د. محمد المهدي
حالة يعللها البعض قائلا: لابد من الصدمة حتي تكون الصحوة، ولكنه عزاء لاينفي الحقيقة. حقيقة ماداخل النفوس من نزعة قبلية، من تباين، وتفارق، والتهاء بأي صورة كانت. هل نعكس القول فنقول (يعملها الكبار الكبار رسميا ليقع فيها الصغار). يالها من طريقة للاحتفال بعام وثيقة الاطفال. تصادف ان انشغلت في هذه الأيام بتأمل لوحة العالم العربي في زمان كانت البقع البيضاء تمتد داخل نسيج اللوحة فتمحو حدودا اصطنعها الانجليز، والفرنسيون، واليهود، ويدافع عنها البعض الآن، ويوثقونها في اتفاقيات دولية، وكأنها حدود طبيعية.
ظاهرة ان يرتاد القاهرة ساطع الحصري، ومصطفي جواد، وجبران خليل جبران، وعبدالله المشنوق، وعادل زعيتر، وايليا ابوماضي، وبدوي الجبل، وفدوي طوقان، وخير الدين الزركلي… وغيرهم كثيرون. وان يرتاد العقاد، وطه حسين، والمازني، والزيات، وابراهيم ناجي.. وغيرهم عواصم البلاد العربية. واعذروني ان جعلت القاهرة محورا فجميعنا يعرف الاسباب.
عادل زعيتر نموذج لظاهرة ترابط الشعوب العربية فكرا وعملا. كان من نابلس، وكان عضوا بالمجمع العلمي العراقي، وعضوا بالمجمع العلمي العربي بدمشق. علي صلة دائمة بالقاهرة حيث الادباء والمفكرون والمطابع. طبع فيها السبعة والثلاثين مجلدا وكتابا التي قام بترجمتها وشرحها وتحليلها، جعلها متسقة في التتابع الفكري، والاحكام في الصياغة العربية الرصينة.. كان يضيف ان يقدم كاحد ابناء نابلس، فهذا انتساب يحصره في بقعة محلية، ويقلل من جهده العربي. كان يردد حينما يري هذا الجهد منسيا:
ان تسأل الايام عني مادرت واين مكاني ما عرفن مكانيا!
ولاندري اي بيت من الشعر كان سيردد لو عاش الي زماننا حيث اصبح النسيان فلسفة عند أهل الاعلام، وحكمه عند أهل السياسة، وحجة للتكاسل عند غالبية الناس..
كان يردد أيضا قول الغزالي:
غزلت لهم غزلا رقيقا فلم أجد لغزلي نساجا فكسرت مغزلي.
ولم يكسر المغزل. كانت لحظة أسي لم تنسه وعدا قطعه علي نفسه. حكي لنا أخوه المناضل الراحل اكرم زعيتر، انه ضل في مطلع شبابه في الصحراء وهو في طريقة للأمير فيصل بن الحسين عام 1916، وكاد يهلك، وحينما نجا من الموت نذر نفسه لخدمة أمته.
ولكن لماذا أراد زعيتر الاتصال بفيصل بن الحسين؟
هذا تبدأ قصة هذا المناضل موزعة ومتسقة بين صراعات امته، وصراعاته الشخصية امام القوي الغاصبة. وبين صراعات امته وصراعاته الشخصية امام حضارة وافدة قوية.
ولد عادل زعيتر عام. 1897 ويحكي لنا المستشرق الانجليزي (ستانلي لين بول› في كتابه (القاهرة) ان الاوبرا التي انشأها اسماعيل باشا في القاهرة عام 1869 بمناسبة افتتاح قناة السويس، كان لا يجرؤ عليى ارتيادها في باديء الامر الا اصحاب القبعات، ولكنه لاحظ في نهاية القرن ان الطرابيش بل والعمائم بدأت تظهر بين المرتادين.
هذا الحادث يرمز لتطور فكرة الاتصال بين الشرق والغرب، الذي بدأت بوادره مع حملة نابليون علي مصر عام. 1798 في باديء الأمر استنكر رجال الأزهر، والفكر الحضارة الغربية رغم انبهارهم بها، ثم كانت مرحلة الاستفادة من الجوانب المادية لهذه الحضارة علي مستوي السلطة، تبعها ظهور الصفوة العربية المتطلعة الي الاستفادة من الجوانب الادبية مع الاحتفاظ بالطابع الديني او القومي مثل الطهطاوي، واليازجي، والبستاني، واحمد فارس الشدياق، وخير الدين التونسي ومحمد عبده، وعبدالله النديم وغيرهم، وتمثل في نهاية القرن تطلع الفرد العادي للاتصال بالحضارة الغربية بالاصالة او بالمسخ. توزعت الاتجاهات بين المتجة الي الغرب قلبا وقالبا، او المتجه الي الغرب ليرد نفسه الي الشرق، او الرافض للغرب متجها لفكرة الخلافة الاسلامية، او المتجه وجهه الحركة الطورانية لتتريك العرب، او المتجه للفكر القومي العربي. توسعت وسائل النشر في مصر، والشام، والعراق لطرح هذه الاتجاهات فوصلت الي مايزيد علي 1333 جريدة ومجلة عندما بدأت الحرب العالمية الاولي. منها (الاهرام) و(الهلال) في مصر، و(نفير سورية) في سوريا، و(الزوراء) في العراق.
ولد عادل زعيتر مع احتضار القرن التاسع عشر. او ولد مع مولد القرن العشرين. او ولد مع مولد تحرك الفكر القومي العربي بل ما احتوته هذه الفترة من تضاربات، وصراعات مع القوي الاستعمارية، والحضارية. وبعد مرحلة الدراسة الابتدائية والاعدادية يستكمل في الكلية السلطانية بالاستانة فيتقن التركية، ولكنه لايذهب معها ابعد من الاعجاب الادبي، اما الحضاري او القومي فانه يرفض التجنيد العثماني بعد عودته فيهرب من هو الجندية التي تفرض عليه قتال الثورة العربية عام. 1916 وبينما هو في متاهة البادية للوصول الي دمشق للانضمام الي فيصل ابن الحسين يصدر عليه حكم غيابي بالاعدام عام. 1917 وعام 1917 نعرفه، فبينما شباب العرب يعقدون الآمال علي ثورة الشريف حسين التي زحف بها ابنه فيصل من الحجاز للعقبة لشرق الاردن، لدمشق مكتسحا القوات العثمانية آملا في الاستقلال بوعد انجليزي. كان الانجليز يرون الامور بمنظارهم الخاص. كانت هناك اتفاقيات (سايكس بيكو) لتقسيم المنطقة بعد الانتصار علي الالمان والعثمانيين، بينهم وبين حلفائهم الفرنسيين. اما اليهود فاخذوا نصيبهم من النهيبة بوعد (بلفور) عام 1917.
تنتهي الحرب العالمية الاولي وعادل زعيتر في دمشق. ينتظر كغيره الاستقلال، ولكنهم يكتشفون ان فيصلا يفاوض (كلمنصو) رئيس الحكومة الفرنسية، فيعلنون الاحتجاج في المؤتمر السوري الذي ضم سوريا، ولبنان، والاردن، ويمثل عادل زعيتر فلسطين في هذا المؤتمر الذي يعلن استقلال الشام في مارس. 1920 ولكن قوات (جورو) الفرنسية علي الابواب لاتمهلهم الا اقل من ثلاثة شهور وتجبرهم علي معركة (ميسلون) في يوليو عام 1920 التي تنتهي باحتلال دمشق.
وتظل بطولات (ميسلون) عالقة في ذهن عادل زعيتر، ولكن الاحباط كان اشد علي نفسه فدعاه إلي هجرة الشام لاستكمال تعليمه في جامعة باريس.. تعتبر هذه المرحلة حاسمة في فكر عادل زعيتر. فقد حددت مساره ولانبالغ اذا قلنا الي نهاية حياته. لقد كانت صدمة (ميسلون) قوية. كان من الممكن ان ترده معاديا للغرب بكامله، ولكن اتزانه الفكري، وسعة أفقه الثقافي دفعاه الي الغرب للتزود بالسلاح الذي قهر به الشرق… العلم، والعلم في نقائه تفكير موضوعي يقتضي الدقة،. والاتقان، والتبتل، وايضا التجرد. ودفعته العناصر الاولي الي ان يلتزم في حياته بنظام دقيق حتي في مظهره، ولكنه اغرق في تبتله، وفي تجرده فقصر جهده علي الترجمة معلنا انه لن يكتب مؤلفا ولن يتوقف عن رسالة الترجمة الا حين يري العرب المعاصرين يكتبون بمستوي ما يقرأ عن كتب الغرب. وكانت موضوعية ظالمة لنفسه ولغيره، فما كتبه من مقدمات للمجلدات والكتب التي ترجمها ترفع من قدره، وتجعله يصل دون ان يدري لفرط تواضعه لمستوي مؤلف الكتاب الذي يترجمه. بل لانبالغ اذا قلنا انه تفوق علي بعضهم.. اما دقته النادرة وتمكنه من اللغة الفرنسية التي تخصص في النقل عنها، واللغة العربية التي ينقل اليها، فترفع ايضا دون ان يدري من قدرته العلمية علي اختيار اللفظ الدقيق، وايضا الانيق، والعبارة التي تأتيك بالمعني اذا امعنت فيها وقارنتها بالاصل دون التباس. بل لتجده في كثير من الاحيان يرفع بلفظه الدقيق بعض الغبار عن الاصل الغامض من خلال جهده في تتبع فكر صاحب الكتاب، ودراسة مؤلفاته الاخري. أما صفة التجرد فقد وضحت في اختياره التي تستحق النقل الي العربية. كانت غالبيتها لكتاب فرنسيين حرك جهدهم الفكري الثورة الفرنسية.. (مونتسكيو) و(جان روسو) و(فولتير) واذا كان نابليون قد حول فكرهم القومي الي عنصرية باجتياحه الشعوب الاخرى، واستمرت فرنسا السياسية علي هذه المسيرة حتي بعد رحيله بقرن كامل، فليردها زعيتر الي اصلها نقية لصالح قومه.
بعد عامين من وصول (زعيتر) الي باريس يبدأ رحلة الترجمة، ويثير اعجابه مؤلفات (جوستاف لوبون) خاصة كتابيه الجامعين (حضارة العرب) و(حضارة الهند) لما تميزا به من طابع ميداني، وعلمي، وموضوعي. وشجعه للقيام بمهمته اتصاله الشخصي بالمؤلف. وسبق فتحي زغلول شقيق الزعيم سعد زغلول لترجمة كتابين ل(جوستاف لوبن) ظهرا تحت عنوان (روح الاجتماع) و(سر تطور الامم). ثم اعاد زعيتر ترجمتها تحت عنوان (روح الجماعات) و(السفن النفسية لتطور الامم).
أما الكتاب الاول الذي شرع في ترجمته فكان (روح الاشتراكية). ويكتب الي والده شارحا كيف يقضي اجازته الصيفية فيقول (شرعت في ترجمة كتاب روح الاشتراكية، وأن كان مؤلفا من خمسمائة صفحة كبيرة، اي انه يزيد علي مجموع صفحات كتابي ‹روح الجماعات› و›سر تطور الامم› بمائة صفحة، وبعد مرور مائة يوم من تاريخ الشروع في الترجمة أتممت ترجمته، وعلي ذلك اكون قد ترجمت كل يوم خمس صفحات.. وقد كانت ترجمة الصفحة الواحدة مع تبييضها تستغرق معي ساعة ونصف الساعة، واني اؤكد لكم بانني لم اذق طعم الراحة ايام الترجمة).
ثم يقول:
وللدكتور جوستاف لوبون كتابان اخران هما ‹روح التربية› و›روح الثورات›. وقد عدهما العلماء خير ما كتب في موضوعهما. وبما ان الواجب يقضي علي بأن اترجمها الي العربية، فانني شرعت في ذلك.
ولعلنا نلاحظ في رسالته هذا الحرص علي حساب الزمن الذي يقضيه في جهد الترجمة. ويذكر الراحل اكرم زعيتر ان هذه الخاصية لازمته دوما، فكان يذكر أن كتاب (حضارة العرب) قضي فيه الفين وخمسمائة ساعة، وكذلك في كتاب نابليون ل(اميل لودفيج). وقضي ثلاثة آلاف ساعة في نقل كتاب (حضارة الهند) خلال خمسة أشهر، وستمائة ساعة في ترجمة كتاب (الالهة عطاشى) ل(انا تول فرانس)، ويدور حول الثورة الفرنسية. لقد كان زعيتر يشعر انه في صراع مع الزمن امام الجهد المطلوب، والجهد المطلوب هو تكوين مكتبه كاملة من كتب جادة عميقة متنوعة من فلسفية، وسياسية، واجتماعية، واسلامية، وقومية، وحضارية، وتربوية. لقد كان يأمل ان يصل الجهد الي انتاج مترجمات تصل في رصها الي طول قامته كما كان يقول.
ما الذي اراده عادل زعيتر؟
هل اراد ان يقوم بدور وجهد لاتقوي عليه الا المؤسسات العلمية باجهزة من عقول وامكانيات؟
لقد كان نموذجا لهذه البطولة الفردية التي تميز بها كثير من مفكري مطلع القرن الماضي، حينما واجهوا قوة الغزو العسكري والحضاري مع غياب السلطة القومية، او مع حضور السلطة الرجعية التي زادت من دفعة الريح استعمارية العاتية في مواجهة هؤلاء الابطال عاد عادل زعيتر الي نابلس 1925 ليواجه هذه الريح، في مصر قامت ثورة 1919، ولكنها تهدد من القوي الرجعية. وفي العراق يظهر الملك فيصل عام 1921 كملك من ورق بعد ان اختفي من الشام. وفي سوريا تقوم ثورة 1925 بقيادة سلطان الاطرش. وفي فلسطين يشهد المأساة بنفسه. لقد سبقه تشرشل عام 1921 الي زيارة فلسطين محاولا الحفاظ علي مصالح انجلترا بالتمويه علي العرب واصدار مايعرف بالكتاب الابيض عام 1922، وبالاتفاق مع اليهود لاستمرار الهجرة الي فلسطين، وتستمر عملية التسريب اليهودي الي فلسطين، مع عميات التمويه علي العرب، الي ان انكشفت الامور حينما حاول اليهود نصب ستار علي حائط المبكي بالمسجد الاقصي مدعين ملكيته فاندلعت احداث عام 1929.
عادل زعيتر يشترك في الاحداث، ويعي مايدور. لقد تفرغ في هذه الفترة للعمل بالمحاماة مع التدريس في معهد الحقوق بالقدس، والكتابه الصحفية الملتهبة يقف مدافعا عن المتهمين في احداث 1929 في نابلس، وصفد. ويشترك في مؤتمري نابلس عام 1931، والقدس عام 1933 داعيا في المؤتمرين الي الاستقلال وايقاف الهجرة اليهودية.
وتتوالي الاحداث، ثورة عز الدين القسام. 1935 الثورة العامة في فلسطين عام. 1936 يتدخل الملوك العرب سعود، وغازي، وعبدالله داعين لايقاف الثورة انتظارا لوعود انجليزية، تمخضت كما هو معروف عن مشروع تقسيم عام 1937، وكتاب ابيض ثالث عام 1939. وتهييء انجلترا نفسها خلال الحرب العالمية الثانية للانسحاب من فلسطين بعد ان اطمأنت علي الامتداد اليهودي في اراضي فلسطين،وبعد ان وجدت مصلحتها في استلام راية مساندة اليهود للولايات المتحدة الامريكية.
ويبدو ان استمرار خطي الثورة الشعبية مع التخاذلات الرسمية قد ارجعا زعيتر الي حالته النفسية التي واجهها بعد معركة (ميسلون) عام. 1920 ولكن حدسه هذه المرة الذي تمرس بالتجارب العديدة جعله يتوقع النتيجة الحنمية قبل وقوعها فكتب عام 1946 الي اخيه اكرم قائلا: لا ادري مابقي لي من عمر ويكاد قلبي يحترق من انني لم اقم بشيء مما تطمئن اليه نفسي في عالم العلم والسياسة، فترونني عازما علي تطليق المحاماة، وسلوك السبيل الذي كتبت لك عنه.
وينقطع زعيتر لجهد الترجمة فيستكمل كتب رجال الثورة الفرنسية، وبقية مؤلفات (جوستاف لوبون)، وكتابين ل(انا تول فرانس)، و(ابن رشد) ل(رينان).. والعديد من مؤلفات (اميل لودفيج) و(حياة محمد) ل(اميل درمنجم). و(ابن خلدون) ل(بوتول) و(الغزالي) و(ابن سينا)، و(مفكرو الاسلام) ل(كرادوفو) وغيرها. ولكنه لم يكسر مغزله السياسي. فاذا كانت مرحلة الانعزال العلمي الاولي في باريس لم تعزله عن صلته باهتة، فالاولي بهذه المرحلة الثانية من الانعزال العلمي ان تقوي من دوران مغزله. فاقامته في نابلس والاحداث، بل المآسي التي تدور حوله جعلتاه يمزج من نسيج انتاجه بين خيوط الانتاج العلمي، ومايسمح به الوقت والجهد النفسي بالمشاركة السياسية. لقد ظل بيته مركزا لتجمع من يدركون خطورة المأساة فيكتب في 5/11/1948 مذكرة وطنية تحت عنوان (نكبة فلسطين) ويوجهها الي المسئولين في مصر، والعراق، وسوريا، ولبنان، والاردن، والسعودية، واليمن، وامين الجامعة العربية، والهيئات الشعبية، يأتي فيها:
(ويظهر أن العوامل الاقليمية تحتل المكان الاول لدي طائفة الدول العربية، فلا تري هذه الدول ان تتخذ اي تدبير حازم تجاه ما للدول الاجنبية التي تؤازر اليهود من المصالح الاقتصادية في بلاد العرب، وان كانت تلوح في الحين بعد الحين بتهديدات لاتجوز حتي علي الولدان. والعرب بلغوا من الخور في الانتصار لقضيتهم الكبري، ماجعلهم يطالبون مجلس الأمن بالانتصاف لهم من اليهود، ودرء اعتداء هؤلاء عنهم!.
ومن بيته ايضا تصدر في 25/5/1949 مذكرة اخري تحت عنوان (كارثة المثلث). تقدم للملك عبدالله تعليقا علي اتفاقية (رودس) يهاجم فيها النظام المصري واللبناني والاردني والعراقي انذاك، فيقول عن موقف الحكومة المصرية (انها لم تتمسك بما قرره مجلس الامن من عدم احتفاظ أي فريق بالاراضي التي احتلها بعد 15 تموز 1948 فقبلت ان يستولي اليهود حتي علي (الفالوجا) وما حولها سلما، فأدي ذلك إلي خسران عرب فلسطين مئات الألوف من الدونمات، وتشريد عشرات الألوف منهم، ويقول عن موقف الحكومة الاردنية:
(وكأن الطرف الاردني لم يكتف بموافقته علي اقتطاع نحو نصف مليون دونم من اجود الأراضي الي اليهود بدون مقابل معقول، فقد وقع اربعة من وزراء الأردن علي خريطة اقتطع اليهود بموجبها حوالي عشرين الف دونم زيادة علي مئات الالوف من الدونمات التي اخذوها وفق اتفاقية رودس فكان لنا بهذا ان نطالب بالتحقيق بالامر).
ويقول عن موقف الحكومة العراقية بعد قرار الانسحاب من فلسطين: ذهب وفد من فلسطين لكي يقصد بغداد آملا حمل حكومتها علي تلافي مافات، ويجتمع الوفد الفلسطيني في عمان بوزير الدفاع العراقي ورئيس اركان حرب الجيش العراقي فلم يوفق فيما ذهب من اجله فقد رفض الموصى اليهما طلب بقاء الجيش العراقي مرابطا في فلسطين ومع ابداء مايدل علي منع الوفد الفلسطيني من زيارة العراق.
ومع المرارة التي كان يحملها واصل عادل زعيتر جهوده العلمية موزعة بين رحلة الصيف في نابلس يعد فيها حصاد العام، ورحلة الشتاء الي القاهرة يخرج فيها هذا الحصاد مطبوعا الي ان كانت النهاية في نوفمبر عام 1957، وهو يجاهد لاتمام الصفحات الاخيرة من كتاب (مفكرو الاسلام) وذهب الرجل بحسرتين، الأولي ضياع فلسطين، والثانية الافتقار الي التقدير الذي يوازي جهده وعمله. ولو عاش الي زماننا لذهب بحسرات عديدة. أو لعانى من تضخم الحسرة الأولي حينما يجد يهود اسرائيل يدخلون العواصم العربية أما رسميا أو بمظلة امريكية، وتضخم الحسرة الثانية حينما نسأل شابا جامعيا هل تعرف عادل زعيتر؟ فينظر إلينا في استنكار الجاهل الواثق من جهله لهذا الاهتمام الساذج.
قالوا عن عادل زعيتر
‹وانما حسبي ان اقرر انه هو الذي رد الي الترجمة اعتبارها بعد ان هبط بها المرتزقة، والمأجورون، وصنائع الاستعمار الفكري، وان الذي وقف في غمرة الظلمة الداجية يحمل المشعل بيده الكريمة ليضيء لقومه العرب طريق الحق والخير والعزة.. وماكان مشعله المضيء سوي قلم قوي، نبيل أصيل يستمد قوته ونبله من عقل راجح، وضمير حي، وقلب كبير، وذكاء ساطع›. (د.بنت الشاطيء).
‹وإذا كانت الترجمة وسيلة من وسائل التقارب بين الامم فقد كان عادل زعيتر الوسيط الأول في العالم›. (عبدالله المشنوق).
‹كان عادل زعيتر دقة في الترجمة. كما كانت فيه اصاله في التعبير، وفحوله في التركيب، وضلاعه في اللغة›. (محمد عبدالغني حسن).
‹ترك عادل زعيتر بموته فراغا في المجتمع العربي، والمجال العلمي، والميدان الثقافي لايسده احد›. (د.مصطفي جواد).
‹كان عادل زعيتر جامعة وحدها، ومجمعا وحده، ومثل عادل زعيتر ظاهرة لاتتكرر في كل قرن من الزمان›. (وديع فلسطين).
‹كان لدقة عادل في الترجمة منصب يجوز ان تشرئب إليه الاعناق. هو منصب استاذ في جامعة راقية›. (اكرم زعيتر).
· عن موقع ايلاف
اقرأ ايضا
ذاكرة لعادل زعيتر
منصور الجميلفي مرحلة شهدت مخاضاً عسيراً بين انهيار الدولة العثمانية وتقاسم بلاد الشام بين الإنكليز …