د. عماد عبد السلام رؤوف
.
في سنة 1206هـ/1797م أنـــشـــأ والـــي بـــغداد الوزير سليـــمان باشا الكبير سوقاً محــادداً لـــسوق الجبوقجية، وملاصقاً لسوق القزازين، يتضمن 33 دكـــانــــاً ومخزنـــــاً وخـــاناً، وقـــفــــه عــلى المــــدرسة السليمـانية الـــتي أنشأهــــا في تلك السنة، والتي ما زالت واجهتها الخارجيــة ماثلة إلى اليوم. والراجح أن يكون هذا السوق هــــو سوق السراي نفسه،وكان السوق يتصل من أعـــلاه بشـــارع مـــــوازٍ لـــــقــــصور الممــاليك، وهي التي شيد في أرضها مبـــنـــى القشلة، حــــيـــث تجــمـــعـــت مؤسسات الحكومة في أواخر العصر العثـــمــاني ولــبــــثــــت كـــــذلك حـتى سبعينات القرن الماضي، كما يتصل أيضاً بدربٍ واســـع نـــسبــياً، عــــرف بشــــارع الأكـــمـــكــخــانــه. وكان هذا الشارع يمــــــتد عـــلى نحـو مستقيم، متــــعامـد مع شاطئ دجلة، متجاوزاً مبنى الأكمكخانه، حتى يعترضه عــلى نحو متعامد أيضاً درب طويل يصل بين ـمحلة جديد حسن باشا من الشمال الغربي، ومحلة الدِنْكَجيــــة من الجنوب الشرقي، فلا يستــــطيع المــــاضي في هذا الشارع إلاّ أن يتـخـــذ طــــريـــقه يساراً باتجاه المحلة الأولى، أو يميناً باتجاه الثانية، وتـكـــــتض الــــدور عــــلى هـــذا الدرب، وأكـــثرها لـــسُراة الـــقــــوم مــــن المــــوظفين والعلماء خاصة، وقــــــد اتخذت القنصلية الفرنسية في منتــــصف القرن التاسع عشر من إحداها مــقراً لها. ويتصل الـــــدرب بــــدرب آخــــر موازٍ له (يحتل أرضه شارع الرشيد اليوم) عـــن طـــريـــق عدد من الأزقة الملتوية الضيقة.
بـــيـــد أن مـــتــغيرات جديدة أخذت تؤثر في بيئة المكان منذ أن توسعت دوائر الحكومة لتشغل المبنى الكبير المجاور للسراي القـــديـــم، والــــقـــريــــب من مدخل سوق الســــراي، وجـــاء هـــذا التــوسـع نتيجة لمحاولات تحـديث الإدارة العـــثــمـــانـــيــة في العراق، والتي بدأت مــــنذ منتصـف الــقـــرن الـــتاسع عشر، وتوضحت في عـهد والـــي بـــغـــداد مـــدحـــت بـــاشـــا (1869- 1872)، ومــا بــعــده. فـــفي هـــذا الــعــهـد أفتتحت المدارس الحديثة في بغداد، مستقطـبة الطلبة والمدرسين، وشــــرع الكـــتـــاب المـدرسي يجد طريقه إلى عدد غفير من الطلبة، وزاد عــدد المتعلمين الذين أخــــذوا يتــابـــعـــون مـا يجـــــــري في الأقطار الأخـــــرى مـــن خــــلال أولـــيـــات الــصحف الصادرة في استانبول وفي القاهرة وبــــعــــض المــدن السورية، وكــــان أكـــثـر تلك المــدارس منـطقة سوق السراي أو ما يجـاورها، ومــــن أهــــمـــــها المــــدرسة الرشدية الــتي أســــست سنة 1869 والــــتي تحولت إلى كلية للحقوق، فــمـــتــصرفــيـة للواء بغداد تقابل الباب الوسطى لمبنى القشلة، والمـــدرسة الـــرشـدية العسكرية المؤسسة سنة 1879 مقابل مبنـى البريـد المركزي القديم(أقيـــمـــت عـــلى أرضـــها الــثانـــوية المركزية)، هـــذا فضـــلاً عـــن المـــدرسة الإعــدادية الملكية، ودار المعــلمـــين، مقـــابـــل نــــادي الضبـــــاط الأعـــــوان، ومــــدارس أخـــرى. وكـــانت أقـــرب هذه المدارس موقعاً من ســــوق الســــراي هـــي المـــدرسة الرشدية العسكرية المــشـــيـــدة سنـــة 1879، فـــقـــد أنـــشـــئـــت عـــلى أرض الدفـــتردارخانه القديمة، لا يفصل بينها وبين السوق إلاّ جدارها نفسه.
اول مكتبة في سوق السراي
وتلبية لحـــاجة رواد السوق الجدد، من المتعلمين والمدرسين والموظـــفـــين، شــهــد سـوق الـسراي سـنة 1869تأسيس أول مكتبة لبيع الكتب، أنشــأهـــا الملا خضر، في أحد دكاكين السوق، وكان الجـــديد فــيها أنها أخذت تبيع جـــريـــدة الـــزوراء، أول جــــريــــدة رسمية تصدر في بغداد عهد ذاك، ثم شرعت تبيع جريدة الجوائب التي كانت تصدر في استانبول. وفي السنين التالية أخذت بعــض دكــــاكـــين الســـوق تتحول، تباعاً، إلى وظيفة جديدة، هـــي بيــع الكتب والصحف والمجلات القادمة من الأقــــطار العربية، فضلاً عن بيع المخطوطات القــديمــــة. ومـــع نــشوء الدولة العراقية الحـــديثة سنة1921 برزت الحــاجة إلى مزيد من المكـتـبـات، فــــزاد نــــشـــاط الســـــوق، وانقلبت معـــظم دكـــاكــيــنــه الصــغيرة إلى مكتبات ازدحمت أرففها بالكتب مــن كـــل نــــوع، فثمة كتــب مدرسية، وكتب مطبوعة في مصر، وأخرى مطبوعة في استانبول، وصحف عربية متنوعة، ومـــع اطـــراد تأسيس المطابع، ونشاطها في طبع الكـــتب العراقي، أصبح هذا الكتاب يجد طريقه إلى تلــك الأرفــــف، حيث يتهافت على اقتنائه القراء، ولم يمض وقت، حتى صار ســــوق الســـراي المركز الوحـيد لتــجـــارة الكتاب وكل ما يتعلق به، وفيه توزع الصــحــف عـلى الباعة، وتتوفر مستلزمات الطـباعـــة أيـــضاً، وكــان من أبرز المكتبات عـــهـد ذاك:المكــتـــبــــة الـــعــربية، والمطبعةالعصرية،ومكتبة الشرق،والمكتبة الأهلية..
اقرأ ايضا
نبذة تأريخية عن العمليات الإنتخابية في العراق
صبحي مبارك مال اللهأعلن الملك فيصل الأول في يوم تتويجه 23/آب/1923م ملكاً على العراق، بأن …