80 عاما على رحيله..جعفر أبو التمن وحكاية مذكراته

رفعة عبد الرزاق محمد
كنت قد كتبت في جريدة «الاتحاد» الزاهرة، في عهدها الاول «1 كانون الاول 1987» مقالا عن المذكرات التي تركها المرحوم جعفر ابو التمن، وفقدت بعد وفاته، وقد عرف بامرها عدد من اصدقاء الفقيد ومريديه، واول من نبهني الى الامر، هو المرحوم ضياء شكارة: ت 1983»، ثم اكد فقيد الصحافة والادب المرحوم عبد القادر البراك «ت 1995» هذا الموضوع في مقال له بمناسبة رحيل الاستاذ قدري قلعجي، الكاتب العربي الكبير، سنة 1986، غير ان البراك – رحمه الله – كان يعتقد ان مذكرات ابي التمن بقيت لدى قلعجي ولم تعد الى بغداد، حتى وقع ما ليس في الحسبان، فقد اطلعت في دار الكتب والوثائق، على ملف يضم بعض اوراق ابي التمن، مما يدل على ان المذكرات عادت الى اسرة الفقيد.. حتى التقيت بالاستاذ الفاضل ناجي جواد الساعاتي في جلسة اقامتها جريدة «الاتحاد» في بناية اتحاد الصناعات العراقي في اوائل سنة 1988، وقدم لي متفضلا فوائد تاريخية عن الموضوع، كشفت ما خفى من الموضوع ووضعت الحقيقة في نصابها.
فما هي حكاية هذه المذكرات؟

  • بعد اشهر قليلة من وفاة الحاج جعفر ابو التمن توفي يوم 20 تشرين الثاني 1945، كلف المرحوم عبد الكريم الدجيلي «»ت 1974» بوضع كتاب عن حياة ابي التمن ونضاله الطويل في سبيل القضية الوطنية، وقد قام المرحوم جميل كبة، زوج ابنة ابي التمن – والاستاذ عبد الفتاح ابراهيم، وهو من اكثر المتأثرين به وبمسلكه في العمل السياسي، بتوجيه الدجيلي وبيان ما يودان بيانه، وتم الاتصال بالمرحوم عبد العزيز ابو التمن، نجل المترجم له، وطلب منه تقديم ما ترك الفقيد من اوراق او مذكرات.
    ذكر الدجيلي تعقيبا على ذكريات المرحوم احمد زكي الخياط، عن احدى مواقف ابي التمن في ثورة العشرين «ج. البلد ليوم 27 ايليو 1966» ان النية كانت متجهة لاصدار رسالة عن ابي التمن، بمناسبة الذكرى الاولى لرحيله، ولاتمام الرسالة صحب الدجيلي، السيد جميل كبة الى دار ابي التمن في شارع ابي نواس، فجاء المرحوم عبد العزيز ابو التمن بـ «14» اضبارة منسقة تنسيقا بديعا ومرتبة زمنيا يقول الدجيلي: وبعد جلستين او ثلاثة استوعبت ما فيها، فاشترطت لاكمال مهمتي ان تهيا لي غرفة في هذه الدار او ان تدفع لي المذكرات واكمل العمل في داري، الا ان ولده كان معتزا بهذه المذكرات لدرجة انه كان لا يخرجها لاحد الا بحضوره، فتركت العمل!» . وما احتوته هذه المذكرات، فهي على الوجه التالي:
    1 .اضبارة عن الملك فيصل الاول، 2- اضبارة عن النفط في العراق، 3- اضبارة عن ثورة العشرين، وكانت كبيرة الحجم، 4- اضبارة عن الموظفين المتهمين بعدم النزاهة، 5- اضبارة عن ما كتب عن نشاطه السياسي، 6- اضبارة عن معتقل هنجم، حقائق وطرائف، 7- اضبارة عن المعاهدة مع بريطانيا، 8- اضبارة عن المدرسة الجعفرية ببغداد، 9- اضبارة لاوراق مختلفة.
    اما باقي الاضبارات فلا اتذكر محتوياتها.. وبعد مدة اخبرت بان المرحوم عزيز نجل الفيد قد سلم كل هذه المذكرات الى الاستاذ قدري قلعجي ليضع رسالة عن ابي التمن، ضمن سلسلة كتبه عن الخالدين، ثم ذهبت مدة وتوفي عزيز ولا اعلم مصير المذكرات.
    هذه هي شهادة المرحوم عبد الكريم الدجيلي عن الموضوع لقد ذكرت في مقالي المتقدم ذكره ان المرحوم قلعجي، عزم على وضع دراسة عن سيرة ابي التمن السياسية. وقد كلف الاستاذ ناجي جواد الساعاتي، صديق عائلة ابي التمن وزميل عبد العزيز في كلية الحقوق، بارسال المذكرات الى قلعجي، ولم يحصل الاتفاق فاعيدت الاوراق الى بغداد، ولا صحة للقول بانها بقيت لدى قلعجي او فقدت عنده.
    وذكر الاستاذ ناجي جواد الساعاتي، وهو شخصية بغدادية تجمع الادب والفضل والظرف، انه في احدى زياراته الى صديقه عبد العزيز ابي التمن في داره، طلبت منه السيدة زوج الحاج جعفر ابو التمن ان يشترك مع ابنها بنقل مكتبة الجلبي واهدائها الى مكتبة الخلاني العامة، وتم الامر وبقيت اوراق الفقيد الخاصة ورسائله لدى ابنه وقام الساعاتي بتنظيمها في اضبارات خاصة، ثم كلفه عبد العزيز بحملها الى بيروت والاتصال بالاستاذ قدري قلعجي ليكتب عن جعفر ابو التمن، وقام الساعاتي بما طلب منه صديقه عبد العزيز ابو التمن، واتصل بقدري قلعجي، الذي اعجب بسيرة ابي التمن، وقرر الكتابة عنها بعد دراسة الاضبارات.. غير ان المرحوم عبد العزيز سافر بعد فترة وجيزة الى بيروت وعاد بالاضبارات، مستنكرا موقف قلعجي ومرددا: ان اكثر الناس يركضون وراء المال.
    ويضيف الاستاذ الساعاتي في حديثه القيم، ان المرحوم عبد الكريم الدجيلي تعهد بدراسة مذكرات ابي التمن واخراج كتاب عنها، فاخيبره – اي الساعاتي – ان اكداسا من الرسائل كانت في الطابق العلوي من دار ابي التمن. كانت محفوظة باكياس كبيرة «كواني» وفي غرفة مهملة.. وفاته ان يسأل عن مصير تلك الرسائل فيما بعد، وفي الخمسينيات وبسبب الاحداث السياسية بين الحركة الوطنية والسلطة، اضطرت اسرة ابي التمن ان تدس الاضبارات والاوراق والرسائل الاخرى في صفائح تنك وتدفنها في حديثة الدار.. بينما ذكرت السيدة زوج عبد العزيز جعفر ابو التمن للمرحوم عبد الرزاق عبد الدراجي، مؤلف رسالة جعفر ابو التمن ودوره في الحركة الوطنية المنشورة، ان دفن هذه الاضبارات، كان بعد مقتل زوجها عبد العزيز سنة 1959 في ظروف غامضة ثم اخرجت وقد تعفنت وتآكلت ولم يبق منها سوى اوراق قليلة، سلمت الى مركز حفظ الوثائق.
    اذا هذه هي حقيقة ما جرى لمذكرات جعفر ابو التمن، وما اكثر الوثائق التي فقدناها بسبب الاهمال والجهل والخوف، وهكذا ضاعت هذه المذكرات ، ولم يبق منها سوى الذكرى الباهتة، الاضبارة المحفوظة في «دار الكتب والوثائق»، وهي عبارة عن مجموعة من الرسائل الموجهة الى ابي التمن من شخصيات مختلفة، الا ان اهمها واطرفها، رسالة من الاستاذ الفاضل عبد الفتاح ابراهيم، مؤرخة في 6 كانون الثاني 1937، ينعى فيها على رفاقه من «جماعة الاهالي» وكيف اهملوه بعد نجاح انقلاب 1936، الذي اشتركوا فيه، وهي رسالة مؤثرة، وجديرة بالتحقيق، كتبها عبد الفتاح ابراهيم، وهو في فورة الغضب على من وصفهم بناكري الجميل ذكر فيها ان الجماعة اتهموه بشتى الاتهامات ، رغم انه وقف الى جانبهم السنين الطوال، وكان له الفضل الاكبر في وضع الافكار التي ظهروا بها الى الناس، ويضيف ، وقد كانت حجتهم ان الدافع الحقيقي لموقفي هو رغبتي في الترفيع كموظف، مع انهم يعلمون حق العلم انه انقضى على ثماني سنوات، وانا محروم من الترفيع بالرغم من ان الذين عبثوا معي وبعدي بل وحتى تلامذتي، قد تقدموا الى مناصب المسؤولية وترفعوا درجتين او ثلاثة، وان المانع الحقيقي في حرماني من هذا يرجع الى صلتي بهم وانه كان بوسعي دون حاجة الى سلوك الطرق المعوجة ان احصل على الترفيع بسهولة في فترات متعددة، وانني كنت مستعدا للاستقالة من الوظيفة.. ثم حذر ابا التمن ان يكون ستارا لمقاصدهم السيئة، ثم طالب بتسوية حسابه في جريدة الاهالي، وقطع الصلة مع الذين لا يستحقون المعونة والتشجيع.
    ان هذه الرسالة توضح موقف عبد الفتاح ابراهيم – احد مؤسسي جماعة الاهالي – من انقلاب بكر صدقي والحقيقة ان مقاطعة عبد الفتاح لجامعته، بدأت منذ منذ ان بدأ تفكير الجماعة بامكانية الاستعانة بالجيش ثم تبلور هذا التفكير الى اتصال حكمة سليمان ببكر صدقي، وعدم ممانعة كامل الجادرجي ، اقوى شخصيات الجماعة، لهذا الاتصال ويبرر الجادرجي في مذكراته من 43 الموقف بقوله: ان الوضع في الايام الاخيرة من عهد ياسين الهاشمي، قد جعل الامل معدوما في سلوك الطريق الديمقراطي، وفي هذه الحال يمكن اللجوء الى العنف.

اقرأ ايضا

نبذة تأريخية عن العمليات الإنتخابية في العراق

صبحي مبارك مال اللهأعلن الملك فيصل الأول في يوم تتويجه 23/آب/1923م ملكاً على العراق، بأن …