زهير الجبوري
لعل الحديث عن الشاعر الراحل موفق محمد يأخذنا منذ الكوميديا العراقية نهاية ستينيات القران الماضي، وصولا الى (عبدئيل) و(بالتربان ولا بالعربان) و(سعدي الحلي في جنائنه) ثم المجموعة الشعرية، وانتهاءً بـ(بين قتلين) الى تجربة التي افاضت الكثير في الشعرية العراقية، حيث كانت له اسلوبيته الخاصة وصوته المائز ولغته المعهودة، فهو من الجيل الستيني الذي تربى على قاعدة الشاعر الممتلىء والمطلع على الكثير من الثقافات والقراءات المتنوعة، ورغم انه يجيد كتابة القصيدة الشعبية بمهارة عالية، فقد ضمنها في كتابة الشعر الفصيح، لتعطي لونا خاصا به انطوى على اسلوب أدائي له خصوصيته في البناء والتلقي معاً..
اضافة الى اجادته في كتابة القصيدة المعاصرة، بكل ما تحتويه من تضمينات فنية عديدة في (الوزن والنثر والعبارات الشفاهية) فإنه يمتلك طريقة إلقاء خاصة لصوت نبري حاد، ساعده على الطريقة الأدائية في التأثير والتأثر، فكانت متعة الأصغاء لدى المتلقي مؤثرة جدا، بل اعطت جمالية اضيفت الى القصيدة ذاتها، بمعنى يمتلك شفرة الضربة الشعرية التي تبقى في ذهنية المتلقي او القارىء، لذا احسب ان ما قدمه جعله أكثر حضورا من بين اقرانه الشعراء.
الشاعر موفق محمد اشتغل على قصدية واضحة في تجربته، حيث كانت له مواقف من السلطة، فكرس اغلب كتاباته في تأجيج الحس المضاد عبر اسلوب خطابي حاد ما جعل الطبقة المضادة ذاتها تنجذب لما يكتبه، او بالاحرى يستقبلون قصائده بوصفها الصوت المساند للأنسان المنتفض والرافض، وهو امتداد لشعراء الحماس الذين تتحول قصائدهم الى مواقف تؤجج الشارع وتُصعد من حدته بخاصة الجيل الاخير من الشباب الذين افترشوا في ساحات التظاهرات؟؟
اما ما يخص حضوره الاجتماعي والتربوي، فقد اعطى بصمة كبيرة بين ابناء مدينته، فهو النديم والفكه وهو الاستاذ المربي والصديق، وكثيرا ما يحيطون به الأحبة من تلاميذه ليتذكروا المواقف والشواهد، ومن خلال هذه التجربة الواسعة في حياته الثقافية والتربوية، فقد صنفه النقاد بشاعر الألم العراقي وشاعر الوجع، ككل، يمكن تسميته بـ(الظاهرة السسيو ثقافية) لأنه من أكثر الشعراء او الادباء الذين قلبوا المعادلة حين جعلوا الأدب لكافة الناس لا لفئة النخبة، وقد ماشيته كثيرا وجلست معه كثيرا فوجدت له بصمات كبيرة بين ابناء مجتمعه وكذلك حضوره الكبير بين ابناء المدن الاخرى..
الشاعر موفق محمد لا يدون الاشياء بقدر ما يحمل من تلقائية فطرية، وكثيرا ما نجد أثره عند اقرب الناس اليه، ولي شرف الاحتفاظ بالكثير من تجربته الشعرية الممتدة لعقود، وحين طلب منه الشاعر العزيز عمر السراي (الامين العام في اتحاد ادباء العراق) ان يطبعوا له ديوانا شعريا كانت اجابته مختصرة أنا لا اجيد لملمة قصائدي اذهبوا الى زهير الجبوري، وبالفعل كانت لي مهمة جمع قصائده وارسالها الى اتحادنا العريق لتظهر له آخر تجربة، للشاعر موفق محمد حياة واسعة كرسها في مهنته التربوية والثقافية، والحديث يطول عنه غير اننا نختصر ذلك بكل ما قدمه في الساحة العراقية والعربية، رحمة الله عليه، سيبقى بيننا في كل ما قدمه وما تركه من أثر.
اقرأ ايضا
الفنان منذر حلمي, خفيف الظل حتى برحيله
بلقيس حميد حسنماكنت اتمنى ان أعيش لأرثي العزيز “ابو سلام”, الممثل المبدع والمخرج المسرحي, الفنان …