انتشال هادي كاظم التميمي

سلام مسافر
لم يخطئ وليد جمعة بتسميته» الطفل المعجزة» كناية عن نعومته وملامحه الطفولية؛ ونشاطه الملفت في حياة المغتربين العراقيين وغالبيتهم في الخاصرة الرخوة للحزب الشيوعي.
وليد لم يترك احدا إلا ولدغه؛ بمن فيهم وليد جمعة وليد نفسه رغم أن جده ليس وليد؛ لكن شقيقه الشيوعي حميد جمعة حميد المترشح عن بقايا يسار حزب البعث، كان يناكف وليد جمعة المتمرد العبثي؛ المدخن بشراهة على رئة متدرنة ؛ قادته مع سعال متقطع ولهاث خافت الى قبر بارد في إسكندنافية.
انجب هادي ورفيقته في الحزب، فوزية يوسف، انتشال في خمسينيات القرن الماضي؛ اختار هادي الاسم عن قصد، ووافقت الزوجة على تعميد الرضيع باسم يشبه بيانا للحزب، انتشال الحركة الشيوعية العراقية من المستنقع حين انشق الرفاق وهم قابعون في السجون بين راية الشغيلة والكادحين ولم تكن بيدهم غير مطبعة بدائية واحدة يقال ان الأفضل منها أهديت إلى الحليف في الجبهة الوطنية الخمسينية؛ حزب البعث العربي الاشتراكي بزعامة فؤاد الركابي.
ترعرع انتشال في بيوت متنقلة بفعل النشاط السري لوالديه، واتخيل انهما كانا يتنقلان به في القماط لإنقاذ الوكر الحزبي من الاقتحام، فتعلم انتشال منذ المهد ان يكظم البكاء.
رضع انتشال الشيوعية مع الفاقة والخبز اليابس وترعرع في صفوف حركة لفت العراق بأجنحة ملطخة بدم الطير الذبيح وتركت في نفس الشاب اليافع، اثرا سيتبدى في قدرته الفذة على العمل مع الآخرين و يستحوذ على الإعجاب واختياره لأعمال يتقنها محترفون في العلاقات العامة.
بدأ انتشال العمل في الصحافة باكرا ، بفعل العمل الحزبي الذي سبق ذلك، فبسبب حملة قمع شملت معظم مسؤولي العمل الطلابي من الشيوعيين عام 1971 اضطر انتشال وهو في الصف الرابع الإعدادي لقيادة تنظيم طلابي في مدرسته . بعدها ، أصبح مسؤولاً عن عدد من المدارس.
في «طريق الشعب» جريدة الحزب الشيوعي، عمل في قسم التصميم وأصبح صديقا في سن صغيرة لأبرز الصحافيين والمثقفين والأدباء: سعدي يوسف، فالح عبد الجبار، صادق الصائغ، فاطمة المحسن، رشدي العامل، زهير الجزائري. و تعلّم الكثير من أسرار المثقفين الملتزمين بميثاق غير مكتوب عنوانه الولاء للحزب حتى وان كنت تنكره.
تعلم انتشال في طريق الشعب حرفة نادر في العراق؛ التصميم والتي تشبه مهنة الصاغة.
هرب إلى بيروت ليعيش في «جمهورية الفاكهاني» ويعمل في صحف المقاومة الفلسطينية. هناك تعرّف على مجموعة أخرى من المثقفين الهاربين من الجحيم ، كما توثّقت علاقته بمثقفين من لبنان والعالم العربي.
حصل على منحة لدراسة الصحافة في الاتحاد السوفيتي عام 1979 ؛ اي بعد شهور من النزوح الكبير للشيوعيين وأنصارهم اثر حملات القمع والإعدامات في العراق.
لسنوات طويلة يلتقط انتشال الصور لأشهر الشخصيّات الثقافية العربية: الجواهري، سعد الله ونوس، صنع الله إبراهيم، الماغوط، محمد شكري، غائب طعمة فرمان. ولعل صور انتشال للراحل غائب طعمة فرمان هي الأكثر احترافية بين الصور التي التقطت لكاتب النخلة والجيران .
أقام انتشال معارض فوتوغرافية في برلين وبروكسيل ودمشق والقاهرة، لكنّه ما عاد متفرغاً للتصوير: بعد ان شغلته السينما ومهرجاناتها وعروضها.
كان «كارلوفيفاري» عام 1981، أول مهرجان سينمائي في حقيبة انتشال المتنقل بين عواصم ومدن العالم وشاشاتها وليتحول من هاو شغوف بالسينما وأفلامها إلى عضو ومنظم في المهرجانات السينمائية العالمية والعربية.
يسافر عشرات المرات في العام إلى الجهات الأربع ليحضر المهرجانات أو الاجتماعات والندوات السينمائية .
يختار انتشال ان يكون مبرمجاً سينمائياً، هذه المهنة الشائعة في الغرب مجهولة عربياً.
يخصص أكثر وقته لـ «مهرجان روتردام للسينما العربية» الذي كان من مؤسسيه عام 2001، كما يعمل مستشاراً لـ «مهرجان روتردام الدولي» ومبرمجاً في «مهرجان أوشيان سينافان» في دلهي و«أبو ظبي» في الإمارات، وله برامج عرض في مهرجاني «سنغافورة» و«ألوان» في نيويورك، وفي سوتشي وموسكو.
« الطفل المعجزة» لم يخلد الى الراحة من المهرجانات السينمائية ولم يتوقف عن التنقل بين مدن العالم مثل شريط سينمائي على شاشة تسع العالم، إلا بعد أن تعرض الى نكسة صحية حدّت من نشاطه الخلاق وأقعدته عن الحركة، لكنها لم تمنعه من الشغف بعالم السينما والتصوير.
الزملاء الأوفياء لصانع المهرجانات الناعم انتشال هادي التميمي، أصدقاء الفن السابع يخططون لتكريمه في هولندا.
سيحتفي بالطفل المعجزة وفيه الكثير من ملامح شارلي شابلن وحيويته وإخلاصه وحبه للفن واهله.
لم يغلظ انتشال على مدى سبعين حولا ؛ بحق رفاقه واصحابه.
دوما مع الشارب الكث، يبتسم ولا يكترث لمن يحسده على علاقاته الدولية السكوب تكنيكولر!

اقرأ ايضا

دكتور علي عباس علوان بعيدا عن التأبين.. قراءة إنتاجية في المقدمة

مقداد مسعود 1ــمايواجهنا في اول المطبوع،هو آخر ما ينتجه النص،قبل الذهاب الى المطبعة..ومقدمة اي كتاب، …