والي بغداد الأخير ومحاولة كبيرة لرشوته

إعداد: ذاكرة عراقية
في مثل هذه الايام من عام 1957 توفي والي بغداد الاخير في العهد العثماني خليل باشا الذي يقترن تاريخه في العراق بحادثين كبيرين: الانتصار في الكوت بعد حصارها الشهير، حدثنا المرحوم الاستاذ محمود صبحي الدفتري عن خليل باشا، قال انه تولى ولاية بغداد وقيادة ساحة العراق شاباً. وكان مرحاً متواضعا مرفوع الكلفة لطيف المعاشرة بخلاف سلفه نورالدين باشا القائد الوقور المتزمت.
قال الدفتري: كنت في استانبول حين عقدت الهدنة في أواخر سنة 1918 ودخل الحلفاء الى عاصمة الخلافة فاتحين. وعلى الأثر فر زعماء الحكم المخذول أنور باشا وجمال باشا وطلعت باشا، وقبض على الزعماء الآخرين كالامير محمد سعيد حليم باشا وزجوا في السجن، ثم أبعدوا الى مالطا. وذهبت الى السجن لازور صديقاً لي من الضباط المعتقلين، فلم اجده، وقيل لي انه نفي مع المنفيين، ولكنني وجدت في السجن خليل باشا، والي بغداد السابق، وكانت لي به معرفة فطفقت احادثه واساله عن حاله. وقد أخبرني انه قد اعتقل عند احتلال الآستانة، ولم يكن يشكو شيئاً في سجنه لان الموظفين والحراس من اعوانه فيخدمونه ويحترمونه. ولكنه علم ان في نية الحكومة الجديدة تقديمه الى المحاكمة بتهمة الاختلاس، وذلك ما يغيظه اشد الغيظ. فقد قال خليل باشا انه خسر موقعة خطيرة وضيع بغداد على الدولة،فهو يرحب بتقديمه الى المحكمة بتلك التهمة، اما ان يحقر بمحاسبته على سرقة ارزاق الجيش او أكياس طحين وعلف، فتلك اعظم اهانة يمكن ان تحيق به، فانه رفض الملايين التي لوح بها للاخلال بواجبه، وهو قد كان يتصرف في اكياس الذهب من المصاريف السرية فيمنحها لمن هبّ ودبّ، ولم يرض ان يأخذ لنفسه شيئاً منها. فكيف يقبل ان يكون هزأة للناس في محاكمة عن اختلاس موهوم؟. وقال انه اذا تحقق لديه مثل تلك الاشاعة فسيعلم كيف يفر من سجنه.
ولم تمض أيام قليلة على ذلك الحديث حتى شاع امر فرارخليل باشا من سجنه بتدبير من مدير السجن الذي آثر الفرار معه الى الاناضول.
نزاهته وفشل لورنس باستمالته
حينما حوصر الجنرال تاونسند في الكوت كلف توماس ادورد لورنس (الذي اشتهر فيما بعد باسم لورنس بلاد العرب) بمهمة غريبة في حرب العراق. كان آنذاك برتبة كابتن في الجيش البريطاني في القاهرة، وعمره لايتجاوز الثامنة والعشرين، وقد أمر ان يتصل بالقائد التركي خليل باشا في اوائل سنة 1916 ويعرض عليه مبلغ مليون باون لاطلاق سراح القوات البريطانية المحاصرة. وكان التكليف صادراً من رئيس اركان الجيش الامبراطوري في لندن السر وليام روبرنسن، لكن السر برسي كوكس رئيس الضباط السياسيين في العراق رفض ان يشارك في هذا المشروع المشبوه.
كان عدد القوة البريطانية المحصورة في الكوت عشرة الاف رجل من البريطانين والهنود.
وصل الكابتن لورنس الى البصرة في آخر آذار 1916 وكان معه اوبري هربرت من دائرة استخبارات الجيش. اتصل الرجلان بخليل باشا وعرضا عليه مليون باون، ثم مليونين، فرفض الرشوة بسخرية واباء. ثم لم يلبث تاونسند ان استسلم بلا قيد ولا شرط بعد ان نفدت ذخيرته وطعامه وابتلي افراد جيشه بالملاريا والزحار. لكن لورنس وصاحبه عاودا الاتصال بخليل في 29 نيسان لترتيب تفاصيل الاستسلام، وحاولا البحث في مصير أهالي الكوت الذين رحبوا بالانكليز، غير ان القائد التركي ذكرهما ان الاستسلام كان بلا شرط. وقد اكتفى بعد ذلك باعدام تسعة أشخاص منهم اثنان من المختارين ومثلهما من الشيوخ.
كتب لورنس تقريراً عن مهمته الخائبة. ومدح خليل باشا فقال انه في نحو الخامسة والثلاثين من عمره، قوي البنية نشيط الحركة. ولايظهر انه شديد الذكاء، لكن له ذاكرة قوية وفكر يقظ مع شخصية قوية وادب جم وشجاعة اشتهر بها. وكان مع خليل ضباط اركان عددهم 12 احدهم الماني حسب الظاهر.

اقرأ ايضا

ملف ثورة العشرين..صحافة الثورة العراقية الكبرى

د. إبراهيم خليل العلافكانت ثورة 1920 الكبرى في العراق ضد الاستعمار البريطاني ثورة وطنية قومية …