إقبال نعيم.. وداعاً أيقونة المسرح العراقي

محسن إبراهيم
فقد المسرح العراقي طيفًا عزيزًا من ألوانه الزاهية، إذ رحلت عن خشبته فنانة شكلت الوجدان الفني، ومثلت صوت العراق الأصيل في فضاءات المسرح والثقافة، بثقة تفانيها وإصرارها. لم يكن عمرها مجرد أيام معدودات، بل كان مسيرة من الإبداع والإشعاع. غادرت خشبة الحياة، كما كانت دائمًا، بهدوء المبدعين، وعظمة من عرف كيف يحيا على الخشبة، ويمنحنا من قلبه حياة كاملة في كل دور.
رحلت الدكتورة إقبال نعيم، والجمهور واقف في صمت ثقيل، يصفق لآخر مرة، لا لأداء بارع، بل لروح سامية ارتقت. عشقت الخشبة حتى صار ترابها وطنًا.
ستفتقد ظلها الكواليس ورفاقها الذين يحدقون في مقعدها الفارغ، كأنهم ينتظرونها لتدخل المشهد من جديد، وهم يرددون: “لن تنطفئ مسرحياتك حين يسدل الستار.”
رحلة مميزة
ولدت الفنانة إقبال نعيم عام 1958، في وسط عائلي كان يؤمن، بشكل ما، بالثقافة. هذه الأجواء كانت كفيلة بإطلاق فنانة من طراز خاص. عملت مع العديد من الفرق المسرحية العراقية المحلية، كالمسرح الفني الحديث والشعبي، قبل دخولها إلى الفرقة القومية للتمثيل. وربما كان اتجاهها إلى المسرح، في زمن انصرف عنه الكثير من أبناء جيلها، ميزة تحسب لها.
أخرجت العديد من المسرحيات، حازت من خلالها جوائز مهمة أثناء تمثيلها العراق، سواء في المهرجانات المحلية، أو العربية، أو الدولية. فقد منحت جائزة أفضل ممثلة عن دورها في مسرحية (الرهن)، من المركز العراقي للمسرح في العام 1985، وجائزة أفضل ممثل دور ثاني عن مشاركتها في مسرحية (ألف أمنية وأمنية) في العام 1987، وجائزة أفضل عمل متكامل عن مسرحية (ترنيمة الكرسي الهزاز)، في مهرجان قرطاج المسرحي في العام 1987، وجائزة أفضل إخراج وتمثيل وأزياء عن مسرحية (الريشة الذهبية)، في مهرجان مسرح الطفل الأردني في العام 2002. كما عملت مع أفضل وأهم المخرجين العراقيين، ابتداء من د. عوني كرومي، ود. صلاح القصب، وعزيز خيون، ود. فاضل خليل.
قدمت ما يزيد عن 100 عمل مسرحي، أهمها (خيط البريسم)، (في أعالي الحب)، (سيدرا)، (هيروسترات)، و(أعتذر أستاذي لم أقصد ذلك).
اهتمت بمسرح الطفل، الذي اعتبرته بأهمية المسرح الموجّه للكبار، كما شاركت في برامج أطفال تلفزيونية. في السينما كان لها حضور بارز في العديد من الأفلام، منها: (حب في بغداد) و(ستة على ستة). حصلت على شهادة الدكتوراه في المسرح، وسبق لها ان تبوأت مسؤولية المدير العام لدائرة السينما والمسرح ورئاسة الفرقة القومية.
قديسة المسرح
نقابة الفنانين العراقيين أقامت مجلس عزاء على روح الفنانة الراحلة الدكتورة إقبال نعيم في مقر النقابة، وسط مشاهد الحزن والحضور المهيب من نخبة الفنانين العراقيين، يتقدمهم نقيب الفنانين العراقيين جبار جودي، الذين استذكروا مناقب وتاريخ الراحلة بما يليق بمكانتها وإنجازاتها الكبيرة. ونعى الفنانة إقبال نعيم جمع من الفنانين والمثقفين. كما شاطرت الهيئة العربية للمسرح الفنانين في العراق والعالم العربي أحزانهم برحيلها. كذلك نعى المركز العربي للمسرح الراحلة بالقول “وداعًا ياقديسة المسرح، وداعًا ياسيدة الخشبة، وداعًا أيتها المعلمة المخلصة المنتمية لهذا الفن العظيم.”
وزير الثقافة أحمد فكاك البدراني نعى الراحلة في بيان رسمي قال فيه: “بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، تلقينا خبر وفاة الفنانة إقبال نعيم. وبرحيلها نفقد قامة فنية لها بصماتها في مسيرة الفن العراقي الرصين والهادف.”
لجنة الثقافة النيابية عزّت الشعب العراقي والأوساط الفنية برحيل الفنانة إقبال نعيم، التي كان لها الأثر الواضح في المسرح والتلفزيون والفرقة الوطنية للتمثيل على مدى عقود من الزمن.
المستشار الثقافي للسيد رئيس الوزراء، الدكتور عارف الساعدي، نعى الراحلة بهذه الكلمات: “برحيلها تطوى صفحة من صفحات الإبداع والالتزام المهني والفني. تغمدها الله بواسع رحمته.”
“إقبال نعيم وداعًا”.. بهذه الكلمات استهل الشاعر حميد قاسم نعيه قائلًا: “الإنسانة الرائعة والفنانة الملتزمة المبدعة.” وتساءل: “هل رأيتم اليوم إجماعًا على أحد مثلما أجمع العراقيون على فداحة خسارتهم؟”

اقرأ ايضا

الفنانة إقبال نعيم:لدينا مؤسسات فنية بيد عناصر لا يؤمنون أصلا بالفن

حوار: جمال الشرقيعرفت الفنانة الدكتورة اقبال نعيم من عائلة فنية، فهي اخت الفنانة د. عواطف …