بدايات التعليم النسوي في العراق في العهد العثماني

زينب هاشم جريان
لم تترك حركة الإصلاحات العثمانية آثاراً واضحة في العراق، إلا في عهد مدحت باشا (1869-1872). ففي عهده جرى تطبيق قانون الولاية العثماني لعام 1864 ونال التعليم حصة الإصلاح. ففي عهده ظهرت بواكير التعليم الرسمي الحديث والذي تمثل بافتتاح عدد من المدارس الرشدية العسكرية والمدنية ليكون إيذاناً ببدء التعليم الرسمي الحديث في العراق.
على الرغم من صدور قانون المعارف في الدولة العثمانية عام 1869 والذي أكد ضرورة جعل التعليم إلزامياً للبنين والبنات على حد سواء، إلا أن افتتاح مدارس البنات في العراق قد تأخر حتى عام 1896. ففي ذلك العام جرى افتتاح أول مدرسة رسمية للبنات في مدينة الموصل في محلة “جامع خزام” وهي مدرسة رشدية تُدرّس فيها المواد الدراسية التي تُدرّس عادة في مدارس البنين، مع إضافة بعض الدروس التي تختص بها مدارس البنات دون سواها كالخياطة والتطريز والأعمال المنزلية وغيرها، وبسبب عدم توافر الملاك التدريسي للمدرسة اضطرت الحكومة العثمانية إلى تأمين ملاكها باستقدام مدرسات تركيات للتدريس فيها، ولم يتجاوز ملاكها التدريسي عن ثلاث معلمات عام 1907، وكان الإقبال عليها محدوداً، ولاسيما في السنوات الأولى من تأسيسها بسبب طبيعة المجتمع الرافضة لتعليم المرأة وقتذاك، فلم يتجاوز عدد الطالبات فيها بعد ثلاث سنوات من افتتاحها عن (20) طالبة فقط، وقد تضاعف العدد في السنوات اللاحقة ليصل إلى (107) طالبة عام 1907، وبذلك فأن ولاية الموصل قد سبقت ولاية بغداد في تأسيسها مدارس البنات، وينطبق الحال على ولاية البصرة التي كانت هي الأخرى قد سبقت ولاية بغداد في تأسيس مدارس البنات، إذ تأسست فيها أول مدرسة للبنات عام 1898. ففي ذلك العام جرى افتتاح أول مدرسة ابتدائية للبنات في محلة السيف بمدينة البصرة مركز ولاية البصرة. وأعقبها افتتاح مدرسة أخرى للبنات عام 1902 وهي مدرسة العشار الابتدائية الواقعة في ضاحية العشار بمدينة البصرة، وقامت بإدارتها معلمتان اثنتان عند افتتاحها.
يعود الفضل في افتتاح أول مدرسة رسمية للبنات في مدينة بغداد إلى الشاعر الكبير جميل صدقي الزهاوي الذي تقدم بعريضة إلى والي بغداد نامق باشا (1899-1902) يطلب فيها فتح مدرسة للبنات، ونال الطلب موافقة أعضاء مجلس المعارف، إلا أن أعضاءه قد اختلفوا في تحديد مكان إقامتها وحددوا عدة ضوابط في اختيار موقع المدرسة منها أن لا يكون إنشاؤها قريباً من منازل الأهالي التي تحوي على أشجار عالية بحيث تمكن الآخرين من التسلق عليها ورؤية الطالبات، وأن لا تكون نوافذها مطلة على الطريق، وقد رد عليهم جميل صدقي الزهاوي ساخراً بقوله: “هذه المطاليب تنطبق على منارة سوق الغزل”.
وعلى أية حال، فأن عام 1899 قد شهد افتتاح أول مدرسة للبنات في إحدى بيوت محلة الميدان ببغداد، وهي مدرسة رشدية سميت ((إناث رشدي مكتبي))، التحقت بها عند افتتاحها (95) طالبة، ثم ازداد العدد ليصل إلى (137) طالبة بعد خمس سنوات من افتتاحها، وقد تألف ملاكها التدريسي من أربع معلمات تحت إدارة السيدة أمينة خانم كمعلمة أولى.
اشتملت مناهج المدرسة الدراسية على إعطاء دروس نظرية، وعدد من الدروس العملية التي تتلاءم مع طبيعة التعليم النسوي.
على العموم أن المدارس الرسمية التي أُنشئت خلال هذه المرحلة لم يتجاوز عددها عن أربع مدارس حتى عام1908 موزعة على ولايات العراق الثلاث (بغداد والبصرة والموصل)، وسبق تأسيس المدارس الرسمية للبنات أن قامت الطوائف المسيحية بإنشاء مدارس البنات منذ أوائل القرن التاسع عشر، كما أسلفنا.
سارت عملية إنشاء مدارس البنات خلال العهد الدستوري بوتيرة بطيئة، إذ لم يزد عدد المدارس التي جرى افتتاحها في ذلك العهد وحتى نهاية الحكم العثماني عن خمس مدارس ليصبح مجموع مدارس البنات في عموم الولايات الثلاث تسع فقط، وإلى (13) مدرسة خلال العام الدراسي 1913-1914، والمدارس التي جرى افتتاحها في ذلك العهد، أربع في مدينة بغداد، فتحت إحداها في جانب الكرخ من بغداد والثانية في محلة البارودية والثالثة في محلة باب الشي والرابعة أُفتتحت عام1914 باسم مدرسة (الاتحاد والترقي)، وبذلك أصبح مجموع المدارس التي افتتحت في مدينة بغداد خمس مدارس أربع منها ابتدائية وواحدة رشدية. وبلغ عدد طالبات مدارس البنات في بغداد عام 1913 (540) طالبة، تقوم بتدريسهن (22) معلمة في العام نفسه، أما المدرسة الخامسة فقد افتتحت في مدينة الموصل، وعلى وفق ما ذكرته المصادر الموجودة فإنّ افتتاح المدرسة قد جرى بين عامي 1908 و1912، وقد بلغ عدد تلميذات المدرستين الرشدية والابتدائية ما يقارب (185) طالبة عام 1913 يقوم بتدريسهن ست معلما.
ولم تفتتح في ولاية البصرة أي مدرسة خلال العهد الدستوري وقد اكتفت الولاية بالمدرستين اللتين أنشأتا في مدينة البصرة، كما –أسلفنا-، إذ لم يتجاوز عدد طالباتهن عن (31) طالبة عام 1913 يقوم بتدريسهن أربع معلمات لكل مدرسة.
يتضح مما تقدم أن مدارس البنات التي افتتحت في أواخر العهد العثماني في العراق كانت قليلة، إذ لم يزد عددها عن (13) مدرسة وهو عدد مقبول بكل الأحوال نظراً لظروفه وقتذاك وطبيعة المجتمع المحافظة. وقد سبقت ولاية بغداد ولايتي الموصل والبصرة في افتتاح المدارس وسبق التعليم النسوي الرسمي في ولايات العراق الثلاث التعليم النسوي عند الطوائف المسيحية التي قامت بإنشاء مدارس البنات منذ أوائل القرن التاسع عشر في ولاية الموصل ومنذ منتصف القرن نفسه في ولاية بغداد وفيما يأتي جدول يبين توزيع المدارس وأعدادها وأعداد الهيئات التعليمية موزعة حسب ولايات العراق بغداد والموصل والبصرة حتى العام1914.
في غهد الاجتلال البريطاني للعراق لم تولِ سلطات الاحتلال الاهتمام بالتعليم النسوي في هذه المرحلة متذرعة بعدة أسباب منها عدم الحاجة إلى استخدام الإناث في دوائر الحكومة.
وأمام المطالب المتكررة بفتح مدارس للبنات لجأت سلطات الاحتلال في 2حزيران 1918 إلى افتتاح مدرسة ابتدائية للبنات في كربلاء بلغ عدد طالباتها (20) طالبة وعين لإدارتها مديرة ومعلمة واحدة، وكانت مناهجها الدراسية بسيطة لا تتعدى تعلم القراءة والكتابة والقرآن الكريم والتطريز والخياطة(.
وفي العام ذاته فتحت زهرة خضر مدرسة أهلية لتعليم البنات المسلمات في بغداد، وكان الإقبال على هذه المدرسة كبيراً، إذ تقدمت للتسجيل فيها (60) طالبة، انتظمن في ثلاثة صفوف شملت موادها الدراسية تعليم القراءة والكتابة والحساب والتدبير المنزلي.
لاقت هذه المدرسة معارضة كبيرة من قبل المحافظين حيث عدو تعليم البنات فيه إفساد للعقل ومضيعة للأخلاق(. واستمرت الدراسة فيها حتى عام 1920، وأغلقت بناءً على طلب نظارة المعارف.
أما في ولاية الموصل ففي 24 كانون الثاني 1919 قررت سلطات الاحتلال فتح مدرستين ابتدائية للبنات المسلمات الأولى حديقة المعرفة والثانية الخزامية، كما احتوت بعض المدارس الابتدائية للبنين على صف للبنات ومنها المدرسة الابتدائية في القرنة.
عن رسالة (التعليم النسوي في العراق 1921-1958)

اقرأ ايضا

تمثال الملك الاول بين الفن والسياسة

صادق الطائيلم تكن بغداد العثمانية تعرف النصب والتماثيل، لأنها ببساطة لم تكن تعرف الشوارع والساحات …