سميحة أيوب واجهة المسرح العربي الكبير وبطلته الرائدة

كمال القاضي
رغم أنها بدأت مشوارها الفني من السينما في وقت مُبكر بفيلم “المُتشردة” عام 1949 ولم يكن عمرها يزيد على 15 عاماً، إلا أن اسمها ارتبط بالمسرح، ربما لأن أدوارها السينمائية كانت ثانوية في كثير من الأفلام كـ”شاطئ الغرام” و”ورد الغرام” و”الحُب في سنة 48″ و”الوحش” و”أدهم الشرقاوي” و”أرض النفاق” و”بين الأطلال” و”رجل اسمه عباس” و”فجر الإسلام” وغيرها.
وقد يكون عدم تحققها الكامل في السينما كنجمة صف أول هو سر اتجاهها للمسرح، الذي وجدت فيه نفسها، خاصة أنها درست التمثيل على يد أستاذها زكي طليمات، وتخرجت في المعهد الذي أسسه عام 1953 فشقت طريقها بثبات وثقة وصارت واحدة من مُمثلات المسرح المرموقات، حيث بلغ رصيدها من الأعمال المسرحية نحو 170 مسرحية، أشهرها “سكة السلامة” و”كوبري الناموس” و”السبنسة” و”كسبنا البريمو” و”الناس اللي في التالت” و”ست الملك” و”أنطونيو وكليوباترا” و”دماء على ستار الكعبة” وأعمال أخرى رفعت أسهمها وأدت إلى شهرتها ومنحتها لقب سيدة المسرح العربي عن جدارة.
لقد استفادت سميحة أيوب فنياً من تجاربها مع زوجها الثالث سعد الدين وهبة، الذي تزوجته بعد النجمين الكبيرين، محسن سرحان ومحمود مرسي، فقد لعبت أدوار البطولة في أهم مسرحيات الكاتب وهبة، “كوبري الناموس” و”السبنسة” و”سكة السلامة”، والأخيرة بالتحديد حققت نجاحاً جماهيرياً وشعبياً كبيراً، لهذا تقلدت الفنانة الراحلة مناصب مهمة في المجال المسرحي، فقد تولت منصب مديرة المسرح القومي مرتين، ومديرو المسرح الحديث، وكان لقيادتها أثر واضح في النهوض بالمسرح الحكومي والارتقاء بمستواه والعمل على تطويره.
ومن السينما إلى المسرح والتلفزيون، مروراً بالإذاعة تنوعت إسهامات سميحة أيوب الإبداعية، التي اتسمت بالجدية الشديدة، وراعت الذوق العام واهتمت بالقضايا الاجتماعية والإنسانية، فمن بين ما قدمته على مستوى الدراما التلفزيونية، مسلسل “الضحية” ومسلسل “الساقية” ومسلسل “لسه بحلم بيوم” مع الفنان الراحل نور الشريف، ومسلسل “الضوء الشارد” و”ضبط وإحضار” و”وجهان للحقيقة” و”المصراوية” و”سيف اليقين” و”أولاد الشوارع” و”عصر الحُب” و”الطاووس” و”الجدار” و”سقوط الخلافة” و”سعد اليتيم” و”موعد مع الغائب” و”المحروسة”.
وتميزت الفنانة الكبيرة بإجادتها للغة العربية وسلامة النطق ومخارج الألفاظ والدقة الشديدة في الأداء، وهي المزايا التي اكتسبتها من العمل المسرحي خلال سنوات وجودها وتألقها في المسرح القومي، الذي يُعتبر بمثابة أكاديمية عريقة لإعداد المُمثل وتثقيفه.
ومن سمات سميحة أيوب الشخصية، ثقتها في نفسها وقُدرتها الفائقة على القيادة وتمكنها من أدواتها الفنية، وحرصها الدائم على التجديد والابتكار رغم تربيتها الكلاسيكية المُنضبطة، التي أضفت عليها هيبة ووقاراً ظاهرين.
لقد قرأت الراحلة الشعر وحفظت الكثير من القصائد والأبيات للمُتنبي والبُحتري وشوقي وحافظ إبراهيم وفاروق جويدة ونجيب سرور، واطلعت على الأدب المُترجم لكبار الكُتاب العالميين، ألبرتو مورافيا ومكسيم غوركي وأنطوان تشيكوف ودوستويفسكي وعدد كبير من المسرحيات المُترجمة لشكسبير وموليير، الأمر الذي وسع أفقها ومداركها وعزز موهبتها الفطرية وجعل لأدائها المسرحي مذاقاً خاصاً.
ولا يُمكن في هذا السياق إغفال أعمالها الإذاعية الرائدة في الخمسينيات والستينيات، فقد جسدت شخصية سمارة في المسلسل الإذاعي الشهير، ثم “عودة سمارة” في الجزء الثاني من المسلسل نفسه، كما جسدت قصة حياة الكاتبة الكبيرة سهير القلماوي ونقلت تفاصيلها عبر دراما إذاعية مهمة اعتمدت فيها على فخامة الصوت وبراعة الأداء.
كذلك قدمت مسلسل أم كلثوم قبل أن يتم تصويره تلفزيونياً بعدة أعوام، وقامت ببطولة مسلسل “شخصيات تبحث عن مؤلف” ومسلسل تراجيدي إنساني آخر بعنوان “صابرين” أبرزت من خلاله قدراتها الصوتية الفريدة بتأثيراتها الدرامية المُتباينة والحساسة.
قدمت سميحة أيوب آخر أفلامها في السينما مع محمد هنيدي بعنوان “تيتة رهيبة” بتنويع كوميدي رصين وهادف، حرصت خلاله على تقديم وصاياها للجيل الجديد، في ما يتصل بالعادات والسلوكيات، ومبادئ الاحترام والالتزام الأخلاقي الدافع إلى بناء الشخصية وتقويمها وضمان صلاحية العلاقات العاطفية والإنسانية بين الأزواج والمُحبين، في معالجة فنية درامية راقية ابتعدت كثيراً عن الهزل والتسفيه والسطحية. ورغم أن الدور كان ثانوياً إلى حد ما، إلا أنه كان مؤثراً بقوة في الأحداث ومصدراً أساسياً للتوعية بأصول المُعاملة الأسرية والتربوية.
اختتمت مسيرة الفنانة المسرحية الكبيرة بالتكريم وحصولها على درع التفوق من مهرجان العودة السينمائي الفلسطيني الدولي، وعرض فيلمها التسجيلي سيدة المسرح العربي في حفل افتتاح الدورة التاسعة قبل رحيلها بشهر واحد تقريباً.

اقرأ ايضا

سميحة أيوب… المُلهمة والأيقونة

فاطمة سيفبعد مسيرة فنية اتّسمت بالتمرّد على صورة المرأة النمطية في التمثيل، رحلت “سيدة المسرح …