يسري حسان
عاشت الفنانة المصرية الكبيرة سميحة أيوب والملقبة بـ”سيدة المسرح العربي” 95 سنة، أمضت منها 78 سنة في الفن، ونالت عدداً من الجوائز والتقديرات والألقاب خلال هذه المسيرة التي تعد الأطول، ربما في تاريخ الفن العربي.
امتلكت الفنانة الراحلة شخصية قوية لم تؤثر فيها المحن (وفاة ابنها محمود من زوجها الفنان الراحل محسن سرحان) ولا سنوات العمر الطويلة، فقد ظلت حاضرة سواء بأعمالها الفنية أو بمشاركاتها في لجان تحكيم المهرجانات المسرحية، أو برئاستها الشرفية لمهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي منذ تأسيسه وحتى الآن، حتى إنها توفيت داخل منزلها في حي الزمالك بصورة طبيعية، ومن دون أن تُنقل إلى أحد المستشفيات.
لم تكن سميحة أيوب مجرد فنانة كبيرة وصاحبة تاريخ حافل بالأعمال الفنية، فقد كانت أيضاً ناشطة مسرحية مارست دوراً مهماً سواء بتبني المواهب الشابة والإشارة إليها وتقديمها إلى الساحة الفنية، أو من خلال دورها في لجنة المسرح داخل المجلس الأعلى للثقافة، أو من خلال رئاستها للمسرح القومي والمسرح الحديث وما شهده المسرحان على يديها من تطوير لافت.
كان لي حظ مزاملة الفنانة الراحلة عضوية لجنة المسرح في المجلس الأعلى للثقافة، وكذلك مرافقتها في عدة أسفار خارج مصر. وقد لمست كما لمس غيري ممن رافقوها أو زاملوها مدى ما كانت تتمتع به من حضور قوي، ومدى صلابتها في الدفاع عن قضايا المسرح وقدرتها على التأثير في الآخرين وانحيازها إلى تجارب الشباب، حتى التي كانت تخالف توجهاتها الفنية وتمعن في التجريب، وكذلك مدى ما كانت تتمتع به على رغم جديتها الشديدة من حس ساخر، وخفة ظل ربما أبرزتها في آخر أعمالها السينمائية “تيتا رهيبة” مع الفنان الكوميدي محمد هنيدي.
شخصيات متنوعة
ولعل من تابع المسيرة الطويلة لسميحة أيوب، التي استمرت نحو 79 عاماً، إذ قدمت أول أفلامها” المتشردة” عام 1947، يدرك قدرتها الفائقة على أداء مختلف الأدوار، فهي السيدة الشعبية والمرأة الغانية والجدة خفيفة الظل والسيدة القوية المتجبرة والمرأة الفقيرة المغلوبة على أمرها، وغيرها من الشخصيات التي لعبتها في السينما والمسرح والتلفزيون والإذاعة ببراعة فائقة وقدرة غير عادية على الذوبان في الشخصية والإمساك بمفاتيحها.
وفضلاً عن إجادتها أداء الشخصيات كافة، فقد كانت الراحلة واحدة من أبرز الممثلات اللاتي قدمن النصوص المسرحية العالمية باللغة العربية الفصحى، كما في” دائرة الطباشير القوقازية” و”أغاممنون” و”فيدرا” وغيرها من المسرحيات التي بلغ عددها 170 مسرحية، ووصفها المفكر الفرنسي جان بول سارتر بـ”إليكترا المصرية” وعندما شاهدها في مسرحيته” الذباب” التي قدمتها على المسرح القومي في القاهرة صعد إلى المسرح ومعه سيمون دي بفوار، وقبلها قائلاً لها” أخيراً وجدت إليكترا في القاهرة”، ومنحها الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان وسام فارس بعد أن قدمت مسرحية “فيدرا” على مسرح أوبرا باريس، فضلاً عن تكريم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لها، وكذلك الرئيس السيسي.
المسرح أولاً
وعلى رغم تعدد المجالات الفنية التي عملت بها سميحة أيوب في المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون، فقد ظل المسرح هو المجال الأثير لديها، حتى إنها ذكرت أنها تعمل بالسينما حتى تنفق على المسرح الذي كان نقطة انطلاقها الأولى وهي طالبة، ما زالت، في معهد الفنون المسرحية، عندما آمن بموهبتها أستاذها زكي طليمات فقدمها في مسرحية” خادمة الملكة”.
وعلى عكس ما يذكره كثر عن تاريخ ومحل ميلاد الفنانة الراحلة، من أنها ولدت في حي شبرا خلال الثامن من مارس عام 1932، فإن هناك وثيقة رسمية عثر عليها المؤرخ المسرحي سيد علي إسماعيل الملقب بـ”جبرتي المسرح” تؤكد أنها من مواليد الثامن من مارس 1930 بحي الدرب الأحمر، أما سبب الخلاف حول تاريخ ومحل الميلاد فله قصة، ليس وقتها الآن.
سميحة أيوب مخرجة
وربما لا يعرف كثر أيضاً أن سميحة أيوب مارست الإخراج المسرحي وقدمت عملين من إخراجها، وهناك عمل ثالث لا تتوافر، بحسب سيد علي إسماعيل، معلومات حول تنفيذه، إذ عثر على وثيقة تؤكد موافقة الرقابة على المصنفات الفنية على تنفيذ نص مسرحي كتابة أنور عبدالله وإخراج سميحة أيوب.
170 مسرحية ونحو 43 فيلماً سينمائياً و100 مسلسل تلفزيوني وثمانية مسلسلات إذاعية حصيلة ربما لم يحققها سوى سميحة أيوب، صحيح أنها لم تلعب في السينما بطولات مطلقة وكذلك في المسلسلات التلفزيونية، لكنها جميعاً كانت تشير إلى موهبتها الكبيرة ووعيها بطبيعة الشخصيات التي تلعبها، ولكن ظل المسرح مجالها الحيوي الذي أخلصت له أكثر، سواء كممثلة أو كناشطة مدافعة عن قضاياه، وإن خسرت معركتها الأخيرة في الدفاع عن مسرح “فاطمة رشدي” ولم يمض وقت طويل حتى خسرت حياتها، ولكن فوق سريرها في منزلها ومن دون أن تكون عبئاً على أحد، لتؤكد جدارتها بلقب سيدة المسرح وأحقيتها في كل التكريمات والجوائز التي حصلت عليها، حتى إنها كانت أول فنانة مصرية يُدرج اسمها داخل مناهج الصف السادس الابتدائي في كتاب المهارات والأنشطة ضمن نشاط المسرح، وذلك في إطار التعريف بالمسرح المصري. وضُمِّنت سيرتها الذاتية وكتابة درس عنها في المنهج الدراسي، لتكون جزءاً من شخصيات مصرية مؤثرة.
عن اندبندنت عربية
اقرأ ايضا
سميحة أيوب… المُلهمة والأيقونة
فاطمة سيفبعد مسيرة فنية اتّسمت بالتمرّد على صورة المرأة النمطية في التمثيل، رحلت “سيدة المسرح …