب حمدي الباجة جي رئيس المجلس في الجلسة المنعقدة بتاريخ 3 تموز 1928 طالبا منه ان يتلو محمد رامز سؤاله لانه قد حضر متأخرا . فرفض عبدالعزيز القصاب واهمل السؤال بسبب تأخره عن موعد الجلسة. فضلا عن ذلك فانه كان يخاطب النواب طالبا منهم ان تكون مداخلاتهم حول موضوع اللائحة المطلوب التصويت عليها فقط اضافة إلى عدم التطرق إلى ذكر الاعمال الشخصية ففي جلسة 20 اب 1928 وعند التصويت على لائحة قانون ميزانية سنة 1928 المالية تحدث ناجي السويدي رادا على رشيد عالي الكيلاني الذي تكلم عن قانون الميزانية في الجلسة السابقة وحين حاول ناجي السويدي ان يذكر رشيد عالي الكيلاني ببعض الاعمال التي قام بها وكان شاهدا عليها تدخل عبد العزيز القصاب رئيس المجلس طالبا صرف النظر عن الاعمال الشخصية والتكلم عن اسس الميزانية دون التطرق إلى مواضيع اخرى . وفي جلسة 29 نيسان 1929 تليت الارادة الملكية باستقالة عبد المحسن السعدون من رئاسة الوزراء وتعيين توفيق السويدي رئيسا للوزراء وعبد العزيز القصاب وزيرا للداخلية فاستقال من مجلس النواب.
عن رسالة (عبد العزيز القصاب وأثره الاداري والسياسي في العراق)

اقرأ ايضا

من ذكريات نائب في العهد الملكي..ماذا كان يفعل برلمان الثلاثينيات؟

خيري الدين العمريسارت الحكومات منذ تأسيس الدولة العراقية سنة 1921 وإلى سنة 1930 في سياقات …