حيدر كامل العبادي
عد شارع الرشيد من الأماكن الرئيسية التي كانت موقعاً لكثير من الاحداث التي حدثت في العراق, ومنها ذات العلاقة بالعملية السياسية, التي كان لها أثر في الحركة الوطنية العراقية والتاريخ العراقي الحديث والمعاصر, ابتداء باستعراض الجيش البريطاني عندِ احتلاله بغداد عام 1917, ومن ثم دوره في ثورة العشرين وما تلاها من اجتماعات وتظاهرات, كما ضم هذا الشارع العديد من مقرات الاحزاب والمؤسسات والدوائر الحكومية, فضلاً عن المؤسسات والدوائر الرسمية الاجنبية.
حادثة النصولي 1927:
بعد أن نشر الاستاذ أنيس زكريا النصولي عام1927(كتاب الدولة الاموية فيالشام)ومدح فيه تلك الدولة,أثار ضجة كبيرة, إذعدت وزارة المعارف العراقية ذلك الكتاب مثيراً للنعرات الطائفية,فاتخذت قراراً بفصله, وعرفت تلك الحادثة بالصحف والمجلات باسم (قضيه النصولي).
قوبلَ قرار فصل النصولي باستياء شديد من قبل الطلبة والاساتذة، فاجتمعوا في29 كانون الثاني 1927في نادي التضامن الذي مقره في عمارة الجادرجي في شارع الرشيد, واتفقوا على القيام بعمل ضد القرار الذي اتخذته وزارة المعارف تجاه استاذهم تحت شعار(حرية الفكر),وأرسلوا احتجاجاً شديد اللهجة إلىوزير المعارفانذاك السيد عبد المهدي المنتفكي),كما أرسلوا نسخة منهإلى كل من رئيس الوزراء جعفر العسكري ومدير المعارف ساطع الحصري, وإلى مدراء الصحف المحلية والأجنبية, التي نشرت الاحتجاج المذكور في اليوم التالي، بعدها خرجوا بتظاهرة قدرت بنحو (600) فرد سارت في شارع الرشيدقاصدين مبنى وزارة المعارف وهم يهتفون بحرية الفكر, وعدت تلك أَول تظاهرة للطلاب, التي فتحت الابواب لتظاهرات أَخرى,وعندما وصلوا إلى مبنى الوزارة انتخبوا من بينهم وفداً لعرض مطالبهم على الوزير وبقوا ينتظرون القرار مدة طويلة,مطالبين فيه بإعادة النصولي إلى الخدمة، وقد أحدثوا مشاغبات خارج بناية وزارة المعارف فحصلت هناك اصطدامات مع المتظاهرين حتى جاءت قوة من الشرطة وفرقتهم.
اتخذت الحكومة عدة اِجراءات ضد المتظاهرين، إذ قررت وزارة المعارف طرد يوسف زينل من خدمة المعارف, وفصل سبعة من الطلاب لمدة شهر, ولمدة أسبوعي نلأحد عشر طالباً, وطرداً نهائياً لأربعة طلاب, وتوجيه إنذار لثلاثة آخرين، إلاَّ إن وزارة المعارف ألغت العقوبات الصادرة بحق الطلبة فيما بعد, وقدم وزير المعارف عبد المهدي المنتفكي استقالته.
-زيارة الفريد موند 1928:
عدت التظاهرات التي خرجت ضد زيارة الداعية الصهيوني الفريد موند((Alfred mondالى العراق في 28شباط1928 من المظاهر الاساسية التي عبر بها العراقيون عن مشاعرهم واحساسهم بالخطر الصهيوني, سيما بعدصدور وعد بلفورعام 1917، ويمكن استقراء ذلك لدى العراقيين, سيما الطبقة المثقفة في معاداتها للصهيونية في عشرينيات القرن الماضي، التي تعد مرحلة مبكرة لكفاح الشعب العراقي ضد الصهيونية)ففي هذا اليوم تجمع طلبة المدرسة الثانوية ودار المعلمين وخرجت على أثر ذلك تظاهرة كبرى اجتاحت شارع الرشيد رافعين الأعلام العراقية,ولوحات كتب على بعضها ((يسقط وعد بلفور وتسقط الصهيونية, وتحيا الامه العربية, ويحيا الاتحاد العربي, وبيت المقدس عربية, وليرجع الصهيوني الفريد موند)) مطالبين بطرد الفريد موند.
بعد ان عبر المتظاهرون الى جانب الكرخ تصدى لهم رجال الشرطةفي محاولة لتفريقهم, إلاَّ أن المتظاهرين واصلوا السير نحو (جسر الخر)واشتبكوا مع الشرطة في مواجهة عنيفة استعانوا فيها بالحجارة, وعلى الرغم من إصابة العديد منهم بجروح, فشلت محاولات تشتيتهم وواصلوا سيرهم وهم يهتفون بالشعارات التي تبث الحماس في نفوسهم, وقاموا بتفتيش السيارات القادمة بغية العثور على السيارة التي تقل الفريد موند, وعندما حل الليل عادوا إلى شارع الرشيد وهم يهتفون بحماس ضد زيارة الفريد موند وكانت النساء من الشرفات تصفق وتزغرد لهم.
اتخذت الحكومة العراقية في مساء اليوم نفسه عدة إجراءات سريعة, فقد أبعدت رئيس نادي التضامن يوسف زينل إلى مدينة البصرة, وذلك كونه الشخص المحرك للتظاهرات. وفي العاشر من شباط1928 اجتمع عدد كبير من الجماهير في جامع الحيدرخانة منددة بإجراءات الحكومة ضد الطلبة المتظاهرين الأمر الذي دفع بالشرطة إلى الغاء التجمع واعتقال بعض الخطباء خوفاً من توسع الحركة, وأصدرت المراسيم التي أجازت عقوبة جلد الطلاب الذين تظاهروا ضد وجود الداعية الصهيوني الفريد موند وعدّتها نافذة المفعول.
-تشييع الشيخ ضاري المحمود 1928:
شهد شارع الرشيد تشييع جثمان الشيخ ضاري المحمود الذي قتل الكولونيل البريطاني لجمن, وأجريت محاكمته بعد إلقاء القبض عليه في محكمة الجزاء الكبرى, في23 كانون الثاني1928, وأصدرت عليه الحكم بالإعدام شنقاً حتى الموت, ثم استبدل قرار الاعدام بالسجن المؤبد.
وبعد تدهور حالته الصحية توفي في السجن فجر يوم الأول من شباط 1928 جرى تشييعه في اليوم الثاني, بموكب مهيب حافل ازدحم فيه الشارع بالجماهير,التي قدر عددها بالآلاف وهم يهتفون بهتافات منها (هز لندن ضاري وبجاها, وأنذلينه عكبك يا ضاري, وتلكيها ياالبايج ضاري).
- المعاهدة العراقية – البريطانية 1930:
بعد استقالة وزارة ناجي السويدي في التاسع من اذار1930نتيجة الضغوط التي مارستها بريطانيا تجاه الوزارة لعقد معاهدة تضمن مصالحها,ولمساندة الوزارة المستقيلة تقرر إقامة تظاهرة في يوم الجمعة المصادف 21اذار1930(, فأغلقت الأسواق والحوانيت والمحلات وقبيل الظهر قطع مرور السيارات والعربات في شارع الرشيد, وسارت الوفود الى (جامع الحيدر خانة), وكان من ضمنها وفد من محافظة النجف. وبعد اداء فريضة الصلاة بدأت الخطب التي هيجت المشاعر الوطنية لدى المصلين, ومن ثم خرجوا بتظاهرة حاشدة حاملين أعلاماً كتبت عليها عبارات منها ((إرادة الأمهفوق الجميع, وليحيى العراق مستقلاً, وليحيى الشعب, لنعش مستقلين, وللوطن نحيى وللوطن نموت)), وساروا حتى وصلوا دور القنصليات والسفارات الاجنبية في الباب الشرقي واطلقوا الهتافات الشعبية ((ساعة لندن مرهونة وعبد المحسن نأخذ ثاره)) وغيرها.
وبعد تشكيل وزارة نوري السعيد الاولى،), تم التوقيع على المعاهدة في 30 حزيران1930, التي كان محورها الرئيسي ضمان الامتيازات والمصالح العسكرية واللوجستية البريطانية في العراق(, التي رفض بنودها الشعب
العراقي بالكامل(الأمر الذي دفع مجموعة من الشباب الوطني الى عقد
اجتماع في كازينو الأوبرا الواقع في شارع الرشيد(محلة الميدان) وحضره حشد كبير من الجماهير الغاضبة, وعلى إثره أغلقت الاسواق والمحلات وسرعان ما جاءت الشرطة وفرقت جموع المتظاهرين بأشد وسائل القسوة والشدة وأغلقت الكازينو.
عن رسالة (شارع الرشيد 1916-1959دراسة تاريخية)