اسحق القومي
ولد الفنان وديع خندة المعروف بـ (سمير بغدادي) ببغداد العام 1920 من أسرة عرفت بالعلم والأدب والسياسة. وبعد إكماله الدراسة الإعدادية دخل كلية الحقوق ولكنه لم يكمل الدراسة فيها لاتجاهه إلى الفن فعمل في العام 1941 مذيعا في الإذاعة، إلا أن هذا العمل لم يستهوه أيضا فاتجه إلى الغناء والتلحين وقدم حفلات أسبوعية من الإذاعة العراقية غنى فيها ألحانه الشهيرة ” شهرزاد” و” خمرة الربيع” و” حبيبي ليش تنساني” و” المصطفى”، وعمل أكثر من مرة رئيسا لقسم الموسيقى في الإذاعة العراقية. سافر إلى لبنان ولحن هناك لأصوات معروفة مثل نور الهدى وصباح ووديع الصافي ونجاح سلام وزكية حمدان ونصري شمس الدين ومحمد غازي وسواهم. عمل زمنا مساعدا لرئيس قسم الموسيقى لإذاعة الشرق الأدنى التي كانت تبث برامجها من قبرص، وبعد عودته إلى بغداد، عين رئيسا لقسم الموسيقى، ولحن العديد من الأغاني للمطربة مائدة نزهت وعفيفة أسكندر وناظم الغزالي. ويعد من رواد الموسيقى العراقية .
ولحن وديع خندة الأغنية الإذاعية الأولى لناظم الغزالي التي دخل بها الإذاعة العراقية وكان مطلعها ( وين ألكه الراح مني وأنا المضيع ذهب.. وراحت السلة من إيدي وراح وياها العنب) (47) والأغنية الأولى ” دانة ودان” للمطربة الأردنية نجوى سلطان التي تحقق حلمها من خلالها على الصعيد العربي حيث فازت بالمرتبة الأولى .
وفي معرض حديثه عن الأغنية العراقية أشاد فؤاد سالم في مقابلة معه بدور وديع خندة في تطويرها فقال “الأغنية العراقية وقفت عند السبعينات فقط… في زماننا كان المطرب يعصر ويمتحن أمام لجنة مؤلفة من عباقرة الفن في العراق ، كان يدير دفة الغناء في بغداد في مراقبة الموسيقي الأستاذ الكبير وديع خونده الذي خدم الأغنية العراقية بشكل جميل جدا من بداية الأربعينيات إلى نهاية السبعينيات. ومعظم المطربين العظام الذين اشتهروا على الساحة الفنية من أمثال ناظم الغزالي ورضا علي إلى فؤاد سالم وحسين نعمة وياس خضر وفاضل عواد كل هؤلاء تخرجوا من تحت يد وديع خونده، لأنه لم يكن يجامل أبدا. وأذكر في يوم من الأيام اتصل بي هاتفيا وقال لي: هناك أغنية تعال وسجلها. وكان الوقت ظهرا، فقلت له: الآن. قال: نعم الآن وفورا وسوف تجد الأستاذ (المرحوم) عباس جميل، اسمعْ منه الأغنية وأحفظها. الأغنية حملت عنوان (ثلاث نخلات) فحفظتها ودخلت الأستوديو وسجلتها في اليوم نفسه. عندما خرجت إلى الكنترول،وكان هو من يخرج لي أغانيي،سألتني المطربة الكبيرة مائدة نزهت، التي كانت متواجدة، قائلة:هل تعرف قصة هذه الأغنية؟ قلت: ما بها. قالت: أنا سجلتها. فأجبتها فورا:لماذا جعلتموني أسجلها إذن؟ فقالت: إن وديع خونده لم يقتنع بغنائي، وقال لي لنر فؤاد سالم كيف يغنيها؟ وعندما غنيتَ أنتَ قال لنا بعد التسجيل: سمعتموه كيف يغني اسمعوا جيدا! قالت مائدة نزهت: انه فضّلك علي، فتصور انه زوجها ولم يجاملها فلا هي زعلت منه ولا هو زعل منها وقال لها:لا تص.
ويتحدث كرم نعمة عن مثل هذه النزاهة الفنية التي كان يتميز بها الفنان فيقول:”ثمة حكاية تنم عن حس عال بالذائقة السمعية قرأتها يوما عن الفنان وديع خندة وتأكدت منها عند سؤاله شخصيا في لقاء معه بنقابة الفنانين العراقيين قبل سنوات…. اذ أصر الفنان الرائد على تنبيه شاب جاء إلي الاختبار أبان عقد الستينيات من القرن الماضي أمام لجنة موسيقية كان يترأسها خندة نفسه في دائرة التلفزيون لاكتشاف الأصوات بان خامته الصوتية لا تصلح أصلا للغناء وأنه عندما يغني يسيء إلي الذائقة العامة وهي جريمة لا تختلف عن جريمة سطو أو سرقة وعليه أن يترك هذا المجال كي لايحاسبه القانون علي تشويه ذائقة الناس!.”
وثمة حكاية عن الفنان خندة أطرف وأقوى من ذلك كله رواها جميل مشاري على صفحات جريدة ” المدى” البغدادية كالتالي: “كان مدير الاذاعة آنذاك حسين الرحال ،ووجد أن الحاجة تدعو إلى استحداث قسم للتنسيق ، فعين الفنان وديع خونده رئيساً لهذا القسم لكونه قام بواجبه في التنسيق بين فعاليات الفرقة الكبيرة التي قامت بالترفيه عن الجيش العراقي في فلسطين، وبدأ وديع خونده العمل بتنسيق الاسطوانات الغنائية التجارية الموجودة في الاذاعة في المنهاج اليومي .وحدثنا المذيع الراحل الأستاذ حافظالقباني عن حكاية طريفة حدثت في احد الايام من ذلك العام فيقول : كنت مذيعاً في فترة المساء فتسلمنا نداء هاتفياً تكلم معنا صاحبه بطريقة الأمر طالباً أن نضع أغنية تركية لإحدى المطربات الشهيرات التركيات، وعندما سألت : من المتكلم رجاء؟. اخبرني انه رئيس الوزراء ارشد العمري.فأجبته بأننا سوف نذيع الأغنية تلبية لطلبك.واخبرت رئيس قسم التنسيق الجديد بذلك ،الذي أصرّ على عدم تلبية الطلب لأن الأغنية المطلوبة ليست مدرجة في المنهج اليومي .. فسكتنا، ثم رن جرس الهاتف بعد ربع ساعة فإذا بالمتكلم نفسه رئيس الوزراء يستفسر عن الشخص الممتنع عن تلبية طلبه ، فأخبرته باسمه، وهنا سأل عن مدير الاذاعة حسين الرحال وعن هاتفه ، فأخبرناه بأنه أوصانا أن نحول المكالمات الخاصة به إلى نادي المحامين فشكرنا رئيس الوزراء وبعد قليل اتصل بنا المدير وقال :قدموا الأغنية التركية التي طلبها رئيس الوزراء واخبروا رئيس قسم التنسيق الذي مازال تحت التجربة ان يترك قسم التنسيق وان يغادر الاذاعة ولا يفكر بالعودة إليها.
عن موقع ( الثقافة السريانية )
اقرأ ايضا
عائلة خندة البغدادية
طارق حربهي عائلة بغداديه منذ أربعة قرون ومنذ أن شاركت مع السلطان العثماني مراد الرابع …