هل الزوراء أول صحيفة عراقية؟

حميد الهاشمي
اعتاد الصحفيون العراقيون ونقابتهم أن يحتفلوا في الخامس عشر من حزيران- يونيو من كل عام بعيدهم “المهني”، وباعتبار أن ذلك التاريخ الذي وافق عام 1869، هو “أول” صدور “لأول” صحيفة عراقية. ولكن إعادة البحث والتنقيب في التاريخ تكشف خطأ هذا المذهب. ولا ادري لماذا الإصرار عليه طالما أن هذه المعلومة مدونة في أكثر من مصدر رصين، حيث ذكرها “رفائيل بطي، الصحافة العراقية، القاهرة، 1955، ص10”. وأكدها الدكتور علي الوردي في الجزء الأول من مؤلفه الشهير “لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث”. وبعض وجوه الآلة الصحفية في العراق من خلال تأكيدهم: أن جريدة جورنال عراق التي صدرت في السنة الأولى من حكم الوالي داود باشا، قد جاءت بعد قرنين من صدور أول صحيفة أسبوعية عرفتها البشرية وهي “ريلاسيون” في ستراسبورج عام 1605 وهي أول صحيفة عرفها العالم العربي.
وجورنال عراق (جريدة العراق)، هو أحد انجازات الوالي المملوكي داود باشا (1767-1831)، الذي حكم بغداد للفترة (1816-1831) وكان له دور كبير في العديد من الانجازات التحديثية في تاريخ العراق الحديث، رغم بعض المآخذ عليه. ولا يتفوق عليه بذلك إلا الوالي العثماني الآخر مدحت باشا، الذي كانت لديه انجازات أخرى كبيرة منها المطبعة التي صدرت عنها جريدة الزوراء المشار إليها أعلاه.
وقد كانت جورنال عراق تطبع في مطبعة حجرية باللغتين العربية والتركية حالها حال جريدة الزوراء، وتوزع على قواد الجيش وكبار الموظفين وأعيان المدينة، كما تعلق نسخ منها على جدران السراي. وكانت تحتوي على وقائع العشائر وأخبار الدولة العثمانية وأوامر الوالي والإصلاحات الواجب إجراؤها وما أشبه.
وقد يقول قائل، أن الجريدة كانت مجرد نشرة توزع على الدوائر الرسمية والشخصيات، بدليل عدم طرحها في الأماكن العامة للبيع مثلا. وهذا الرأي مردود، وذلك بسبب قلة المتعلمين أو الذي يجيدون القراءة والكتابة في تلك الفترة، إضافة إلى عدم شيوع ثقافة قراءة الصحف بسبب تأخر صدورها في مجتمعاتنا الشرقية.
إن مسألة تصحيح كتابة تاريخ الصحافة العراقية، من خلال الاحتفال بعيد الصحافة العراقية، يقتضي الاعتراف بصدور الصحيفة (جورنال عراق) التي سبقت جريدة الزوراء باعتبارها أول جريدة عراقية صدرت قبل 190 سنة. ولا ندري تاريخا محددا لأول احتفال لنقابة الصحفيين العراقيين بعيد الصحافة العراقية ولا الجهة التي أقرته. ولكن هذا التاريخ العريق للصحافة العراقية الذي كتب بمداد الدم والدموع، وخلف القضبان، وفي المنافي، وعلى ضوء شمعة، وصارع مقص رقيب الدكتاتورية وجلاوزتها، وأمام فوهات بنادق الاحتلال وخفافيش الإرهاب وقوى الظلام والرجعية على مدار حوالي قرنين من الزمان. إن هذا التاريخ يستحق أن يكون موثقا ومبنيا على أسس علمية منصفة ودقيقة، تتلاءم وما يقدمه المجتمع الصحفي العراقي خاصة والإعلامي عامة، والذي قدم خلال الأربعة سنين الأخيرة أكثر من مائتين من أقلامه وأصواته المتنورة قربانا لمخاضه الحالي، ولخلاصه من مأزق الاحتلال والإرهاب.

اقرأ ايضا

طرائف من حياة الدكتور فاضل الجمالي

سرور ميرزا محمودفي 17 ايلول 1953 شكل الدكتور فاضل الجمالي وزارته الاولى ثم اعاد تشكيلها …