أمير أمين
في أواسط شباط من كل عام وبالذات في يوم 14 منه، يحتفل الشيوعيون العراقيون واصدقاؤهم بذكرى استشهاد مؤسس الحزب الشهيد يوسف سلمان فهد ورفاقه عضوي المكتب السياسي صارم وحازم يومي 14 و15 شباط عام 1949، حيث تقام الفعاليات بهذه المناسبة في جميع مدن العراق وفي بلدان العالم وخاصة التي يتواجد فيها العراقيون بكثرة مستذكرين شهداء الحزب جميعا من خلال تعليق صور عدد منهم على جدران قاعات الاحتفالات أو الحديث عنهم او ترديد الشعارات والأغاني الثورية التي تمجد ملاحمهم النضالية والأيام والسنين التي ارتقوا فيها شهداء في سبيل مصالح شعبهم العراقي، وهنا لابد من أن نتذكر نخبة بارة من شهداء حزبنا القياديين وهم جمال الحيدري ومحمد صالح العبلي وعبد الجبار وهبي الذين ما أن ارتقى قائد حزبنا الشهيد سلام عادل شهيداً ومعه نخبة بارة من قياديي الحزب شهداء بأيادي الحرس القومي البعثيين الملطخة بالدماء، إلاّ أن يقوموا بتكوين نواة قيادية بديلة من أجل لملمة وتضميد جراح الحزب وإيجاد صلات مع رفاقه من الذين انقطعت صلاتهم التنظيمية بسبب عمق الضربة القاتلة التي وجهها البعثيون للتنظيم الشيوعي في كافة مدن العراق ودون محاكمة لأحد والتي راح ضحيتها أكثر من خمسة آلاف شيوعي وصديق للحزب من بنات وأبناء الشعب العراقي..
وقد بقي هذا المركز القيادي يعمل بلا كلل وبنشاط بارز لحين إلقاء القبض على الرفاق الثلاثة بعد حركة الشهيد حسن سريع في الثالث من تموز عام 1963 بأربعة أيام اي في يوم 7 تموز في دار والد الدكتور عطا الخطيب ثم اعدامهم في يوم 19 تموز بعد موجات من التعذيب الجسدي والنفسي واستخدام وسائل لا تخطر على البال. يقول أحد الشهود إنني زرت عام 1963 قصر النهاية وفوجئت بالصحفي عبد الجبار وهبي ممدداً على الأرض وكان على وشك الموت ويطلب الماء، فكان المجرم خالد طبرة يرد عليه قائلاً.. ها گواد تريد مي.. لكنه لم يعطيه ولو قطرة! وكان شاهد آخر يقول، كنت معتقلاً في قصر النهاية فرأيت عبد الجبار وهبي أبو سعيد منشور الرجل من تحت الركبة بآلة نشر خاصة! ثم يقول وكان إلى جانبه شخص آخر لديه يد واحدة كان معلقاً منها.. طبعاً كان هذا هو القائد الشيوعي الباسل محمد صالح العبلي، بعد جولات من التعذيب وتقطيع أوصال الرفاق وإطلاق النار على الشهيد محمد صالح العبلي بعد وضعه بحفرة من قبل المجرم المقبور سعدون شاكر والطلب منه التعاون معهم، لكنه رفض بشجاعة وبصق عليهم وكان يسبهم مما حدى بالمجرم سعدون أن يطلق عليه النار داخل الحفرة وينهي حياته كما تمت نهاية حياة جمال الحيدري وعبد الجبار وهبي بعد تقطيع أوصالهم من خلال التعذيب والضرب المبرح وبكافة الوسائل، لكن البعثيين حاولوا إيهام ابناء الشعب العراقي بأنهم أعدموا ثلاثة عراقيين خونة وعملاء.!! هكذا ادعوا من خلال بيان الحاكم العسكري رشيد مصلح، وهذا نصه: إعدام الحيدري والعبلي وعبد الجبار وهبي.. أصدر الحاكم العسكري العام البيان التالي.. لقد تم إلقاء القبض على كل من المجرمين جمال الحيدري وعبد الجبار وهبي ومحمد صالح العبلي من أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي العميل وقد تمت محاكمتهم أمام المحكمة العسكرية وحكمت المحكمة المذكورة بإعدام المجرمين المذكورين شنقاً حتى الموت وتم تنفيذ العقوبة بحقهم صباح هذا اليوم الموافق 21 تموز 1963 وليكن مصير هؤلاء الخونة عبرة لكل من يخون تربة وطنه ويخرج على مبادئ أمنه السامية ويرتكب الجرائم بحق أبناء هذا الشعب النبيل!! الزعيم رشيد المصلح الحاكم العسكري العام في 22 تموز عام 1963.
طبعاً انتهى هذا البيان وهو مسخرة بكل معنى الكلمة من بدايته إلى نهايته، وبعد سنين أعدم هذا الزعيم التكريتي في شهر يناير عام 1970 من قبل رفاقه بتهم شتى. الشهيد أبو سعيد ولد في مدينة البصرة في محلة المشراق عام 1920 ودرس الابتدائية والثانوية في مدينته ثم أكمل الجامعة في بيروت بالجامعة الأمريكية المعروفة وتخصص في مادة الفيزياء ولأن له ولعا بالفلسفة فقد درسها واهتم بدراسة فلسفة سقراط، وقبل أن يلتحق بالحزب الشيوعي العراقي بدأ نشاطه السياسي بالانضمام إلى حزب الشعب الذي كان برئاسة السياسي عزيز شريف وكانت معه في هذا الحزب ابنة عمه وهي زوجته المحامية نظيمة وهبي، ولما كان في عام 1948 مدرسا في ثانوية الأعظمية ببغداد انتمى لصفوف الحزب الشيوعي العراقي بالإضافة إلى نضاله في حركة السلم العراقية، وساهم أيضا في عمل ونشاط المنظمات المهنية والديمقراطية واشترك في مهرجان الشبيبة والطلبة العالمي المنعقد في العاصمة البولونية وارشو عام 1955 واصطحب معه ابنه سعيد وابنته نادية إلى المهرجان وهي الفنانة انوار عبد الوهاب، وحيث تعرض لمضايقات كبيرة فقرر الهروب عام 1953 إلى سوريا مع أولاده بينما بقيت زوجته نظيمة تقبع في السجون الملكية أي في سجن النساء بسبب اصدارها كراس أغاني السلم والحرية ولكي تستكمل محكوميتها.
وعاد الشهيد أبو سعيد فورا إلى العراق بعد سماعه خبر ثورة 14 تموز عام 1958، ولما أجيزت صحيفة الشيوعيين اتحاد الشعب صار يعمل فيها بنشاط بارز وأصبح في هيئة التحرير وكان يكتب عمودا بعنوان كلمة اليوم في الصفحة الأخيرة وصار جموع العراقيين تترقب الجريدة وتبدأ بقراءة عموده الصحفي والذي امتاز بأسلوبه الشعبي البسيط وهو يشخص السلبيات ويطرح معالجاتها ولكنه للأسف وفي سنوات الثورة لم يسلم من الرصد والملاحقة والسجون التي زج بها لكنه خرج أواخر عام 1961 بسبب الضغط الجماهيري، علماً ان صحيفة اتحاد الشعب تم غلقها عام 1960 في آذار واعتقال رئيس تحريرها عبد القادر البستاني. ولما نجح البعثيون في انقلابهم المشؤوم في 8 شباط عام 1963 صاروا يترصدون كل شيوعي وخاصة الكوادر المتقدمة من القيادة وغيرها مما حدا بعدد محدود من الرفاق بممارسة العمل السري الشاق هو والحيدري والعبلي معتمدين على الحاضنة الشعبية وقد استطاعوا من تضميد جراح الحزب وربط الصلات المنقطعة من تنظيمات الحزب في بغداد ومدن العراق كافة لكنهم للأسف وقعوا في مصيدة البعثيين التي نشطت بقوة بعد حركة الشهيد حسن سريع فجرى القبض عليهم وتعذيبهم وقتلهم.
وأخيراً لابد من القول نقلاً عن معارف الشهيد ابو سعيد الذي ذكر أنه كان في منتهى الهندام انيقا دون مبالغة لا تسمع أصوات خطواته لكياستها، كان قصير القامة نحيف البدن ذا رأس كبير مثلث الحجم نسبيا تملأ وجهه نظارات كبيرة الحجم، كان استاذا محترما جدا من قبل طلابه وحينما يدخل الصف كأنه ملاك ذو سطوة ساحرة.
المجد للشهيد عبد الجبار وهبي والمجد لرفيقيه الحيدري والعبلي وكل الشهداء الأماجد. والعار للمجرمين أينما كانوا.
اقرأ ايضا
عبد الجبار وهبي.. سيرة مناضل مثال
د. حسان عاكفمنذ عام 1963،عام استشهاده، وكلما ذكر اسمه أمامي أو قرأت شيئا له او …