سرور ميرزا محمود
كان أول عرض سينمائي في بغداد ليلة 26 تموز1909 في دار الشفاء بجانب الكرخ والذي وصفوه بالألعاب الخيالية(السينما توكراف) ثم أنشأت سينما بلوكي سنة 1911 وسط البستان الملاصق للعبخانة في الهواء الطلق، بعدها سينما سنترال سنة 1920 في حافظ القاضي والتي أصابها بعد مدة حريق كبير دمرها وأنهاها، و سينما الوطني في منطقة الميدان محلة الصابونجية سنة 1927،
شيدت في الثلاثينات سينما الزوراء في المربعة والرشيد الشتوي والصيفي في شارع الرشيد والذي أخذ هذا الشارع رونقه وجماليته نتيجة البناءات الجميلة، أقدم أسماعيل شريف بتشيد سينما الحمراء والتي أحترقت هي الأخرى بعد عدة سنوات، كما أنه أنشأ فيما بعد سينما الأعظمية والبيضاء في بغداد الجديدة، وفي الثلاثينات أستمر البنيان الجميل في شارع الرشيد، فشيدت سينما الهلال وفيها جناح خاص للسيدات والتي شهدت أفتتاح أول حفلات مطربة العرب أم كلثوم سنة 1932 وبعدها المطرب محمد عبد الوهاب، وشيدت عائلتي المسيح والسوداني مجمع سينما روكسي ذات الجمال المعماري والنقوش الجميلة حيث بناها الأسطوات العراقيين وعند المدخل نصب تمثالان لآله الجمال، وفي سنة 1937 بنيت سينما غازي في الباب الشرقي من قبل (بيت عيزر)، والتي أمتازت بفخامتها وروعتها المعمارية وأفتتحت بالفلم العالمي (ذهب مع الريح)، وفي الأربعينات أصبح الباب الشرقي المكان المتميز من حيث الأبهة والجمال فأنشأمجمع لدور السينما فأصبحت سينما تاج الصيفي وديانا الشتوي مكاناً مكتظاً بمشاهدي الأفلام من سكنة بغداد والمحافضات وكذلك السلك الدبلوماسي.
وفي الخمسينات بنيت سينما الخيام في نهاية شارع الرشيد من قبل أسكندر سطيفان وكانت أحسن سينما وأجملها في منطقة الشرق الأوسط، فيها على الجانبين لوحتا عمر الخيام المتحركة والمستوردة من أيطاليا والمقاعد المتحركة والمستوردة من أمريكا،
وكان الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء الوحيد الذي أرتاد السينما لمشاهدة فلم(أم الهند) وكان ذلك في سنة 1959 وقد أشترى مرافقه تذكرة اللوج وبقى لمشاهدة الفلم بالرغم من أن طول الفلم هو ثلاث ساعات، كما كانت عائلة الرئيس عبد السلام عارف من الذين يرتادون سينما الخيام بأنتظام، كما كانت الفنانات المشهورات عفيفة أسكندر وأحلام وهبي وهيفاء حسين من رواد السينما أيضاً.
والجدير بالذكر أن فلم أم الهند قد أبكى كل من شاهده من العراقيين واستمر عرضه لشهور في سينمات بغداد والمحافضات العراقية، وكان مفتاح دخول الأفلام الهندية الى العراق، وفي الصالحية أفتتحت سينما فيصل وفي الجهة المقابلة بنى الدكتور يوسف القاضي سينما ريجنت، ثم بنى قدري الأرضروملي سينما الأرضروملي في علاوي الحلة والتي تحول أسمها الى سينما بغداد، وفي الستينات وبعد أن أزدهر شارع السعدون وأصبح شارع الثقافة والتجارة والسياحة بنيت سينما النصر سنة 1961، وغنى على مسرحها المطرب عبد الحليم حافظ والمطربة صباح وكانت مقاعدها تسع 1200 شخص، وغرناطة والسندباد وسميراميس وبابل وأطلس وكل منها بمواصفات جمالية معمارية وفنية تمتلك كل أسباب الراحة والتقنية لعرض الأفلام أو التحول الى مسارح عند الحاجة وكانت هذه الصالات معها سينما الخيام تخصص الساعة التاسعة والنصف للعوائل.
أصبحت دور السينما في بغداد في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي من الوجاهة وذوق مؤسسيها وهم من رجال الأعمال والمشهود بتذوقهم للفن السينمائي وروعة ما كانوايعرضون، وكانوا بحق رجالات لهم الفضل بوصول السينمات الى عصرها الذهبي، بعد أن وصلت الى مايسمى بواحة ومحطة الثقافة.
كنا نذهب ونحن أطفال الى سينما الأعظمية القريبة من سكنانا،وكم كان ممتعاً مشاهدة بطل الفلم والذي نطلق عليه مصطلح (الولد)، وحلم كل واحد منا بأنه مثل بطل الفلم وأحياناً نقلدتسريحة شعر البطل وتقمص طريقة مشيه وحركاته، وفي كثير من الأوقات نشتري صورهم،لقد شاهدنا في تلك الفترة روبن هود وهرقل وشين والمصارعون العشرة وأفلام الكاوبوي والتي نطلق عليها أفلام العصابة وفلاش كوردن والسندباد البحري، ونجلس في الطابق الأرضي أبو الأربعين ونشاهد الفلم ونحن نقول أن بطل الفلم لا يموت، أحياناً نشتري الشامية وأحيانا نصف صمونة بالعمبة وكنا ندخلها يوم الخميس أو الجمعة.
في فترة الصبا والمراهقة وبوجود دور السينما في مناطق راقية، شكلت معلماً حضارياً وثقافياً ولكونها صالات درجة اولى وذات التكييف الحار في الشتاء والبارد في الصيف وذات المقاعد المريحة وأماكن للعائلات تدعى المقصورات (اللوج) ولكونها ملاذاً لكثير من العوائل البغدادية للأستمتاع والمشاهدة للأفلام التي فيها قيم فنية ومحورية تدور حولها الأفلام المختارة، كنا نصل الى السينما قبل ساعة من العرض مرتدين ألبستنا الحديثة وترتيب شعرنا مثل الممثلين، نشاهد الصور الكبيرة والصور المعلقة في مداخلها في اللوحات الزجاجية التي تظهر صور مقاطع الأفلام مع لقطات للأثارة، وكنا ننتظر خروج الناس من السينما والبنات والنساء تفوح منهم الروائح العطرة مرتدين الملابس الأنيقة، والقسم منهم يرتدون موديلات ما يرتديه الممثلات الغربيات والعربيات.
اقرأ ايضا
من أصول اللهجة العراقية وطرائفها
حسين الكرخياسكة ﭼﻲ:من التركية (ايسكي) بمعنى عتيق،و(ﭼﻲ) اداة النسب ويطلق على الذي يتعامل بالأشياء القديمة …