من الحسكة الى مدينة أسمها الديوانية

نبيل عبد الأمير الربيعي
تاريخ تمصير مدينة الديوانية غير مؤكد بسبب عدم توافر الوثائق لتأريخ المدينة, إلا إنها قديماً كانت أحد سناجق (الألوية) الدولة العثمانية الثمانية عشر (سنجق الرماحية), واستمرت المدينة على هذا الحال إلى سنة 1701م-1113هـ عندما فاض الفرات فيضاناً غير مألوف وقبل ذلك فُتح نهر ذياب (نهر الديوانية حالياً) سنة 1688م-1100هـ مما أثر على سنجق الرماحية والتي ظلت تصارع الدهر قرناً كاملاً قبل أن تندرس بشكل نهائي وينتقل عنها سكنتها, ونتيجة لتغيير مجرى نهر ذياب عام 1688م قلَّت أهمية الرماحية بسبب موت الأراضي الزراعية فيها وهجرة سكانها إلى منطقتي الحَسَكة ولملوم الواقعتين في سقي المجرى الجديد لنهر الفرات, ولملوم يرجع تأريخها إلى أنها من البلدان التي تأسست بعد خراب الكوفة وأصبح فيها العمران وأتخذها أمراء الخزاعل قاعدة لأمارتهم, ولهذا نقل والي بغداد مصطفى باشا (1699-1702م) مركز اللواء من الرماحية إلى الحَسَكة عام 1701م, وأحسن الأدوار التي مرت بها المدينة هي سنة 1100 هـ – 1135 هـ أي من 1688م – 1722م وذلك لما كانت مياه الفرات تتدفق على أراضيها عند فتح نهر ذياب, فتزرع أنواع الحبوب, وخاصة الشلب (الرز) بأنواعه, و يذكر صاحب (حديقة الزوراء في سيرة الوزراء للسويدي) إذ يقول: (وجاء إلى الحَسَكة, وهي أحسن ضياع العراق, وأنفع القرى على الاتفاق وذلك سنة 1117هـ -1670م), وبعد هذا التاريخ أخذ نهر الفرات (نهر ذياب) يتقدم إلى الجنوب كثيراً حتى سنة 1135هـ -1688م, شرع يدخل أهوار لملوم المنخفضة كثيراً, ثم أنساب إليها متدفقاً, وبذلك نزلت المياه وانخفضت عن مستوى الأراضي التي تحيط بالحَسَكة فغادر الكثير منها بذلك التاريخ (1135هـ -1688م) فدبَّ الخراب بالحَسَكة لانتقال الكثير من أهاليها إلى لملوم واستولى عليها الخراب سنة 1139هـ -1692م, وتدلنا الأخبار التاريخية أنها ظلت مدة تربو على خمسة قرون مدينة معروفة مرموقة ذات مركز إداري وتجاري واضح, وهناك أشارة تدل على أن تاريخ أنشأها يرتقي إلى القرن الرابع عشر الميلادي.
وذكر لونكريك في كتابه (أربعة قرون من تاريخ العراق) أن حاكم بغداد سار في سنة 962هـ -1554م إلى شهر زور, ترك وراءه (سهيل بك) حاكم سنجق الرماحية قائممقاماً في بغداد. مما يشير إلى أهمية المدينة, وعلوّ منزلة حاكمها فهو ينوب عن حاكم بغداد في غيابه. وهناك أكثر من واحد من مشايخ الخزاعل حكموا هذا اللواء في أزمنة متفرقة.
أما مدينة الحسكة فقد كانت قائمة سنة 1500م, يؤكد الباحث فيصل غازي الميالي إذ قال: “مما يعني إنها موجودة قبل هذا التاريخ بمدة لا نستطيع تحديدها, وإن تمصيرها غير مؤكد وليس هناك من المصادر أو الوثائق ما يؤكد ذلك “. إذ سكتت أغلب المصادر عن ذكر هذه الناحية عدا ما جاء بكتاب لونكريك (أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث) إذ قال: ” أن الفرات يمر من العرجة والسماوة ولملوم والحسكة”, والظاهر أنها كانت قرية خاملة الذكر ويعزى ذلك إلى أن هذه القرية لم يكن يمر بها مجرى نهر عام إلا أن فتح نهر ذياب عام1100هـ-1688م, قد ساعد على نموها فضلاً عن ذكرها في رحلات وسياحات الأجانب لمنطقة الحسكة والديوانية بعد سنة 1600م. ورد اسم الحسكة في النصوص العثمانية مستقلاً تارةً ومرتبطاً بواقع ومراكز إدارية تارة أخرى.
أن اقدم اشادة إلى الحَسَكَة (وردت من السالنامة العثمانية في احداث عام 1112هـ/1700م, وعنها نُقلت مجلة (لغة العرب) للأب انستاس ماري الكرملي ذلك دون الاشارة إلى المصدر, كان بصدد احداث هذا العام وطغيان نهر الفرات (السيل) الذي تستقي الحَسَكَة من نهرين متفرعين منه هما نهرا (ابو صايف) في الشمال ونهر (اليوسفية) في الجنوب.فقد سيطر زعيم الخزاعل الشيخ سلمان بن عباس على مقاطعات الرماحية وخالد كبشة والحَسَكَة وبني مالك, كما غمرت الفيضانات منطقة الفرات الجنوبي وعزلتها عن المناطق الأخرى, غير نهر الفرات مجراه القديم عام 1113هـ-1701م الذي كان يمر بالرماحية والذي تقع عليه بلدة الحسكة نفسها, وأصبحت موقعاً إدارياً وعشائرياً كبيراً.
أن أحسن الأدوار التي مرت بها الحسكة هي المدة من1100هـ-1688م إلى سنة 1135هـ-1722م وذلك لما كانت مياه الفرات تتدفق على أراضيها فتزرع أنواع الحبوب والشلب بأنواعه, وبعد أن خضعت الحسكة للحكم العثماني المباشر, نقل والي بغداد مصطفى باشا (دلتبان) سنة 1111هـ-1114هـ /1699م-1702م مركز اللواء (السنجق) من الرماحية إلى الحسكة أوائل ذي القعدة 1113هـ-1701م التي كانت ناحية تابعة لها.
أما اسم مدينة الديوانية فقد ظهر منذ نهاية النصف الأول من القرن الثامن عشر للميلاد, ذكر المحامي حسين علي الحاج حسن: ” أن اسم الديوانية ظل لصيقاً باسم الحَسَكَة من كل العهود, فمن الباحثين من يرى أن الديوانية هي ابنة الحَسَكَة الشرعية التي نمت في رحمها وقامت على انقاضها, وانها اسمان لموضع واحد تداولتها الألسن للدلالة على هذه البقعة الشريفة التي نسكنها اليوم, ويبدو المؤرخ الحاج وداي العطية الحميداوي اول المنادين بهذا الرأي في كتابه ذي الاهمية عن تاريخ الديوانية, غير أن هذا الرأي يعارضه أن الأشارة التاريخية الأولى إلى الحَسَكَة قد وردت مجردة من ذكر الديوانية, وانها سابقة على الأشارات التي جاء فيها ذكر الديوانية بحوالي نصف قرن, فأقدم اشارة إلى الحَسَكَة في المصادر التاريخية التي وصلتنا تعود إلى عام 1117هـ-1705م, وهي ما أورده السويدي في كتابه (حديقة الزوراء في تاريخ الوزراء), ثم تلاحقت بعد ذلك الاشارات اليها, أمّا أقدم اشارة إلى الديوانية فقد كانت تلك التي اوردها الرحالة ادوارد آيفز في رحلته إلى هذه الربوع التي نمت في عام 1754م, حين وصف المدن والبلدات الواقعة على طريقه من البصرة إلى بغداد وكان من بينها السماوة والملوم والديوانية”.
الديوانية هو المضيف أو القلعة التي أمر ببنائها على فرع نهر الحلة الشيخ (حمود آل حمد آل عباس) رئيس عشيرة الخزاعل عام1160هـ – 1747م, كان ذلك بسبب الصراع القائم بين قبيلتي الخزاعل بزعامة حمد أل حمود آل عباس والأ كرع بزعامة محمد آل حمد آل كروش وابنه شبيب, إذ كانت الأكرع تقيم على الجانب الأيمن لنهر الفرات, وقد اضطرت إلى بناء قلعة لها في الشمال الغربي من المدينة,تمَّ بناء المضيف من مادة الطين في الجانب الغربي من المدينة بواسطة الفلاحين لاستقبال الضيوف, وبالعُرّف العشائري يطلق على هذا المكان الديوانية, لأن المضيف آنذاك لا يبنى من الآجر وإنما من القصب فقط, وقد سميت تلك الدار بديوانية الخزاعل وبمرور الزمن غلبت عليها تسمية الديوانية.
وفي عام 1274هـ / 1857م عدَّت البلدة مركزاً لقضاء تابع للواء (سنجق)(23) الحلة, وأخذ القائمقاميون يتوالون على إدارتها, حتى سنة 1300هـ, إذ تحول مركز اللواء إليها, وصارت الحلة قضاء تابعاً لها, واستمر الوضع على هذا النحو حتى نهاية العصر العثماني, وكان يتبع قضاء الديوانية نواحي عدة منها: الدغارة, عفك, آل بدير, الفوار, الشافعية, شوفة المليحة(24) أي (السنية).
لكن عهد اندحار وانحطاط عشيرة خزاعة وعظمتها كان ذلك بعد القرن الثاني عشر الهجري كما ذكرها السيد الحسني, أي في عهد (كريدي آل ذرب) أحد زعماء خزاعة المتأخرين الذي دامت زعامته بعد وفاة أبيه في محرم عام 1267 هـ لعدة سنوات ثم مات في محرم سنة 1277هـ, كان أكثر خزاعة تسير تحت ركاب (وادي الشفلح) رئيس زبيدة كشبانة, تدفع لهم رواتب شهرية ما عدا (كريدي آل ذرب) وذويه في الشامية, فإنهم كانوا في نزاع دائم مستمر مع وادي الشفلح في الشامية والأنحاء الأخرى, إلا في فترة قصيرة من أيام (مطلق آل كريدي).
وقد اشتهرت مدينة الديوانية في العهود السابقة بمصطلح الحَسَكَه (الحسچـة) أي بمعنى (كلام عراقى يعتمد التلميح دون التصريح), وهذا الذي نراه مستنداً إلى أقوال المؤلفين من عرب ومستشرقين.
أول من ذكر مدينة الديوانية الشيخ رسول الكركوكلي من مؤرخي عهد المماليك في العراق (1749-1831م), فقد أشار في حوادث عام 1781م حينما جهز والي بغداد المملوكي سليمان باشا الكبير (1780-1803م) حملَّة عسكرية ضد قبيلة الخزاعل, وعندما وصلت قواته العسكرية إلى المدينة عسكر فيها لأراحة جنوده, وقد ذكر الرحالة البريطاني ايفز: الديوانية, كانت في عام 1758م عاصمة لحكومة الحَسَكة, إذ يقيم فيها نائب للوالي مهمته الإشراف على جمع الضرائب في المنطقة الممتدة من الحلة حتى البصرة, فضلاً عن مراقبته المشددة لمشيخة الخزاعل هناك.
عام 1274هـ -1857م تنفس أبناء الديوانية الصعداء بعد أن دبَّ الأمن في جانبي نهر الفرات, بعد التشكيلات الحكومية الجديدة واصبح في المدينة شبه استقرار أمني, عند تعيين شبلي باشا قائممقاماً للديوانية سنة 1275 هـ -1858م, فانتعشت النفوس للأمن السائد في ربوعها, ثم انتعشت الحياة بأكثر من قبل عندما نقل مركز اللواء من الحلة إلى الديوانية سنة 1310هـ (1893م), وأعيد بناء القلاع والمنشآت الحكومية على الجانب الغربي من المدينة, حتى احتلال بغداد من قبل القوات البريطانية في 11 آذار 1917, حيث عين الحاكم السياسي البريطاني في الديوانية في أيار 1917م.
عن بحث: مدينة الديوانية وعلاقتها الإدارية والاقتصادية بمدينة الحلة في موقع ( الحوار المتمدن)

اقرأ ايضا

تمثال الملك الاول بين الفن والسياسة

صادق الطائيلم تكن بغداد العثمانية تعرف النصب والتماثيل، لأنها ببساطة لم تكن تعرف الشوارع والساحات …