كتبيون رواد ومكتبات قديمة في بغداد

منصور بسيم الذويب
ليس هناك مايشد المثقف اكثر من مكتبة وكتاب، فإن من اكثر مايعلق في ذهن المثقف موطن طفولته وصباه، عندما يرتبط بمجالس الادب والثقافة والمكتبات، خصوصا إن كان ذلك برفقة والد او اخ يحب العلم ويعشق الادب، من الذين لايكاد يخلو منهاج ايامهم من زيارة الى منتدى ثقافي او بيت من بيوت العلم او مكتبة من المكتبات، وهذا من شأنه ان ينحت في ذاكرة الفتى تأريخا ثقافيا ادبيا يرتبط ارتباطا لا ينفصم بالادب والادباء والكتب والمكتبات، ولأجل كل ذلك كان هذا التحقيق الذي اعترف أن أهم دافع من دوافعه كان تلك الصلة التي علقت بذاكرتي القديمة الممزوجة بحبي للأدب والأدباء والثقافة و المثقفين، والكتب والمكتبات التي غرس حبها فيًّ والدي رحمه الله ـــ من حيث يقصد او لايقصد ـــ فكانت قطعاً من صميمي أشفق على نفسي أن أجافيها أو أن أنساها.
مكتبة الزوراء: أسسها المرحوم (حسين الفلفلي) عام 1930م، والآن يمتلكها نجله (أكرم الفلفلي)، تقع في سوق السراي، كان مؤسسها يستورد الكتب من مصر أثناء العهد الملكي، وقد كان يسافر لأجل التجارة والترفيه، فقد كان في خمسينيات القرن الماضي يسافر أحياناً برفقة أستاذ اللغة العربية الدكتور (مهدي محبوبة) يرافقهم الدكتور (علي الوردي) مع الدكتور (جواد علي) صاحب الكتاب المشهور (المفصل في تأريخ العرب قبل الإسلام) وقد كان الأخير يجلس في مكتبتنا لساعات طويلة.
أما رئيس الوزراء (نوري السعيد) فقد كان – كما يذكر أكرم الفلفلي – يمر أحياناً من سوق السراي، فناشده والدي مرة في أن يساعده ليحصل على خط للهاتف، وقد نصب ذلك الخط في اليوم التالي، كان ذلك في عام 1949م.
سألته عن أهم المكتبات القديمة في شارع المتنبي، فأفاد:
هناك مكتبة (أحمد كاظمية)، مكتبة (محمود القالبجي)، مكتبة الحيدري، مكتبة إبراهيم الأعظمي)، أنشأت في الأربعينيات، مكتبة (نعمان الأعظمي) أنشأت في نحو الثلاثينيات، مكتبة (إبراهيم السدايري) إشارة الى إرتداء صاحبها السدارة البغدادية، مكتبة (سيد باقر)، مكتبة (عواد)، مكتبة المثنى، صاحبها (قاسم الرجب)، المكتبة العصرية (لمحمود حلمي)، مكتبة النهضة (لعبد الرحمن حياوي)، والمكتبة الأهلية (لشمس الدين الحيدري)، مكتبة التربية ل (عبد الحسن راضي)، مكتبة دار البيان (علي الخاقاني)، مكتبة الأندلس، مكتبة المعارف (محمد جواد).
أما شارع المتنبي فقد كان يسمى شارع (الأكماخانة) لأنه كان يحتوي مخبزاً للجيش 000 أما تجارة الكتب اليوم فهي ليست كما نتأمل، فالكساد خيم عليها، لهجرة الكثير من المثقفين، وقراء الكتب، ورغم ذلك فأنا مستمر في هذه المهنة لأنني أعشقها، ولأن من الصعب عليّ أن أترك تأريخ والدي وأخي والجهد الذي قاما به لعشرات السنين لإنشاء هذه المكتبة.
المكتبة الحديثة: الحاج محمد جواد، وكان المستورد الوحيد الذي يستورد من ايران والهند والباكستان، ومعظمها كانت باللغة العربية.
مكتبة دار التربية: حدثني (ابو محمد) وهو صاحب مكتبة الاندلس سابقاً والتي تأسست عام 1965 وقد تحدث لنا عن مكتبة دار التربية التي اصبح احد موظفيها بما يلي: انشئت في النجف عام 1964 ثم انتقلت الى بغداد شارع المتنبي عام 1968، وقد بقيت هذه المكتبة في نفس موقعها لحد الآن، وهي تتعاطى غالباً تجارة الكتب التراثية والتأريخية والثقافية. الكتب الرائجة هذه الأيام هي كتب اللغة والنحو والادب والتاريخ القديم والمعاجم والقواميس، أمّا عن تأثير التقنيات الحديثة على تجارة الكتب فأخبرني بأنها لم تؤثر اطلاقاً، لأن الكتاب هو الاساس في القراءة وما زال الوسيلة الوحيدة للقراءة.
مكتبةالشطري: أفادني صاحبها (نعيم الشطري) بأن أصل هذه المكتبة التي تقع الآن عند شارع المتنبي هو مكتبة النور التي أنشأها عام 1958م في مدينة الشطرة التابعة للناصرية، وقد أقفل مكتبة النور وتوجه للعمل في الكوت لسنتين، ثم الى بغداد حيث تعرف هناك على أحد بائعي الكتب (الستوك) وهي الكتب التي لم تلق رواجاً فبقيت في المخازن التابعة لدور النشر اللبنانية، قال: كنا نقوم بجمع كميات كبيرة منها ونبيعها شراكة، كنا نستخدم لهذا الغرض عربة دفع، ونبيع الكتاب بين خمسين الى مائة وخمسين فلساً، ثم أخذنا نصدر هذه الكتب الى البصرة وغيرها، فنحصل على بعض الأرباح من ذلك، داومنا على هذا العمل عدة سنوات حتى أخذ بعض اللبنانيون القيام بهذا العمل، حيث باشروا بإدخال كميات من هذه الكتب الى العراق، ما جعلنا نعزف عن هذا العمل التجاري وهو تجارة الكتاب (الستوك) واتجهنا الى إفتتاح المكتبات.
عام 1970م بنيت إحدى العمارات الحديثة، استأجرت فيها محلين أولهما كان يحتل الرقم (1) في تساسل العمارة، ومنذ ذلك الوقت باشرت بافتتاح مكتبتي (الشطري).
أما عن إزدهار تجارة الكتب في العراق، فهي في عهدين أحدهما العهد الملكي، والاخر أثناء حكم الرئيس (عبد الرحمن عارف) للإستقرار النسبي في العهدين.
مكتبة دار البيان: أنشأها الشيخ (علي الخاقاني) عام 1962م في شارع المتنبي، وكانت محط أنظار الأدباء والعلماء والصحفيين، ينهلون منها معارفهم، ويتفاعلون في منتداها مع نظرائهم أهل الثقافة والأدب، أفاد الأستاذ (بديع الخاقاني) نجل مؤسسها، بان هذه المكتبة كانت أول من أدخل أسلوب الخصم على أسعار كتبها خدمة لطلاب الجامعات والمدارس، وكانت تتساهل عند بيع الكتب مع محدودي الدخل، وتبيع لهم بالتقسيط، إنطلاقاً من مبدأ نشر الثقافة دون النظر الى أهمية تحقيق الأرباح.
قام المرحوم الشيخ (علي الخاقاني) بتأسيس دار وطنية أهلية بالتعاون مع بعض دور النشر العراقية، مثل مكتبة النهضة التي صاحبها (عبد الرحمن حياوي)، ومكتبة التربية، والمكتبة الأهلية، صاحبها (شمس الدين الحيدري)، والمكتبة العصرية، صاحبها (محمود حلمي) ثم بعده (صادق القاموسي)، وشركة العروبة، صاحبها لبناني الأصل.
عندما أكتمل موضوع هذه الدار طرحت هيكليتها، فعرض الأمر على وزير الثقافة والأعلام لإستحصال الموافقة الرسمية، إلاّ أن الوزير (شفيق الكمالي) كان يحبذ أن تكون هذه الدار حكومية وليست أهلية، ولكن والدي طرح عليه مقترحات منها أن تعنى هذه الدار بواجب أساسي يتضمن تصدير الكتاب العراقي على وجه الخصوص الى جميع أرجاء الوطن العربي والعالم الإسلامي، وفعلاً تمت الموافقة على ذلك وأنشئت داراً حكومية وطنية تصدر الكتاب العراقي، وقامت هذه الدار الحكومية بالإتصال بالكتاب والأدباء لغرض تصدير كتبهم بعد طبعها.
مكتبة الصباح: تحدث السيد سالم جاسم جودة صاحب مكتبة الصباح التي ورثها عن ابيه والواقعة الآن في شارع (عمر بن عبد العزيز) في الاعظمية، على التقاطع المسمى (ساحة مكتبة الصباح) والمسجل – كما أفادني صاحبها – رسمياً بهذا الاسم، تأسست المكتبة عام 1947 م في منطقة الباب المعظم قرب بناية الموقف العام، وقرب وزارة الصحة الحالية، ثم انتقلت عام 1956 الى الاعظمية بعد تهديم المحل القديم الى موقعها الحالي عند تقاطع مكتبة الصباح، في عام 1997م آل امر ملكيتها من والدي المرحوم (جاسم جودة) اليّ. كانت في اوائل إنشائها تبيع الصحف والمجلات والكتب والقرطاسية والسكائر والسكاكر إضافة لحيازتها وكالة للأجهزة الدقيقة وبيعها للقرطاسية حتى صدر قرار وزارة الاعلام بالاقتصار على بيع المطبوعات والقرطاسية، وهكذا الى ان انتقلنا إلى المحل المقابل الحالي بسبب قانون الايجار الحديث.
كانت المكتبة تعد معلماً مهماً من معالم مدينة بغداد، ونقطة دالة يستدل بها على الأماكن والعناوين.
أفاد صاحب المكتبة بأنه كان في الماضي يتسوق ما يعادل نصف شاحنة صغيرة من الاصدارات الحديثة للكتب وبشكل دوري ومستمر، ولكن ذلك قد انحسر الآن بسبب التقنيات المتقدمة للحاسوب والانترنيت وغيرها، ولكنه رغم ذلك يؤمن بأن الكتاب سيبقى الوسيلة الاكثر رواجاً وراحة وديمومة للقارئ.
عندما كنت أتجاذب الحديث مع صاحب المكتبة تداخل معنا أحد كبار السن وأضاف: كان من زوار المكتبة قبل عقود من الزمن، كبار الساسة والشخصيات الادبية والفنانين والرؤساء مثل عبد السلام محمد عارف وخالد الشواف وعبد الرحمن البزاز واسماعيل الشيخلي وخالد الرحال وعطا صبري وعبد العزيز العقيلي ومحمد بسيم الذويب.
عن موقع (دنيا الوطن)

اقرأ ايضا

من رواد الكتبيين العراقييننعمان الأعظمي.. الناشر العراقي الرائد

إعداد: عادل عبد الرحيم العوضيتحتوي مدينة بغداد على مجموعة من الأسواق القديمة التاريخية التي يعود …