الفاو.. التسمية والبدايات

الفاو.. التسمية والبدايات

طالب جاسم محمد الغريب

تسمية الفاو

اختلفت الآراء في أصل تسمية الفاو فهناك الرواية المحلية التي نقلها لنا حامد البازي مفادها ان سفينة اسمها (الفاو) كانت تابعة لأهل الديلم جاءت إلى تلك المنطقة لتحميل التمور وصادف ان هبت رياح شديدة أدت إلى غرق السفينة في نهر المهلبان فاخذ الناس يطلقون على المنطقة اسم الفاو فيقولون (محل غرق الفاو) ثم حذفت لفظة غرق لتبقى الفاو ثم سميت المنطقة كلها بهذا الاسم)،

أما سالم المبادر الذي اعتمد على الدكتور مصطفى جواد فقد أكد ان كلمة الفاو كانت في الأصل الفأو وتعني الأرض المكشوفة للناظر أو الأرض المحصورة بين مرتفعين.

ان الدكتور القهواتي يثير الشك في هذه الاجتهاد لكون تسمية الفاو شاعت بعد بناء محطة التلغراف في عام 1861، وان شك الدكتور في محله إذ ان البريطانيين كانوا يطلقون على الفاو، باللغة الانكليزية، كلمة (FEW) أي انها تتألف من ثلاث كلمات فالحرف F يعني (Flat) أي المنبسط والحرف (E) ويعني (Earth) الأرض و(W) ويعني (Water) الماء ومن هنا فان كلمة (few) أي تعني الأرض المنبسطة على الماء وهذا المعنى قريب من مصطلح الدكتور مصطفى جواد ثم حورت الكلمة الى (Faw) ثم إلى(Fao).

هذا من ناحية التسمية أما لمن تعود الفاو هل كانت قديمة في نشأتها؟ أم كانت تابعة إلى منطقة المعامر التي تقع شمالها؟ وما اسمها قبل تسميتها بالفاو؟ كل هذه التساؤلات يمكن الإجابة عليها من خلال تتبع التكوين التاريخي لهذه المنطقة.

كانت الفاو تابعة إلى المعامر التي هي بمثابة مراعي إلى الأخيرة وكانت تسمى (بالدكاك) (4) وملتزمة من لدن عائلة السعدون.

كما كان هناك اختلاف في التسمية اذ ثمة اختلاف في تاريخ وصولها الى عائلة الصباح فقد أشار أدموف خطأ عندما قال في كتابه: ((ان انتقال حيازة الأراضي في الفاو إلى عـائلة الصباح عام 1871 عندما ساعدت العائلة الحملة العثمانية على الإحساء).

فقد فند الدكتور القهواتي هذا الرأي وأتى برأي أكثر واقعية يتركز على ان أراضي الفاو قد انتقلت حيازتها إلى العائلة قبل هذا التاريخ، وبالذات عام 1834 وهو العام الذي التجأ فيه راشد ناصر السعدون إلى عائلة الصباح وما قدمته العائلة اليه من كرم الضيافة عندما كان مستجيرا بها فأهدى راشد مقابل ذلك احوازا ثلاثة جنوب المعامر إلى عائلة الصباح.

وقد أعتمد الدكتور القهواتي على الرواية المحلية التي نقلها الحيدري في كتابه عنوان المجد الذي فرغ من تأليفه عام 1869 والذي أكد فيه ان ((الفاو.... كان من توابع المعامر التي هي ملك النجيب راشد السعدون والد الكريم ناصر فأكرمه راشد المشار إليه إلى شيخ الكــويت والان جميع الفاو في تصرف شيخ الكــويت).

كما يشير المؤلف في مكان اخر إلى ان ((المعامر كانت أرضا خالية عن الغرس فاشترى راشد السعدون والد ناصر من بيت المال وعمرها سنة ألف ومائتين وست وعشـرون...... وأكرم الفاو على شيخ الكويت و هو اخر العمرات ويمتد إلى البحر)).

ولم ينفرد الحيدري في هذه الرواية فقد سبقه في ذلك خورشيد افندي الذي زار المنطقة خلال عامي (1849 ـ 1852) إذ أكد في قوله: ((ان مقاطعة المعامر على الضفة اليمنى لشط العرب والتي هي جزء من ولاية البصرة فيه تابع إلى إدارة الكويت)) ومن هنا يمكن الاستنتاج ان كلمة الفاو لم تأت في تقرير خورشيد وانما هي حديثة بالنسبة إلى زيارته.

كما اتفق معه في هذه الآراء الانصاري الذي انتهى من تقديم تقريره عام 1869 إذ يشير الى ان ((ما يلي المعامر الفاو المنسوبة لأهالي الكويت وما بعده قرية الى جريان ماء البحر المالح الأجاج))

كما يبين لنا الرا شد اختيار عائلة الصباح أراضي الفاو اذ يؤكد على انه: ((عرض عليه بعد ان رجع إلى مقره المعامر بأسرها أو ثلاثة احواز الفاو مكافأة من أفضاله فاختار الثلاثة الاحواز)).

من هنا فان ارض الفاو كانت خالية من الزرع وفي نظام الأراضي في الدولة العثمانية تعد من ممتلكات بيت المال منح الوالي في البصرة صلاحية ان يمنح الأراضي التابعة إلى بيت المال إلى من يرغب استثمارها من خلال نظام الالتزام وفي ضوء ذلك النظام منح الوالي العثماني أراضي المعامر إلى راشد السعدون وبذلك أصبحت المناطق الجنوبية من المعامر خاضعة إلى هذا الالتزام وعندما انتقلت الأراضي الجنوبية من المعامر إلى عائلة الصباح من خلال تنازل بيت السعدون أصبحت تلك الأراضي ملتزمة من لدن عائلة الصباح مباشرة مع السلطات العثمانية.

اقتراح انشاء فرع للقنصلية البريطانية

في نهاية عام 1893 اقترح الرا ئد موكلر المفوض في بغداد تعيين موظف من محطة التلغراف البريطانية في الفاو ليكون ممثلا قنصليا لبريطانيا هناك ولاسيما في فصل تصدير التمور أي في الاشهر التاسع والعاشر والحادي عشر.

وكان السبب في طرح مثل هذه الفكرة هي الضغوطات التي كانت تتبعها السلطات العثمانية ضد السفن الهندية البريطانية التي تدخل شط العرب.

وقد وافقت الحكومة البريطانية على مقترح موكلر وخصصت مبلغ 30 جنيها إسترلينيا في العام كمكافأة لهذه الوظيفة.

وفي عام 1896 اصدر موكلر أمرا إداريا بتعيين منجافش التابع لقسم التلغراف الهندي البريطاني ليكون ممثلا قنصليا لبريطانيا في الفاو.

رفضت السلطات العثمانية هذا الإجراء وفي الثاني والعشرين من أيلول من العام نفسه قدمت الحكومة البريطانية مذكرة إلى السلطات العثمانية تؤكد فيها في حالة عدم موافقة الأخيرة فان السلطات البريطانية سوف ترسل سفينة حربية بريطانية إلى الفاو لحماية المصالح البريطانية، وفعلا بعد شهر من رفع المذكرة أرسلت السلطات البريطانية سفينة لابونج.

وفي الوقت نفسه سحبت السلطات البريطانية الطلب الخاص في انشاء فرع قنصلي بريطاني في الفاو بعد ان تلقت تأكيدات من الباب العالي بشان معاملة السفن الهندية البريطانية معاملة حسنة الا ان السفينة لابونج بقيت قرب الفاو حتى آذار عام 1897 وبعدها سحبت بعد ان حققت الهدف الذي أرسلت من اجله وفي الوقت نفسه أقيم مركز مراقبة على شكل سفينة شراعية خشبية تحمل ثلاث بنادق بالقرب من الفاو.

عن شبكة البصرة الثقافية