من تاريخ الصراع الديمقراطي في العراق..مذبحة أساتذة جامعة بغداد سنة 1956

د. ابراهيم خليل العلاف
كانت علاقة خليل كنه كوزير للمعارف اكثر من مرة مع اساتذة الجامعة: جامعة بغداد لم تكن على مايرام وقد كرهه الاساتذة وعرضوا به كثيرا وانتقدوه وكنت اشعر بذلك من خلال حديث استاذي الاستاذ الدكتور فاضل حسين عنه قبل 50 سنة وعندما كنت طالبا في قسم التاريخ بكلية التربية –جامعة بغداد 1964-1968 حيث كان يعرفه معرفة جيدة وكتب عنه ناقدا للسياسة التعليمية في العراق في جريدة (صوت الاهالي) سلسلة مقالات غفلا من التوقيع بعنوان:
” في شؤون المعارف ” اعطاني اصلها وقال انه هو الذي كتبها وقد اعطيتها للصديق المؤرخ العراقي الاستاذ الدكتور صباح ارميض القريشي للكتابة عنها. كما كان الدكتور فاضل حسين ايضا من الاساتذة الذين وقعوا على عريضة الاساتذة التي قدمت الى الملك فيصل الثاني وفيها يشجبون العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 وموقف العراق السلبي ويطالبون بالحريات السياسية وبالالتفات الى مؤهلاتهم والاستفادة من خدماتهم. وقد جاءت العريضة وسط سلسلة من الاضرابات الطلابية التي قام بها اساتذة وطلبة كليات جامعة بغداد. وقد اشار خليل كنه في كتابه (العراق امسه وغده) بالتفصيل الى هذه الحوادث وقال ان الاساتذة قالوا في عريضتهم الى الملك: ” وختاما –ياصاحب الجلالة – نود ان نعلن لجلالتكم ان الفئة المثقفة وخاصة من رجال التعليم يكونون جزءا مهما من هذا الشعب ولكنهم يشعرون انهم لم ينالوا العناية الكافية ولم تحاول السلطات الافادة منهم كما يجب “. ومن الذين وقعوا على العريضة كلا من الدكاترة والاساتذة خالد الهاشمي ومحمد ناصر وجابر عمر وعبد الرحمن البزاز. ويقول خليل كنه انه التقى بالاساتذة والمظاهرات قائمة وكان شديدا وقاسيا مع الاستاذ عبد الرحمن البزاز حتى انه قال له هل ان مايجري ينسجم مع رسالتهم التربوية؟ فأجاب الاستاذ البزاز ان بالوسع وضع حد لهذا الوضع اذا استجابت الحكومة الى بعض الشروط وعندها قال خليل كنه وزير المعارف للبزاز متسائلا اذا كان يعتقد انه الزعيم لهذه المظاهرات حتى يتقدم بهذا الاقتراح ثم انهى الاجتماع معلنا انه سيتخذ الاجراءات التي يمليها عليه واجبه كمسؤول.
واضاف ان احمد مختار بابان نائب رئيس الوزراء جاءه وعاتبه على موقفه من الاساتذة والبزاز بالذات وقال انه قام بتقديم اقتراح الى مجلس الوزراء يطلب فيه فصل بعض الاساتذة مع اخرين ممن اعتبرهم محرضين الطلبة على الاضرابات وصدر القرار بذلك ثم القي القبض على بعضهم من بينهم عبد الرحمن البزاز واجري التحقيق معهم. وبعد فترة حضر رئيس الوزراء الى مكتب خليل كنه في وزارة المعارف واخبره انه اوعز بنقل الاساتذة من بنجوين التي نفوا اليها الى تكريت لبعدها عن اهلهم ولبرودة الطقس فيها ورجاه الموافقة على اعادتهم الى بغداد لزوال الاسباب الداعية لابعادهم خاصة وانهم اصدقاءه فرفض عودة الاساتذة الى بغداد بهذه السرعة ورجا رئيس الوزراء نوري السعيد التريث بعض الوقت حتى تهدأ الاحوال في الكليات والمدارس.
وهنا طلب رئيس الوزراء تحديد مدة لذلك فقال خليل كنه شهرا فرد رئيس الوزراء وما الضمان انك توافق على عودتهم فقال خليل كنه اني على استعداد للذهاب بنفسي الى تكريت والعودة بهم الى بغداد وهكذا ذهب خليل كنه الى تكريت قبل انقضاء الشهر والتقى ببعضهم وهم:
الاستاذ عبد الرحمن البزاز والدكتور فيصل الوائلي والاستاذ حسن الدجيلي. قد ناقش خليل كنه معهم حيثيات ما جرى ةنقل اليه رأي رئيس الوزراء وعادوا في اليوم التالي الى بغداد.
كتب الاستاذ عبد الرحمن البزاز في كتابه (صفحات من الامس القريب ” ان الحكومة اضطرت على اعادتهم لكن خليل كنه ينتقده في كتاب (العراق امسه وغده) ويتهكم عليه ويقول انه بدا وقد قامت ثورة 14 تموز 1958 وكأنه هو من قادها وليس الزعيم عبد الكريم قاسم ثم تساءل قائلا: اين البطولة في أمر العريضة التي قدمها الاساتذة والتي اصبحت تلقب في بغداد ب (الماكناكارتا العراقية) تشبيها لها بالماكناكارتا البريطانية وختم حديثه بالقول ان الوقائع اثبتت فيما بعد ان العريضة كانت جزءا من مخطط قام به عبد الاله واحمد مختار بابان لحمل نوري السعيد على الاستقالة في هذا الظرف العصيب واشار الى اجتماع قصر الرحاب برئاسة الملك فيصل الثاني والامير عبد الاله ولي العهد وبحضور رؤساء الوزراء ورئيسي مجلسي الاعيان والنواب والوزراء ايذانا ببدء الحملة على نوري السعيد لاحراجه وحمله على الاستقالة ويعتقد كاتب هذه السطور ان تحليل خليل كنه لما حدث من اضرابات طلابية وتذمر الاساتذة ورفعهم عريضة الى الملك ليس صحيحا وبعيدا عن الواقع وان الاوضاع في العراق كانت مضطربة والوزارة السعيدية لم تستطع معالجة الامور وامتصاص النقمة الشعبية وان عريضة الاساتذة كانت – بحق – نابعة من نفوس صادقة بحب البلد والخوف عليه ومحاولة اقالة عثرات الحكومة التي ضربت مصالحه عرض الحائط وكان كل من يعرف تاريخ العراق يدرك بأنه مقدم على زلزال خطير وجاء الزلزال صبيحة يوم 14 تموز –يوليو سنة 1958 والذي اسقط النظام الملكي كله.
في دراستي السابقة المنشورة والمتوفرة عبر النت بعنوان: “ظاهرة فصل الاساتذة في العراق المعاصر ” وقفت عند حادثة عريضة الاساتذة وقلت: في 10 تشرين الثاني سنة 1956 قدم جماعة من اساتذة جامعة بغداد وعددهم (خمسة وخمسون) عريضة إحتجاج الى الملك فيصل الثاني ملك العراق انذاك 1953-1958، ومنهم الدكتور جابر عمر وعبد الرحمن البزاز وحسن الدجيلي والدكتور فيصل الوائلي والدكتور محمد علي البصام والدكتور عباس الصراف والدكتور عبد القادر احمد اليوسف والدكتور عبد الجليل الظاهر والدكتور مصطفى كامل ياسين والدكتور محمد ناصر والدكتور خالد الهاشمي وخضر عبد الغفور والدكتور احمد عبد الستار الجواري والدكتور فاضل حسين وذلك احتجاجا على موقف الحكومة العراقية من العدوان الثلاثي البريطاني –الفرنسي –الاسرائيلي من مصر في 29 تشرين الاول 1956 والذي وقع بعد تأميم الرئيس جمال عبد الناصر قناة السويس في 26 تموز 1956. وقد وقف الشعب العراقي ماعدا الطبقة الحاكمة الى جانب مصر، وحدثت مظاهرات واضرابات في جميع انحاء العراق، وعطلت الدراسة في جميع المدارس والكليات، ووقعت حوادث دامية في بغداد والنجف والحي والموصل. وقد اعتقل عدد من قادة الاحزاب المعارضة في سجن نقرة السلمان. كما أعلنت الاحكام العرفية، ومنعت الاجتماعات والمظاهرات.
ولم تكتفِ الحكومة بذلك – وكانت اذ ذاك حكومة نوري السعيد – بل قامت بفصل الاساتذة التسعة التالية اسماؤهم من وظائفهم وهم:
1.الدكتور جابر عمر
2.الاستاذ عبد الرحمن البزاز
3.حسن الدجيلي
4.والدكتور فيصل الوائلي
5.والدكتور محمد علي البصام
6.والدكتور عباس الصراف
7.والدكتور عبد القادر احمد اليوسف
8.والدكتور عبد الجليل الظاهر
9.والدكتور مصطفى كامل ياسين
كما احيل الخمسة الاولون من المجموعة الى المجلس العرفي العسكري وهم:
1.الدكتور جابر عمر (تمكن من الهرب الى سوريا)
2.الاستاذ عبد الرحمن البزاز
3.حسن الدجيلي

  1. الدكتور فيصل الوائلي
  2. الدكتور محمد علي البصام
    وحكم على الاربعة الاخرين بالنفي الى الشمال (بنجوين)، ونقل خضر عبد الغفور والدكتور أحمد عبد الستار الجواري من ديوان وزارة المعارف (التربية) الى التدريس في دار المعلمين الابتدائية.
    وقد اجتمع خليل كنة وزير المعارف مع بعض الاساتذة، ولامهم على عملهم واستدعى البعض الاخر ومنم الدكتور فاضل حسين لمقابلته في ديوانه على انفراد ولامهم ايضا على موقفهم في التحريض والوقوف الى جانب المتظاهرين من الطلبة والاساتذة وتقديمهم عرائض الاحتجاج على موقف الحكومة السعيدية من أحداث السويس في مصر.
    وكما اشرنا من قبل، فإن الحكومة ساقت بعض هؤلاء الاساتذة الى المجالس العرفية، واستحصلت على قرارات بوضعهم تحت مراقبة الشرطة ونقلت بعضهم الى مدن بعيدة فتعرضوا الى مخاطر صحية. ويقول عبد الرزاق الحسني ان الاستاذ عبد الرحمن البزاز كان من ضمن من نُفي الى تكريت وكان انذاك عميدا لكلية الحقوق وصدفة زارت العراق (المس طومسون) وهي صحفية اميركية تعرف البزاز منذ زيارته لاميركا فسألت عنه فقيل لها انه منفي ومتهم بالنشاط الشيوعي، وكان كل من يعرض الحكم الملكي يتهم بالشيوعية أو ما كان يطلق عليه “الفكر الهدام “، والبزاز معروف بأنه قومي عندئذ اضطر وزير المعارف خليل كنة الى السفر الى تكريت ليعيد البزاز الى بغداد وصحبه بعد هذه الفضيحة خوفا من ان تتناقل الخبر الصحف الاجنبية. ومع هذا فقد كان لاعتقال الاساتذة صدى كبيرا في خارج العراق فضلا عن الداخل.

اقرأ ايضا

العراق 1954- 1958:انتخابات 1954.. حقائق ونتائج

إيريك ديفيستقديم وترجمة: حسين كركوشأججت انتخابات عام 1954 ما كان موجودا من توترات داخل النخبة …