فاطمة سيف
بعد مسيرة فنية اتّسمت بالتمرّد على صورة المرأة النمطية في التمثيل، رحلت “سيدة المسرح العربي”، الفنانة المصرية سميحة أيوب (1932 ــــ 2025) أمس الثلاثاء، عن عمر ناهز الـ93 عاماً.
امتدت مسيرتها على أكثر من سبعة عقود، قدمت فيها أكثر من 170 عملاً مسرحياً، في رصيد يُعدّ من الأغنى في تاريخ المسرح العربي.
ولدت أيوب في 8 آذار (مارس) عام 1932 في حيّ شبرا في القاهرة، ودرست التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية، تحت إشراف روّاد كبار، أبرزهم زكي طليمات. بدأت مسيرتها عام 1947، لتصبح واحدة من أبرز ممثلات المسرح العربي.
إرث فنيّ استثنائي
حضورها الطاغي وصوتها القويّ، ساعداها في تجسيد أدوار شخصيات نسائية مركّبة، عكست الصراع الإنساني وأسئلته الوجودية، خصوصاً في مسرحيات: “سكة السلامة”، و”السبنسة”، و”رابعة العدوية”، و”دماء على ستار الكعبة”، و”سقوط فرعون”.
وفي التلفزيون، قدّمت أيوب أداءً اتّسم بالقوة والرُقي، وتألقت في أعمال درامية مثل “الضوء الشارد”، و”أوان الورد”، و”المصراوية”. أما في السينما، فبرزت في أفلام من بينها “أرض النفاق”، و”فجر الإسلام”، و”بين الأطلال”، إذ جمعت في أدائها بين انعكاس التكوين النفسي للشخصية والبُعد الجمالي في الأداء.
مسرح نسائي مستقل
في الحقيقة، حين يُذكر المسرح العربي في القرن العشرين، لا بد من ذِكر اسم سميحة أيوب، فهي تُعَد أحد أعمدته النسائية التي لم تكتفِ بأداء الأدوار، بل أسهمت في صياغة ملامح حضور المرأة في هذا الفن، على نحو يتجاوز الاعتبارات الجمالية أو العاطفية.
لقد شكّلت تجربتها مساراً موازياً لتحوّلات المسرح العربي من الترفيه إلى الجديّة، ومن الخطابة إلى الدراما الاجتماعية والفكرية، فكانت سميحة أيوب بمنزلة صوتٍ أنثويّ مؤثّر، فرض نفسه ضمن فضاءٍ لطالما سيطرت عليه المقاربات الذكورية.
منذ بداياتها، تمرّدت سميحة أيوب على الصورة النمطية للمرأة في المسرح، تلك التي تحصرها في أدوار المرأة الرومانسية، أو الأدوار الثانوية كـ “تابعة” للرجل.
وقدّمت نموذجاً مختلفاً للممثلة المسرحية، المرأة التي تحمل النص بأكمله من دون أن تكون مجرّد تابع. أداؤها كان مركّباً، لغته الجسد كما الكلمة، وتميّزت بقدرة على احتواء التراجيديا الإنسانية من دون الوقوع في الميلودراما. لم تُرِد للمرأة أن تكون مجرّد انعكاس للرجل، بل كائناً مكتمل التكوين الدرامي.
اختارت أيوب النصوص التي تعكس أزمات الإنسان، واختارت الشخصيات التي تنطوي على توتر داخلي وصراع وجودي، مثل دورها في مسرحية “الفتى مهران” و”السلطان الحائر”، حيث جسّدت نساءً ذوات شخصية مركّبة، يحملن خطاباً يتقاطع مع قضايا الحرية والعدالة والهوية.
انخراطها في المسرح السياسي والاجتماعي
أسهمت أيوب في ترسيخ المسرح بوصفه أداة للوعي والنقد، فعملت مع كُتَّاب أمثال سعد الدين وهبة، وعبد الرحمن الشرقاوي، ويوسف إدريس، وأدت أدواراً في نصوص تكشف عن التناقضات الطبقية والسياسية في المجتمع. أداؤها لم يكن مزخرفاً، بل مفعم بالصدق والحس النقدي، ما جعلها قادرةً على إيصال الرسائل الفكرية من دون خطابية مباشرة.
تُوّج حضورها الفني بمنصب مديرة “المسرح القومي المصري” (1972–1985)، في سابقة نادرة لسيّدة في هذا المنصب. لم تكن إدارية تقليدية، بل مبدعة ومشرفة فنية، دفعت بالمسرح القومي لتقديم عروض ذات مستوى فكري وجمالي عالٍ. شجّعت على تجارب إخراجية جديدة، وقدّمت الدعم لكتاب وممثلين صاعدين، ما أتاح تنوّعاً لافتاً في محتوى المسرح القومي آنذاك.
استمرت أيوب في المسرح لعقود، من دون أن يتراجع حضورها أو تتنازل عن خياراتها الفنية. كما ألهمت أجيالاً من الممثلات في مصر والعالم العربي، وفتحت لهن الطريق للتفكير في المسرح كمسار مهني جاد لا يقتصر على النجومية السطحية. هكذا، فقد كانت تجربتها تجسيداً حيّاً لقدرة المرأة على التأثير من داخل البنية المسرحية، لا من هوامشها.
برحيلها، تفقد الخشبة العربية إحدى أكثر نسائها تأثيراً وعمقاً، لكنّ أثرها يظل باقياً في وجدان المسرح.
عن اخبار اليوم
اقرأ ايضا
سميحة أيوب وذكريات عمرها 45 عامًا
ناصر عراقكيف رأيت السيدة سميحة أيوب تمثل بتألق على خشبة المسرح؟ بل كيف شاهدت أداءها …