رفعة عبد الرزاق محمد
لم تكن مواقف الزهاوي في مجلس الاعيان كما كانت عليه مواقفه في مجلس المبعوثان ، فقد كانت مواقفه السابقة تتسم بالجرأة والشجاعة ، اما مواقفه في مجلس الاعيان فقد طغى عليها جانب الفكاهة ، وتستحق هذه المواقف التحقيق والجمع ، فقد كان ــ رحمه الله ــ صاحب اجوبة سريعة ، لا يتردد في ذكرها مهما كانت درجة اقذاعها ، ومن تلك الطرائف ما ذكره في احدى جلسات المجلس سنة 1928 ( المحاضر ص 154) عند مناقشة موضوع دائرة المحاسبات العامة ، فاعترض البعض من ان عدد الموظفين في هذه الدائرة كثير . وعارضه الزهاوي فاشتد النقاش ، وحاول الزهاوي اقناع زميله دون جدوى ، فقد كان هذا مصرا على ان العدد كبير ويجب ان يقل فامتعض الزهاوي واجاب المعترض ان المثل يقول ( عنزة ولو طارت ) ، فوقف العين مذهولا ووجه كلامه للزهاوي :
ــ ماذا يقصد الاستاذ بقوله هذا ؟
ــ رأى رجلان شبحا من بعيد فقال الاول هو طير وقال الثاني انه عنزة ، وبعد قليل طار الشبح فقال الاول ثبت الان ان الشبح كان طيرا ، فقال الثاني : لا .. عنزة ولو طارت!
كان من اصدقاء الشاعر الزهاوي المقربين في مجلس الاعيان الشيخ ابراهيم الحيدري واحمد الفخري ، وكان الاثنان في لجنة صياغة اللوائح المقدمة للمجلس. وكثيرا ما كان الزهاوي يعترض على اللوائح من الناحية اللغوية ، واتفق ان احتدمت المناقشة بين الزهاوي وبين الحيدري والفخري حول خطأ لغوي في احدى اللوائح ، وطالت المناقشة بعد ان قدم كل واحد منهم الشواهد الشعرية والنحوية ، فاعيدت اللائحة الى اللجنة ، وبعد تدقيقها وجد ان الخطأ لم يتعد كونه غلطا مطبعيا !
وخاطب الزهاوي رئيس مجلس الاعيان ( جلسة يوم 30 تموز 1925 ) بقوله : اسمح لي يا مولاي اذا وجدت عبارة فيها نصب الفاعل فهل تقبلها وتغير قواعد اللغة العربية لمجرد حصول الاكثرية عليه بالتصويت ، فاجابه رئيس المجلس : ارجوك المحافظة على النظام ..
ووقف احد العيان خطيبا فاطال خطبته وابتعد عن اصل الموضوع وجوهره فتضايق الاعيان ، وحاول الزهاوي ان ينبهه الى ذلك ، فاعتقد الخطيب ان الزهاوي يريد اسكاته ، فصرخ : لن اسكت ..انا حر .. ومن ذا الذي يستطيع اسكاتي ، وحرك يديه حركة تدل على استعداده للعراك ! فاجابه الزهاوي :
ــ تمام مولاي انا لا استطيع اسكاتك ، ولكني استطيع ان لا اسمع ما تقوله ، وصم اذنيه باصبعيه ، فضج المجلس بالضحك وسكت الخطيب .
والان لنتحدث عن خروج الزهاوي من مجلس الاعيان :
نصت المادة 32 من القانون الاساسي العراقي ( الدستور) على ان مدة عضوية الاعيان ثماني سنوات على ان يتبدل نصفهم كل اربع سنوات بطريقة الاقتراع . وقد اتفق مجلس الاعيان على ان يكون الاقتراع بطريقة احضار اربعين ورقة بيضاء متشابهة يكتب على عشرين منها اسماء الاعضاء ، وتوضع في كيس ، اما العشرون الاخرى فيكتب على عشر منها كلمة ( عضو ) وتترك العشرالباقية بيضاء ، وتوضع هذه العشرون في كيس اخر ، وتسحب ورقة من كيس الاسماء وورقة من الكيس الاخر وتفتح الورقتان معا ، فمن خرجت مع ورقة اسمه ورقة ( عضو ) بقي في المجلس والا فيعتبر خارجا منه .
وفي يوم اجراء القرعة حضر الملك فيصل الاول بنفسه الى قاعة المجلس واشرف على الاقتراع . ومن سوء حظ الزهاوي ان اسمه اقترن بورقة بيضاء ، فخرج من المجلس ، وفي قرارة نفسه ان ذلك جرى وفق مؤامرة ضده ! وذهب الى بيته وهو يتمتم :
سقطت فلا تحزن على ما فقدتــــــه فما انت بين الســـــــاقطين بأول
فكم من وزير كان قبلك قد هوى كجلمود صخر حطه السيل من عل
ولم يعين الزهاوي ثانية في مجلس العيان ، ومن طريف ما روي عنه ان احد الاشخاص زاره وقال له : الشائع بين الناس ان اصابتكم بالشلل هو الذي جال دون تعيينكم ثانية للاعيان ، فاجابه :
ــ افندم ليش المطلوب ان اصبح عينا ام مصارعا في الزورخانة !!
وقد بقي المرحوم الزهاوي يتذكر يوم اخراجه من مجلس الاعيان بمنتهى الحزن ، وذكر الاستاذ عبد الرزاق الناصري ( المتوفى سنة 1945 ) شيئا عن ذكريات الزهاوي ، نشرها في العدد الخاص من جريدته ( الانباء) بالذكرى الاولى لوفاة الزهاوي ، فقال :
(( كنت اول الوافدين عليه في حلقته بمقهى رشيد في الباب الشرقي وكان ذلك في يوم سحب الاقتراع على نصف اعضاء مجلس العيان وهو اليوم الذي كنا جميعا نرتقبه بفارغ الصبر ، فوجدت الزهاوي كسير الخاطر ،شاحب الوجه ، مقطب الاسارير ، وما ان جلست حتى فاجأني منشدا :
امطري لؤلؤا سماء سرنديب وفيضي آبار تكرور قوتا
انا ان عشــــــت لا اعدم قوتا واذا مت لست اعدم قبرا
ومما سمعته من احاديث الاستاذ محمد بهجة الاثري ان المرحوم ياسين الهاشمي في وزارته الاخيرة 1935ــ1936 حاول مد جسور الثقة مع ادباء العراق الكبار ، وكانت نيته اعادة الزهاوي الى مجلس الاعيان ، غير ان المنية داهمت الزهاوي في 23 شباط 1936 وفي قلبه حسرة وشكوى ..
لم تكن مواقف الزهاوي في مجلس الاعيان كما كانت عليه مواقفه في مجلس المبعوثان ، فقد كانت مواقفه السابقة تتسم بالجرأة والشجاعة ، اما مواقفه في مجلس الاعيان فقد طغى عليها جانب الفكاهة ، وتستحق هذه المواقف التحقيق والجمع ، فقد كان ــ رحمه الله ــ صاحب اجوبة سريعة ، لا يتردد في ذكرها مهما كانت درجة اقذاعها ، ومن تلك الطرائف ما ذكره في احدى جلسات المجلس سنة 1928 ( المحاضر ص 154) عند مناقشة موضوع دائرة المحاسبات العامة ، فاعترض البعض من ان عدد الموظفين في هذه الدائرة كثير . وعارضه الزهاوي فاشتد النقاش ، وحاول الزهاوي اقناع زميله دون جدوى ، فقد كان هذا مصرا على ان العدد كبير ويجب ان يقل فامتعض الزهاوي واجاب المعترض ان المثل يقول ( عنزة ولو طارت ) ، فوقف العين مذهولا ووجه كلامه للزهاوي :
ــ ماذا يقصد الاستاذ بقوله هذا ؟
ــ رأى رجلان شبحا من بعيد فقال الاول هو طير وقال الثاني انه عنزة ، وبعد قليل طار الشبح فقال الاول ثبت الان ان الشبح كان طيرا ، فقال الثاني : لا .. عنزة ولو طارت!
كان من اصدقاء الشاعر الزهاوي المقربين في مجلس الاعيان الشيخ ابراهيم الحيدري واحمد الفخري ، وكان الاثنان في لجنة صياغة اللوائح المقدمة للمجلس. وكثيرا ما كان الزهاوي يعترض على اللوائح من الناحية اللغوية ، واتفق ان احتدمت المناقشة بين الزهاوي وبين الحيدري والفخري حول خطأ لغوي في احدى اللوائح ، وطالت المناقشة بعد ان قدم كل واحد منهم الشواهد الشعرية والنحوية ، فاعيدت اللائحة الى اللجنة ، وبعد تدقيقها وجد ان الخطأ لم يتعد كونه غلطا مطبعيا !
وخاطب الزهاوي رئيس مجلس الاعيان ( جلسة يوم 30 تموز 1925 ) بقوله : اسمح لي يا مولاي اذا وجدت عبارة فيها نصب الفاعل فهل تقبلها وتغير قواعد اللغة العربية لمجرد حصول الاكثرية عليه بالتصويت ، فاجابه رئيس المجلس : ارجوك المحافظة على النظام ..
ووقف احد العيان خطيبا فاطال خطبته وابتعد عن اصل الموضوع وجوهره فتضايق الاعيان ، وحاول الزهاوي ان ينبهه الى ذلك ، فاعتقد الخطيب ان الزهاوي يريد اسكاته ، فصرخ : لن اسكت ..انا حر .. ومن ذا الذي يستطيع اسكاتي ، وحرك يديه حركة تدل على استعداده للعراك ! فاجابه الزهاوي :
ــ تمام مولاي انا لا استطيع اسكاتك ، ولكني استطيع ان لا اسمع ما تقوله ، وصم اذنيه باصبعيه ، فضج المجلس بالضحك وسكت الخطيب .
اقرأ ايضا
وزارة الداخلية والانتخابات النيابية لسنة 1948
د. قحطان حميد العنبكيفي 22 شباط1948 أصدرت وزارة السيد محمد الصدر قراراً بحلّ المجلس النيابي …