المؤرخ والصحفي سليمان الدخيل بين العراق ونجد

محمد بن ناصر العبودي


سليمان بن العالم صالح بن دخيل الجار الله، الذي كان – بحق – أول نجدي اشتغل بالصحافة حيث أقام في بغداد وأصدر مع عمه جار الله بن دخيل جريدة الرياض، وقد نوه بعمله هذا الكتاب الأوائل من أهل نجد، ولكن أكثرهم أهمل دور عمه جار الله في مساعدته في أن يكون الصحفي النجدي الأول.
وترجم له الكثير من الكتاب والمؤلفين سواء من أهل العراق أو من أهل نجد.
ولم يقتصر عمل سليمان بن صالح الدخيل على إنشاء جريدة الرياض ومجلة الحياة في بغداد بل كان يكتب مقالات في مجلة (لغة العرب) التي كان يصدرها انستاس ماري الكرملي في بغداد واستمرت تصدر مدة طويلة.
وبمطالعة ما كان يكتبه فيها سليمان الصالح الدخيل تبين أن فيها معلومات جمة مفيدة عن بلادنا في وقت كانت المعلومات عنها شحيحة، بل نادرة ولكن يلاحظ أيضًا أن في بعضها مبالغات تذكر غير الواقع من ذلك ما ذكره في العدد الأول من مجلة الغة العرب الصادر بتاريخ تموز ١٩١١ م، من كثرة الذين يعرفون اللغات الأجنبية في القصيم: فتجد إذا دخلت بلدهم هذا يتكلم التركية وذاك يكلمك بالفارسية وآخر يتكلم بالإيطالية.. الخ.
وبعد أن سودت شيئًا من التعليق على ذلك قرأت بحثا للباحثة (فاطمة المحسن) التي تقيم في لندن نشر في جريدة الرياض الصادرة في يوم الخميس ٢٧ ذي القعدة عام ١٤٢٣ هـ الموافق ٣٠ يناير عام ٢٠٠٣ هـ (عدد الجريدة ١٢٦٣٨) فرأيت أنه بحث ما يتعلق بالمذكور بحثًا مستفيضًا من أحسن ما قرأته عنه قالت الباحثة:
في تراجم أدباء العراق مطلع القرن العشرين يتردد اسم سليمان الدخيل الأديب النحرير والمؤرخ الخطير والصحافي القدير، حسب تعبيرات ذاك الزمن، وسليمان الدخيل يمثل أحد أوجه الإفصاح عن تعددية الأصول والمنابع واختلاف الاهتمامات في الثقافة العراقية عند مفتتح القرن المنصرم، فقد أسهم في (لغة العرب) مجلة الأب انستاس الكرملي منذ صدور العدد الأول ١٩١١ م، متتبعًا منهج المؤرخ والعارف والمهتم بطبوغرافيا البشر والقبائل في الجزيرة العربية والعراق، وتلك كانت من المواضيع التي أولتها المجلة اهتمامًا يضارع انشغالاتها التأسيسية الأخرى في معرفة الأصول اللغوية والأثنيات والطوائف في بلاد ما بين النهرين، كما يتردد في كتابات مطلع القرن.
اختلاف الدخيل عمن سواه من الكتاب العراقيين، ينبع من أصوله النجدية، حيث أعاد إنتاج ذلك الانتماء معرفيا من دون أن يركنه زاوية معتمة في حياته ليظهر على هيئة ولاء ضيق الأفق، على هذا استطاع أن يجد مكانة منفردة بين أدباء وباحثين معظمهم من بغداد ومن المدن الرئيسية.
يحتاج سليمان الدخيل للتعريف به، ما يشبه التفرغ والمؤسف أن القارئ خارج العراق يلقي العنت في الحصول على كتبه التي نشرها في بغداد، شأنه شأن الكثير من أدباء وصحافي مطلع القرن العشرين الذين طواهم النسيان مع كل الجهود التي بذلوها.
برز الدخيل في وقت بدت فيه الثقافة العراقية مقبلة على نهضة لا تنبع قيمتها مما شهدته من تطور في ميدان الأدب حسب، بل من اتساع أفقها الفكري واستيعابها مكونات مختلفة من الآراء والأفكار، وظاهرة سليمان الدخيل في تلك الثقافة تعكس أحد أوجه التنوع المعرفي الذي يتجه عمقًا نحو تعريف الهوية والانتماء إلى المكان، فقد سجل سابقة في ميدان دراسة القبائل وعاداتها وطباعها وطرق انتقالها من حياة البداوة إلى التجمعات المدنية والإمارات والممالك.
الدخيل في جهده هذا أكثر من مؤرخ أو ملاحظ عابر في أحوال القبائل وأصولها، بل هو أميل إلى الحكماء الذي يجمع خبرة التناقل الشفاهي للأنساب التي يجيدها من انتمى وعاش في مجتمع قبلي، إلى ثقافة وقوة ملاحظة اكتسبها من التعليم والمطالعة والسفر ومعرفة قيمة الجغرافيا وأبعاد التوزيع السكاني والقدرة على المقارنة بين المجتمعات، سبق للدخيل أن طاف البلدان العربية وذهب إلى الهند وتركيا، ودرس ببغداد وهو صغير السن على يد محمود شكري الألوسي أحد بناة النهضة العراقية من رجال العلم والدين.
لعل مفارقة عراقية الدخيل تحمل دلالة تشير إلى ما يمكن أن نسميه المادة الغفل في دراسة طبوغرافية تلك الثقافة، فهي تساعد الناظر على التوصل إلى معاني ظاهراتها وبينها تمثلات الهوية الوطنية، فالدخيل الذي يفاخر بنجديته وانتسابه إلى المكان الذي يسميه باعتزاز كبد جزيرة العرب: القصيم، لا يجد المتابع سيرته التي سجلتها كتب الأدب العراقي، صدي يذكر لتلك المعلومة، حيث لا يتوقف الكتاب أمام هذه الملاحظة، قدر ما يؤكدون عراقية له غير منقوصة.
ولا يمكن أن نفهم تلك المفارقة إلَّا في إطار نوازع أناس تعودوا استيعاب الاختلاف في الأعراق على نحو ربما لا يشبه البلدان العربية الأخرى فالمتابع أدب تلك الفترة يستطيع أن يصل بأصول الكثير من كتَّاب العراق إلى ما لا حد له من الأعراق والمنابع غير أنه سيكتشف أن الانصهار والتواجد بداهة لا يتوقف عندها الدارس، وفي الظن أنما يعزز عراقية الدخيل أن معظم قبائل العراق وقتذاك هي من هجرات الجزيرة العربية سواء تلك التي استوطنت الجنوب أو الشرق حيث تمركز القبائل.
سليمان الدخيل، بإضافة إلى مساهماته الأدبية والتجارية أوكلت إليه مراكز إدارية مرموقة كقائمقام لعدد من المدن، ومدير ناحية وغيرها من المناصب على عهد الدولة العراقية الناشئة إبان العشرينات.
ولد الدخيل في القصيم العام ١٨٧٣ م، من أب هو صالح بن دخيل بن جار الله النجدي الذي وفد إلى العراق وسكن وعائلته الجنوب في منطقة على الأرجح تقع قرب الناصرية التي ستصبح القبائل المحيطة بها، موضع دراسة سليمان بعد أن أضحت تلك الديار موطنه الثاني، ومن تقصيه أوضاع مدينة سوق الشيوخ وما حولها، تلمس تلك المحبة التي غمرت قلب الصغير لتتمثل في عقل الباحث رغبة في معرفة منطقته على نحو علمي.
نشأ الدخيل كما يبدو في عائلة مهتمة بالعلم والمعارف، فوالده صالح بن دخيل نشر مقالات في مجلة (المقتطف) المصرية دفاعًا عن المذهب الوهابي الذي كان محاربًا من الباب العالي في الاستانة، وكان الوالد على سعة عيش مكنته من بعث ولده إلى بغداد للدراسة وهيأ له من أسباب العلم والسفر والتفرغ إلى الأدب والتأريخ ما أغناه عن العمل مطلع شبابه.
أسهم الدخيل في الحياة الأدبية العراقية وهو في عشرينياته، وأصدر جريدة الرياض، الأسبوعية (٨ كانون الثاني ١٩١٠ م) بمعية الصحافي العراقي المعروف إبراهيم حلمي العمر، وكان الأخير مواليا الإنكليز في سوريا وتحول عنهم في العراق، أصدر الدخيل بعد سنتين مجلة (الحياة) بمساعدة العمر أيضًا، بيد أن المجلة لم تعمر طويلًا، ومن توقيع الدخيل على مقالاته في مجلة (لغة العرب) تدرك أن جريدته استمرت إلى فترة طويلة، وكان يهتم بتواتر اسمه على النحو التالي:
سليمان الدخيل صاحب جريدة (الرياض) ومنشئها.
بين كتبه المنشورة في بغداد والبصرة كما يرد في كتاب مير بصري عن أعلام الأدب العراقي: (عنوان المجد في تاريخ نجد ١٩١٠) (الفوز بالمراد في تاريخ بغداد) ١٩١١ (والعقد المتلالئ في حساب اللآلي) “تحفة الألباء في تاريخ الحساء ١٩١٣ هـ، (الوهابية) ١٩١٤ (القول السديد في أخبار إمارة آل رشيد) ١٩١٦). ولعل ما يلفت النظر في مقالاته، أسلوبه الممتع الطلي الذي يبث فيه الرأي الشخصي سواء كان موضوعيًا أو منحازًا من دون أن يترك عند القاريء سوى الإعجاب بمعلوماته الغزيرة وقوة ملاحظته واهتمامه بالمستقبل عند الحديث عن الماضي، فهو إذ يرصد التعليم وانتشار المعرفة، وبداية الاتصال بالعالم بين تلك القبائل، يتتبع الصراع الضاري على السلطة والرياسة، في عودة إلى أصول تبدو أقرب إلى المباحث التي تهتدي بما وضعه ابن خلدون موضع الاهتمام في الربط بين التقدم وحاجات الاقتصاد ونزعة الاستقرار.
عن كتاب (معجم أسر بريدة)

اقرأ ايضا

العراق 1954- 1958:انتخابات 1954.. حقائق ونتائج

إيريك ديفيستقديم وترجمة: حسين كركوشأججت انتخابات عام 1954 ما كان موجودا من توترات داخل النخبة …