خزعل فاضل(رسالة للولف مني لوديه)

حيدر شاكر الحيدر
هكذا يحدثنا التاريخ عن مدينة السلام بغداد فقد كانت ولم تزل مدينة الغناء على مر العصور وظهر اكثر من اسم بمدينة الجمال والفن والعلم..
ولو اخذنا القرن العشرين لأتضحت لنا تلك الصور الاجمل وهي تحدثنا عن مدارس الغناء العراقي المتنوع فمن الغناء الديني الذي تسيد بريادته الملا عثمان الموصلي الى التغير النمطي الغنائي على يد الاخوين صالح وداود الكويتي وصولا الى مدارس اللحن العراقي الخالد.
هكذا كان الملحن الموسيقي خزعل فاضل اسما لامعا ضمن تلك الاسماء التي ذكرتها قصتي الجديدة عن هذا الرمزيستحق منا ان نقف بكل احترام لما قدمه للتاريخ الغنائي من جمال وابداع.
البدايـــــات
ولد الفنان خزعل فاضل عام 1929 بمدينة الكوت الا انه عاش وترعرع في بغداد وبين ازقتها المعروفة تحديداً بمنطقة الفضل التي سكن بتلك المنطقة اسماء لها الحضور الفني الذي تتذكره الاجيال امثال خزعل مهدي ومائده نزهت ومعظم مطربي المربعات البغدادية والمقامات العراقية وتعد الفضل من مناطق بغداد القريبة من المسارح والمقاهي التي عرفتها مدينة بغداد..
تشير المصادر ان الفنان خزعل فاضل بدأت ميوله للفن منذ ان كان يعمل بمحل حلاقة وكان صاحب المحل عازفاً على آلة العود فمنذ التاسعة من عمره دخل دورة يتعلم الاله على يد احد العازفين اليهود المتزاجدين في العراق ليتتلمذ على يده ويشترك بدورة مداها ستة اشهر في تلك الفترة غادر ماتبقى من اليهود العراق ومعلم خزعل فاضل منهم.
وتشير المصادر انه في العقد الخمسيني اتى الى بغداد الملحن سالم حسين الامير من مدينة الناصرية وليسكن المنطقة القريبة من الفضل وهو يحاول ان يتعرف على الموسيقيين واذا بسالم يتعرف على ذلك الحلاق الذي كان محله ملتقى الموسيقيين والمطربين ذلك هو الملحن خزعل فاضل.
تعرف سالم حسين على خزعل فاضل وبقية زملائه ومنهم خضر الياس وخضير الشبلي والمطرب رضا علي واسماء اخرى, كان محله ملتقى المبدعين تلك هي البدايات.
وفي تلك الظروف توفرت له بيئة الفن الغنائي والموسيقي, يذكر ان ااموسيقار سالم حسين باحدى كتبه اقترح على خزعل فاضل وبعد هجرة اليهود من العراق ان يترك الة العود ليتعلم العزف على آلة التشيلو.
تلك الالة التي تحتاج اليها الفرقة الموسيقية اضافة لوجود عازفين بارعين على الة العود امثال جميل ومنير بشير… لذلك وافق خزعل فاضل واقتنع بكلام سالم حسين فأشترى الة تشيلو من احد الموسيقيين اليهود الذين كانوا يرمون مغادرة العراق.
في العام 1948 اسس سالم حسين فرقة موسيقية من الهواة ليكون محل خزعل فاضل مكان لتدريب الفرقة ويذكر سالم حسين ان الفرقة ساهمت بحفلات خيرية للاطفال ولجمعيات الهلال الاحمر دون مقابل مادي وفي نفس العام وصل الى بغداد الفنان روحي الخماش قادما من فلسطين وحين قدومه لبغداد اقام روحي دورة لبعض الموسيقيين العراقيين ومن ضمنهم خزعل فاضل وكانت الدورة هي تعليمهم كتابة وقراءة النوتة الموسيقية ومن خلال الدورة اصبح خزعل فاضل يقرأ ويكتب النوتة وبمرور الوقت اصبح عازفا لآلات العود والكمان والتشيلو لفرقة الاذاعة والتلفزيون طيلة حياته الفنية اي منذ عام 1949 حتى وفاته سنة 1977 في تلك السنوات كانت الحركة الموسيقية والغنائية العراقية بتطور الا ان الفضل ومحل الحلاقة تظل علامات مضيئة بحياة هذا الفنان المبدع الحقيقي.
ان اسماء المنولوجست حسين علي وعازف الناي عدنان السيد كل تلك الاسماء ماهي الا بدايات ونهايات ساهمت بخلق مسيرة هذا الفنان البغدادي المميز, وتظل مناطق بغداد متمثلة بالفضل وباب الشيخ وشارع الكفاح ومدينة الكاظمية اماكن احتضنت الاسماء والالوان الغنائية العراقية المعروفة والتي مازالت الاجيال تعشق تراثها الاجمل.
خزعل فاضل ومدرسته الموسيقية
في عالم الموسيقى والتلحين منه بوجه خاص تبرز ابداعات الفنان الحقيقية فمن يتذكر خزعل فاضل لابد ان يعلم بقيمة ماقدمه للذائقة العراقية والعربية من اعمال غنائية ادتها اصوات انفرادية واعمال انشدتها فرق كورالية او مانسميه بالكورس كغناء الموشحات والاناشيد الوطنية والابتهالات الدينية ومن خلال ارشيف الفنان خزعل فاضل والمثبت بسجلات الاذاعة والتلفزيون نجد ان هذه الشخصية تنوعت بعطائها بتلحين الوان غنائية كنت قد ذكرتها فقد اعتمد وهو يصوغ الحانه على انغام الحجاز وللامي والبيات والرست والعجم لنتذكر اغنية ( حنه.. حنه) كنا نستمع اليها من خلال فرقة الانشاد العراقية فقد كانت من نغم الرست وفي اغنية ( رساله للولف من لوديه) بصوت هيفاء حسين يظهر لنا جمال نغم اللامي الذي عرف خزعل فاضل كيف يتعامل معه بتلك الجمل ذات السهل الممتنع والتي تستسيغها الاذن البشرية بجمال اللحن وبذلك الاداء الذي تميزت به هيفاء حسين بصوتها البغدادي العربي.
اما اغنية ( عروسه والحبايب زافيها) فكانت من نغم الرست الذي ابدع بتلحينها الكثير من الاغاني بذلك النغم.
وحينما نذهب الى اغنية ( تجونا لو نجيكم) نجد نغم الاوشار نجد الروعة بتلك الاغنية, وننتقل الى اغنية ( هلهلي بله يا سمره هلهلي) وهي تصاغ بنغم حجاز كار كرد.
ونحن نستذكر اغاني الراحل ناظم الغزالي واغنية ( يامرحبا بالزارنه) نجد ان نغم الرست قد حضر بتلك الاغنية.
ولكي لا ننسى رائعة من روائع الحان خزعل فاضل وهي اغنية ( مساء الخير يااهل المحله) ذلك الجمال النغمي بنغم الصبا.
اعمال خلدتها روح الجمال اللحني والتي صاغ كلماتها كبار شعراء الاغنية البغدادية امثال جبوري النجار وسيف الدين ولائي وابراهيم احمد وعبد الستار القباني / مال الله البياتي / حسن نعمه العبيدي / خزعل مهدي /محمد هادي / عبد الحميد الفتلاوي واخرون ممن كتبوا النص الغنائي..
اكثر من صوت غنائي كانت الحان خزعل فاضل حاضرة بمسيرته الفنية وهنا نظهر المطربة انصاف منير باغنية ( حيرني حبيبي) ويظهر المطرب داود العاني باغنية ( حنتها عجنوها) وهي من نغم النهاوند.
وقد يتبادر للقارئ او اي من الاصوات التي كانت قد حضرت بالحان هذا الموسيقار الارقى فنيا لابد ان نكون امناء على ذكر تلك الاصوات والمثبتة بسجلات الاذاعة نذكر هؤلاء عباس جميل / جميل قشطه / صلاح وجدي / هناء مهدي / محمد قاسم الاسمر / خالده عبد الجليل / محمد كريم / اضافة لكثير من الاعمال الدينية كاغاني رمضان او الاناشيد الوطنية التي ادتها مجاميع الكورس الاذاعي او فرقة الانشاد العراقية.
كل تلك الابداعات التي صنعتها اسماء واسماء لم تكن امام رسائل الاعلام العراقية التي كانت تكيل الكيل بمكيالين فقد كانت وماتزال تكنب وتطبل لفنان على حساب الاخر وهذه الامراض يبدوا انها مزمنة ولا ادري متى ننصف مبدعوا الغناء العراقي الذين نذروا حياتهم بخدمة الاغنية العراقية وهي تكتب بدءا من اغنية الطفل وصولا الى اغاني الكبار.
ويظل السؤال اين خزعل فاضل من تاريخنا الغنائي الخالد؟
تكون اجابتنا وفق تلك الاعمال الغنائية التي ظلت قصص جمال عراقية وذائقة اجيال كانت تعلم بقيمة مايقدمه للمستمع العراقي من روائع الاغاني بتفاصيلها.
خزعل مهدي لم يتاثر بأية مدرسة لحنية عربية بل اعتمد بتلحينه على روح الذائقة البغدادية الاجمل فقد كان مترجم واعي لتلك النصوص الغنائية بمفرداتها البغدادية الصرفة وهذه الميزة قد لا نجدها الا لدى القلة القليلة من الملحنين العراقيين الذين لم يتأثروا بمدارس مصر ودول الجوار كبلاد الشام او منطقة الخليج العربي.

اقرأ ايضا

تمثال الملك الاول بين الفن والسياسة

صادق الطائيلم تكن بغداد العثمانية تعرف النصب والتماثيل، لأنها ببساطة لم تكن تعرف الشوارع والساحات …