وداعاً إقبال نعيم … أيقونة المسرح العراقي

علاء الجابر
كيف لي أن أبدأ الكلام عنك بصيغة الماضي، أيتها الصديقة، كنت بالأمس أتحدث لك وعنك بصيغة الحاضر والمستقبل.
إقبال التي عرفناها عن قرب، ليس كفنانة فحسب، بل كإنسانة رقيقة، ومثقفة، وقارئة، وصاحبة مواقف لا تنسى.
من قبل أن أعرفها، كنت أسمع عنها كثيراً… وخاصة عن عرضها المدهش (ترنيمة الكرسي الهزاز) الذي أخرجه المخرج الراحل د. عوني كرومي عام 1987، ونال جائزة مهرجان قرطاج المسرحي بتونس، وشاركتها بطولته “إنعام البطاط”.
من بعدها تشكلت معرفتي بها عن طريق مشاهدة أعمالها المسرحية والتلفزيونية على شاشة التلفاز.
لكن اللقاء الأول كان في القاهرة.. التي جمعتنا كثيراً مع العديد من الأصدقاء والأحبة من مشاهير الأدباء والفنانين والمثقفين.
أعتقد أن ذلك كان عام 2003 حين كنا نقيم حينها في القاهرة؛ حيث كان للراحلة العزيزة مشاركة في عرض مونودامي في مهرجان المسرح العربي، يدور حول الحالة العراقية، التي خرجت للتو من الغزو الأمريكي للعراق، هنا كان الحوار واللقاء، الذي امتد بعدها لسنوات طويلة ضمن أطر فنية في البداية، ومِنْ ثَمَّ عائلية رائعة.
وتكرر اللقاء بعدها عام 2004، ثم في 2008،
وأصبحت بعدها إقبال بالنسبة لنا واحدة من أهل البيت في القاهرة؛ حيث قضينا معها وفي صحبتها أياماً رائعة في منزلنا بالقاهرة، وحضرنا معاً أنا وهي وسعداء في المنيا زواج ابنة أختها أنمار ابنة الفنان عزيز خيون، والفنانة د. عواطف نعيم.
كانت صحبة إقبال وحواراتها الممتعة الثرية لا تقدر بثمن، خاصة في الجانب الإنساني، الذي كانت تتدثر به بامتياز، واستمرت العلاقة والتواصل العائلي معها لسنوات طويلة.
لكن ورغم أنها وجهت لي ولسعداء عددًا من الدعوات للمشاركة في فعاليات مسرحية في بغداد، إبان استلامها إدارة المسرح في العراق، إلا ان الظروف لم تسمح بذلك؛ حيث إن اللقاء في العراق لم يتحقق إلا في عام 2023 حينما كنت عضواً في لجنة تحكيم مهرجان الطفل الحسيني في كربلاء، وكانت هي رئيسة اللجنة، التي ضمت حينها د. نوال بنبراهيم، ود. زينب عبد الأمير، والمخرج الإيراني علي كاشفي، فكانت في إدارتها للجنة كالنسمة الرقيقة، لم تضغط، ولم تفرض، ولم تمارس سلطتها أبداً، بل كانت مستمتعة بمشاركة الجميع، أقل المتحدثين، وأكثر المستمعين، فكانت أيامنا في اللجنة واجتماعاتنا في منتهى الهدوء والانسجام، مليئة بالمتعة والحوارات الثرية والكوميدية في آن واحد، بحيث أعتبرها واحدة من أمتع لجان التحكيم، التي عملت بها في حياتي.
وشاء الله أن تجمعنا بها الظروف ثانية مرة أخرى في أواخر عام 2024 حينما كنت عضو لجنة التحكيم، ترأسها الفنان عزيز خيون في مهرجان بغداد الدولي للمسرح عن عروضه الدولية، وكانت هي رئيس لجنة تحكيم المهرجان في عروضه العراقية، فكان اللقاء يومياً خلال العروض، وكم فرحت سعداء بلقائها بعد كل تلك السنوات؛ حيث كانت سعداء مشاركة في إدارة الجلسات النقدية في نفس المهرجان.
آخر صورة جمعتنا مع الراحلة في تحكيم مهرجان بغداد الدولي للمسرح 2024، رفقة أعضاء اللجنة د. كريم عبود، د. ليلى محمد، علاء الجابر، الراحلة د. إقبال نعيم، د. قاسم بياتلي،د. عجاج سليم، د. هشام زين الدين، علي عبد النبي الزيدي.
صحيح أننا قضينا أيام ممتعة، لكنها كانت ملبدة بغيوم الوعكة الصحية التي مَرَّت بها حينها، وأثرَّتْ عليها كثيراً، ويبدو أن أثرها استمر حتى رحيلها المفاجئ اليوم.
برحيل قبولة كما كنت أسميها.. نخسر أنا وسعداء وأسرتي الصغيرة شخصياً بكل الوجع والألم العميق، صديقة رائعة عرفناها عن قرب، وتشاركنا معها بهجة اللقاءات الأسرية الحميمة، كإنسانة رقيقة، وفنانة مثقفة، ومسرحية من الطراز الأول قَلَّ أن تتكرر.
عزاؤنا الوحيد أن ما تركته الراحلة من ذكريات إنسانية رائعة، وأعمال مميزة، سيظل أثرها خالداً دائماً وأبداً.
نعزي أنفسنا أولاً، ونعزي أسرتها الفنية الصغيرة المتمثلة في الفنان الكبير عزيز خيون، وأختها د. عواطف نعيم، وأسرتها الفنية الكبيرة، التي تمتد في جميع أرجاء العراق، والوطن العربي، ونسأل الله لها الرحمة والمغفرة، وجنات النعيم.

اقرأ ايضا

الفنانة إقبال نعيم:لدينا مؤسسات فنية بيد عناصر لا يؤمنون أصلا بالفن

حوار: جمال الشرقيعرفت الفنانة الدكتورة اقبال نعيم من عائلة فنية، فهي اخت الفنانة د. عواطف …