لمناسبة مشروع تجديده..من ذكريات شارع الرشيد في العشرينيات

عباس بغدادي
شارع الرشيد من أقدم و أشهر شوارع بغداد كان يعرف خلال الحكم العثماني باسم شارع
أسم خليل باشا حاكم بغداد وقائد الجيش العثماني الذي قام بتوسيع وتعديل الطريق العام الممتد من الباب الشرقي إلى باب المعظم وجعله شارعاً باسمهِ عام 1910م
وكان ذلك لأسباب حربية ولتسهيل حركة الجيش العثماني وعرباته فتم العمل في هذه الجادة بصورة مستعجلة وارتجالية حيث كان يصطدم بمعارضة العلماء ورجال الدين البغداديين عند ظهور عقبة تعلق استقامتهِ ببروز أحد الجوامع على الطريق كما كان يصطدم بأملاك المتنفذين والأجانب ممن هم المشمولين بالحماية وفق الامتيازات الأجنبية, وكذلك لقلة المال المتوفر لديهِ لاستملاكها, لذلك وجب حصول انحناءات في الشارع تبعاً لهذه العراقيل.وهكذا بدأ بتهديم أملاك الفقراء والغائبين ومن لا وراث لهم، وهكذا أصبح الطريق ممهداً واسعاً تسلك فيه وسائط النقل بسهولة.
ويحوي الشارع جوامع تراثية منها جامع الحيدرخانة الذي شيدهُ داود باشا عام 1819م، وجامع حسين باشا وأسواقاً قديمة كسوق هرج وسوق السراي.
قبل الدخول في الموضوع أحب أن أوضح أن خليل باشا حاكم بغداد وقائد الجيش العثماني حين قام بتوسيع وتعديل الطريق العام، الممتد من الباب الشرقي إلى باب المعظم وجعله شارعا باسم (خليل باشا جاده سي)، لم يستحضر خارطة بغداد والمهندسين ويأمرهم بفتح شارع على وفق الهندسة والاستقامة، ولكن القناصل الأجانب الذين كانوا ساكنين في الباب الشرقي على نهر دجلة وكبار القوم من محلة باب الشيخ، كانوا يترددون على السرايا بالعربات على هذا الطريق، لذلك فان خليل باشا، انما قام بتوسيع الطريق وتعديل استقامته على قدر المستطاع وذلك لأسباب حربية وتسهيل حركة الجيش العثماني وعرباته فتم العمل في هذه الجادة بصورة مستعجلة ارتجالية، لانه كان يصطدم بمعارضة العلماء ورجال الدين عند ظهور عقبة تعلق ببروز أحد الجوامع على الطريق كما يصطدم باملاك المتنفذين والاجانب المشمولين بالحماية على وفق الامتيازات الأجنبية. ولقلة المال المتوفر للاستملاك لذلك وجب حصول الانحناءات في الشارع تبعا لهذه العراقيل وبدأ بتهديم أملاك الفقراء والغائبين. ومن لا وراث لهم وأصبح الطريق ممهدا واسعا تسلك فيه وسائط النقل بسهولة.
وسمي ( خليل باشا جاده سي) وكانت اللوحة المعدنية المؤشرة على ذلك معلقة على جدار جامع السيد سلطان علي إلى ما بعد الخمسينيات من هذا القرن، وسمي هذا الطريق عند اهل بغداد باسم(الجادة العمومية)ثم سمي(الشارع العام) وأخيرا عندما اجتمعت لجنة تسمية الشوارع والمحال في بغداد. اطلق عليه اسم (شارع الرشيد) وبقيت الانحناءات والنتوءات في الشارع على حالها.
إلا في حالة نقل رفات إمام طه (تمثال الرصافي) ليلا وبصورة سرية إلى سلمان باك، حين كان ارشد العمري اميناً للعاصمة وكذلك حين تهديم الحائط المائل من جامع مرجان بمواجهة البنك المركزي والبارز في داخل الشارع بحجة انه مائل إلى الانهدام وارجع إلى الخلف بضعة امتار وبهذا توسع نوعا ما ولمعرفة ما في شارع الرشيد في العشرينيات نبدأ جولتنا فيه من باب المعظم إلى الباب الشرقي ونبدأ من الطاقة الكبيرة المرتفع إلى أكثر من عشرة أمتار وفيه الباب الحديدي الكبير لمدخل بغداد من هذه الجهة، وعلى جانبيه بابان صغيران تحت الطاق المقوس لمرور السابلة وفي خارج هذا الباب الصغيرة يجلس (دزدبانية) الضرائب ويقع جامع الازبكية في أول الطريق العام ثم جدار القلعة وبابها المفتوح دائما (وزارة الدفاع)…
وبالمناسبة فانه قد سمي جامع الازبكية بمنارته القصيرة لان أفراد شعب الاوزباكستان يتجمعون فيه مع دواليبهم حيث كانوا يمتهنون حد السكاكين وفي بغداد يسمونهم (الجراخين) وكانوا قد جاءوا مع الجيش العثماني عند فتح بغداد.
وكانت ساحة القلعة ملعبا لكرة القدم وعلى جهة النهر السجن القديم والذي يسمى سجن القلعة ومحله الآن هو وزارة الدفاع (المقر) كما كانت ساحة القلعة الواسعة محل استعراض كشافة المدارس الابتدائية وحدث في هذه الساحة وبحضور الملك فيصل الأول والوزراء ان دخلت جاموسة هائجة من باب القلعة في الميدان وأثارت الفوضى والاضطراب إلى ان تمكنت الشرطة من قتل الجاموسة وحكم على صاحبها بالسجن. لأنه لم يتخذ الاحتياط اللازم وكانت العادة أن تربط في ساق الجاموسة الأمامية المشتبه بها عصا كبيرة تعوقها عن الحركة الزائدة أو الركض ثم تأتي مدرسة المأمون بعد سلسلة من المقاهي الشتوية والصيفية في السطوح…
وقد سجل الملك فيصل نفسه معلما في المدرسة المأمونية وقد سميت بهذا الاسم لان الاعتقاد كان سائدا إلى البناء العباسي في القلعة كان إيوانا لقصر المأمون وقام الملك فيصل أيضا بتسجيل ولي العهد غازي تلميذا في هذه المدرسة، وكانت له من الكشافة فرقة خاصة سميت فرقة الامير غازي وانتخب أفرادها من الطلاب النابهين أولاد العوائل المعروفة وآخر من رأيت من الأحياء الأصدقاء المرحومين ظاهر حبيب وناظم سلمان الحمامي.
وخلف المدرسة المأمونية يربض طوب (أبو خزامة) مع شموعه والخرق البالية فيه ثم ساحة الميدان وقهوة خليفة التي تحتل نصف الشارع مقابل حديقة الميدان الصغيرة وسياجها الحديدي المسمى (القفص) وكلمة القفص تعني الشتيمة لان من يقترب من القفص أو يدور حوله يتهم بالشذوذ الجنسي أو سوء السلوك على اقل تقدير فالشتيمة الموجوعة كانت ان يقال عنه (قفصلي أو ابن القفص) ..
اما الجهة اليسرى من الشارع فكانت تبدأ بالبيت الذي ذكرناه انه احتوى على دائرة عسكرية وبعده ساحة لوقوف الدواب ولبيعها وقد شيد في محلها محطة بنزين باسم محطة بنزين باب المعظم وهي الآن المكتبة المركزية العامة..
وبعدها ساحة تضم التكية الطالبانية وكان يديرها المرحوم علي الطالباني الذي حقق وطبع الديوان الشعري لجده الشيخ رضا الطالباني أشهر شاعر في القرن التاسع عشر باللغة العربية والتركية والكردية واشتهر بقسوة الهجاء..
وبعد التكية يأتي خان (علو) المشهور وهو مركز العرباين والعربنجية ثم جامع المرادية وخلف الجامع يقع الزقاق المؤدي إلى دربونة ومحلة رأس الكنيسة التي تعتبر أقدم كنيسة في بغداد ثم مدخل طريق الصابونجية وعلى ناصيته البيت الفخم للوجيه الموصلي إسماعيل الحجي خالد الذي تركه في الثلاثينيات لأنه لم يستطع العيش والسكن في الميدان المحلة التي تحتوي على محال الشرب والدعارة…
ثم نستمر في جولتنا بعد قهوة خليفة وقهوة البلدية فنصل إلى سوق الميدان الكبير فأوتيل الهلال الذي تغني فيه بدرية السواس وجماعتها والذي غنت فيه ام كلثومأيضا وبعده يأتي سوق الهرج الكبير مجمع اللصوص والمحتالين والمعدمين الراغبين في بيع ما عندهم أو شراء ما يحتاجون اليه من البضائع الحرام أو الحلال وعلى رأس السوق وعلى الطريق العام مباشرة بيت عبد الحليم الحافاتي عدو الملك فيصل (لانه لم ينتفع منه)، ثم الشارع المؤدي إلى حمام الباشا كراج (كوترل وكريك)، ثم قهوة امين التي سميت قهوة الزهاوي ثم شناشيل أحمد القيماقجي أبو الدكتور احسان القيماقجي وغرفة استقباله المطلة على شارع الرشيد وكان مع اصدقائه وجيرانه يتناولون الناس بالغمز واللمز..
ثم دكان (زبالة) أبو الدندرمة ثم قهوة حسن عجمي ثم مدرسة شماش اليهودية ثم دكان الحلبي الحجي خيرو (برمبوز) أول من صنع شربت اللوز في بغداد ثم مطعم شمس ثم ديواخانة بيت رؤوف الجادرجي التي استأجرها حزب الإخاء الوطني مقرا له ثم الطريق المؤدي إلى أمانة العاصمة وفي أوله يقع المعهد العلمي الذي كان يهيئ الجرائد للقراء المجانية نهارا وفي المساء ينقلب إلى معهد لتدريس اصول التجارة ومسك الدفاتر.
وفي الناحية الأخرى من الطريق كانت مدرسة الصوفية التي يرتادها جميل صدقي الزهاوي بعد أن يكون خادمه قد ربط حمارته الحساوية البيضاء المسرجة والملجمة جوار المعهد العلمي ويبقى في الجامع مدة ساعتين ثم ينصرف إلى حمارته يركبها بمساعدة خادمه ورجلاه تتدليان وبقدميه الكالة الإيرانية الحريرية البيضاء وبعدها شارع الاكمكخانة (المتنبي) والاكمك باللغة التركية تعني الخبز وفي آخر هذا الشارع ومقابل قهوة الشابندر كان الفرن الكبير لصنع صمون العسكر في زمن العثمانيين لذلك سمي جادة الاكمكخانة وعلى رأس هذا الشارع مخزن ومحل اسطوانات حوريش وابن عمهم مغني المقام العراقي يوسف حوريش، وعلى الركن الآخر من الشارع خرائب مسقفة بالكواني (الاكياس) وفيها كان بيت زماوي بائعة الكبة وام جهاد بائعة خبز باب الاغا المشهور والذي يضرب به المثل وقد عميت ام جهاد أخيرا وتسلم جهاد الأمر من بعدها ولكن خبز جهاد لم يكن مثل خبز أمه، فقد تغير الحال ثم عمي جهاد.. كما عميت امه من قبل، ثم يأتي بعدها حمام كجو وبقالو باب الاغا وعبدو السوري الدمشقي أول من جاء بغداد لعمل الدوندرمة السورية ثم رئيس البقالين في باب الأغا (جبارة أبو قنبورة ) وذلك قبل أن يتولى أولاد الحجي أحمد كنو عبود وسلمان ورزوقي وعمهم مهدي كنو أبو صالح ومجيد زعامة سوق باب الاغا وقد هدمت هذه الدكاكين واقيم محلها البنك اللبناني المتحد وعلى زاوية الشارع أرض خراب اشتراها عبد الله مبارك الصباح زوج الشاعرة سعاد الصباح كما اشترى البيت عبد الهادي أبو الطابوق في طريق الاعظمية والذي صار دار سكن المرحوم عبد الحميد عريم، والى جهة اليسار من شارع الرشيد وابتداء من بيت إسماعيل حجي خالد توجد سينما العراق وهو مهمل لا يدخله الا رواد محلة الميدان.
عن كتاب _(بغداد في العشرينيات)

اقرأ ايضا

نص نادر..تطواف في جوار بغداد والمدائنمن الكرادة الى سلمان بك

الشماس فرنسيس جبرانزايلت بغداد في الساعة التاسعة عربية من نهار الخميس الواقع في ١٧ آب …