وديان حيدر الدلفي
من خلال الروايات المتعددة حول حادثة مقتل الملك غازي لابد من الرجوع قليلاً إلى طبيعة العلاقات بين الملك غازي والأطراف التي وجهت الشكوك إليها.
أولاً / بريطانيا: دارت الشبهات حول تدبير بريطانيا لحادثة مقتل الملك غازي لا سيما ما أظهره الملك من ميول وطنية وقومية وبدأ بدعم الشباب القومي العراقي والعربي وللملكاهتمامات بالقضايا العربية، إذ دعا إلى توحيد الأمة العربية وإعادة أجزائها وكانت الكويت أحد أبرز اهتماماته رغبة بإعادة الكويت إلى العراق في ظل عدم رغبة بريطانيا بذلك لأن بريطانيا تريد الحفاظ على مصالحها الاقتصادية فأرادت بقاء الكويت بسياستها مستقلة عن العراق لعل أبرز العوامل التي شجعت الملك غازي على المطالبة بضم الكويت هو ما حصل في الكويت نفسها من استجابة قومية تمثلت لأول مرة في انتقادات السيطرة الاستعمارية وقدمت مطالبها السياسية والدستورية في المجلس التشريعي حيث تشكلت حركة عرفت بـ(الكتلة الوطنية) ضد شيخها مطالبين بانضمام الكويت إلى العراق.
كما بدأ الملك التقرب من الألمان وتوطيد العلاقات معهم من أجل استعادة الكويت وضمها إلى العراق أدى ذلك إلى انزعاج بريطانيا من الملك غازي إضافة إلى قيام الملك باستخدام إذاعته الخاصة داخل قصر الزهور بإذاعة البيانات الوطنية التي تؤجج عند الشباب العرب روح الحماس، لمواصلة كفاحهم ضد الاستعمار البريطاني والفرنسي مؤكداً أن لهم في العالم العربي أصدقاء وأعوانا لذا أدرك المسؤولون البريطانيون أن وجود الملك يشكل خطراً مباشراً على مصالحهم وهذا ما دفع السفير البريطاني موريس بيترسون للتصريح «إن الملك غازي يجب أن يسيطر عليه أو يخلع» وكما هو معروف إن الإنكليز كانوا يميلون إلىالأمير عبد الإله أكثر من ميلهم إلى الملك ويذكر سندرسن طبيب العائلة المالكة في تقرير جاء عن لسانه إن العائلة المالكة قد ذكرت اسم عبد الإله بأنه البديل الممكن في حالة عدم استطاعة الملك غازي البقاء في عرشه هكذا نجد أن اسم عبد الإله قد بدأ يبرز ويهيأ منذ عام 1936 أي قبل ثلاثة سنوات من حادثة الملك غازي مما يدل على أن بريطانيا كانت قد هيأت نفسها لاستقبال البديل الملكي في العراق.
كما أرسل الملك غازي رسالتين إلى هتلر وموسليني التي بعثهما بيد بكر صدقي رئيس أركان الجيشالذي كان متوجهاً إلى تركيا بدعوة رسمية من قبل الحكومة وعندما وصل بكر صدقي إلى الموصل توقف في معسكر الموصل وهو يحمل الحقيبة اليدوية التي توجد فيها الرسالتان والتي لم تفارقه الحقيبة حتى ساعة اغتياله في نادي الضباط بمعسكر الموصل في يوم 12 آب 1937عندما حصلت الفوضى في مكان وقوع الحادث ثم اختفاء الحقيبة التي كانت برفقة بكر صدقي وعند وصول الخبر إلى الملك غازي أبدى الملك قلقاً حول مصير الرسائل وطلب من مرافقه فؤاد عارف إجراء الاتصال بآمر معسكر الموصل أمين العمري ومعرفة مصير الحقيبة التي تحمل الأوراق السرية وأخذ اجراءات التفتيش والتحقيق مع كل من تواجد في موقع الحادث لكن لم يتم العثور عليها وبعد فترة تبين بأنها وقعت بيد ضابط المخابرات في السفارة البريطانية المدعو مستر تومس الذي تواجد في مكان وقوع الحادث صدفة وعبر الفرات إلى سوريا ومعه الحقيبة السوداء . هل قررت هاتان الرسالتان مصير الملك غازي وهل كان لهما الدور في إزاحة الملك عن العرش وذلك ما قد تكشف عنه خفايا أوراق دائرة المخابرات البريطانية وإلى هذا اليوم لم تنقل أي من تقارير هذه الدائرة التي لعبت وما زالت تلعب دورها في تقرير مصير العديد من ساسة العالم.
ثانياً: نوري السعيد: إن طبيعة العلاقة بين الملك غازي ونوري السعيد بدأت بالخلاف لا سيما بعد وفاة الملك فيصل فإن تصرفات الملك غازي لم ترق لنوري السعيد وتجاهله له في العديد من المناسبات كما في هذه المدة تعرض ابن نوري السعيد لحادثة طيران كان الملك مسؤولاً عنها أخذ نوري السعيد يسعى لتحقيق أهدافه لاسيما بعد قتل صهره جعفر العسكري على يد بكر صدقي الذي قاد الانقلاب في العام 1936 واعتقد نوري السعيد أن وراء مقتل صهره الملك غازي., بدأ نوري السعيد يسعى للانتقام من قتل صهره جعفر العسكري فكان هدف نوري السعيد تنصيب الأمير زيد رئيس الوزراء لكن تخلى عن فكرته لصعوبة حضورهإلى مجلس النواب فزاد قلق نوري السعيد وخاصة أن الملك غازي بدأ يقرب إلىالبلاط الضباط والقوميين والساسة ذويالاتجاهات القومية فدفع كل هذا إلى التخلص من الملك وقبل مقتل غازي بفترة قصيرة قام نوري السعيد بزيارة إلى لندن ويفسر ذلك بأنه تسلم قرار تصفية الملك بمساعدة عبد الإله شقيق الملكة عالية .
ترجع علاقة نوري السعيد مع عبد الإله إلى صلة جيدة عندما كان نوري السعيد في القاهرة بعد انقلاب بكر صدقي منفياً كان عبد الإله طالباً فيها استغل نوري السعيد مدى الكره الذي يحمله عبد الإله للملك غازي ومن خلال لقاءاته المتكررة بعبد الإله أدرك نوري السعيد ما يدور في ذهن عبد الإله من الشعور بالغيرة والحقد على ابن عمه لما يتمتع به من عرش يوفر كل مظاهر العيش عمل عبد الإله على تأييد خطط نوري السعيد بالتخلص من الملك غازي لأنه كان من أهم المستفيدين من مقتل غازي للوصول إلى هدفه الذي كان يطمح له بأن يكون ملكاً على العراق . ويذكر السيد محسن أبو طبيخ بأن نتيجة الخلافات التي حصلت بين الملك غازي وعبد الإله والتي وصلت حدة تلك الخلافات إلى محاولة الملك غازي إبعاد عبد الإله خارج العراق فقامت الأسرة المالكة بالاتصال بي من أجل التوسط لدى الملك بالعدول عن قراره وعند وصولي إلى البلاط الملكي للقاء الملك غازي فاستقبلني الملك مرحباً بي وبدأت التحدث معه حول الموضوع فأجابني الملك قائلاً: «إن ابن عمي يتآمر مع أعدائي، وكلما أنهاه من التقرب منهم والابتعاد عنهم، لا يلتزم بأمري بل يزداد تقرباً إليهم، وأني أخشى أن يقتلوني بواسطته فهم يخططون لإدخال عبد الإلهإلى صفهم ضدي» فطلبت من الملك إن كان الحل هو إبعاد عبد الإله عن العراق فليس بهذا الطريقة التي تثير التساؤلات والشكوك لدى اعدائه وإنما يتم تعيينه سفيراً في إحدى الدول التي تختارونها أنتم فهذا الحل أفضل لكم واحتراماً لابن عمكم أمام أعدائكم فقد سر الملك بهذا الرأي ووافق عليه وقدم شكره لي وأوعدني بأن سوف يتم تعيين عبد الإله سفيراً في إحدى الدول خلال فترة أسبوع لكن فوجئت بعد ثلاثة أيام من لقائي بالملك بنبأ مقتل الملك غازي وبذلك اختلفت الآراء وتعددت الروايات وما تناولناه مجرد شكوك، لذا تبقى حادثة مقتل الملك غازي غامضة أمام الباحثين. ورأي الباحثة بأن بريطانيا كانت وراء حادثة مقتل الملك غازي.
عن رسالة ( الحياة الاجتماعية للعائلة المالكة في العراق )
اقرأ ايضا
مدينة الشطرة .. التسمية ، التأسيس ، السكان وفنونهم
صادق الطائيمثلما توجد مدن تتأسس دون ان يكون لها وجود تاريخي سابق انما تستحدث لأسباب …