المقام العراقي في الموصل وذكريات الفنان إسماعيل الفحام

المقام العراقي في الموصل وذكريات الفنان إسماعيل الفحام

د. عمر الطالب

كانت بداية اسماعيل الفحام الأولى في تعلم المقام مع ضابط متقاعد في الجيش التركي يدعى (يونس الخناس) يؤدي المقام وعالم فيه، علمه يونس الخناس التكبير على منارة جامع حمو القدو، وكان سيد إسماعيل صبياً سمعه سيد أحمد الموصلي المعروف (بابن الكفر) ذات يوم وهو يكّبر فوق منارة الجامع، جذبه صوته، وأعجب به أيما إعجاب، رآه خال سيد إسماعيل يصغي، سأله:

ما الذي أتى بك إلى هنا؟!.أجاب سيد احمد:جذبني صوت هذا الصبي، إنه يحسن التكبير ويجيد المقام في أدائه احتضنه سيد احمد وعلمه أصول المقامات، وكان سيد إسماعيل في الثانية عشرة من عمره أحب السيد إسماعيل الفحام أداء المقام فلم يكتف بما أخذه عن سيد احمد وإنما أخذ عن سيد أمين الموصلي وسيد إبراهيم ياسين وعبد الرحمن التوتونجي وأعجب بالملا عثمان الموصلي وسهيل أغا الموصلي أدى سيد إسماعيل الفحام جميع المقامات بمستوى رفيع واستوى مؤدياً للمقام له أسلوبه الخاص في أدائه وسعى إلى تطوير المقام بالإكثار من الانتقالات حبه وزاد فيه قطعاً وأنغاماً جديدة فقد أدخل العتابة على السيكاه وادخل الغزازي والعتابا على الرست وادخل المثيوي في الرست أيضاً وادخل القطر في السيكاه وادى الخنبات (الفوريز) ولم يكن يؤدية أحد غيره، كما أدى المخالف البغدادي وأدى المقام على الطريقة البغدادية وادخل المخالف البغدادي في مقام المخالف الموصلي، وكان يتصرف بالمقام ثم يعود إلى المقام ذاته، وأجاد تأدية العتابة والأبوذية والسويحلي والنايل إلى جانب المدائح النبوية والتنزيلات والمدائح العلكاوية وقراءة القرآن، وأعجب بسيد سلمان القندرجي ومحمد الكبانجي، وأجاد غناء البستات وأدى أغاني سليمه باشا وأدور وتقاطيق أم كلثوم، وأجاد في أداء الأدوار المصرية ولا سيما أدوار عبد الحي حلمي والشيخ الصفتي وسلامة حجازي وداود حسني وسيد درويش، وغنى لمحمد عبد الوهاب (سبع سواقي، وخايف أقول اللي بقلبي) وغنى لسيد درويش من الموشح (يا عذيب المرشف، ويا شادي الألحان) وطقطوقة (مّرج عليّ بابا مار وحشني السينما) و (ضيعت مستقبل حياتي) وغنى أغاني سلامة حجازي مثل : من كنت في الجيش، وسلام على حسن) وغنى المربع وأجاد غناء (نوبه أكفر نوبه أقول التوبه) و (اميايع ليش ويانا) للحاج زاير.

وهو السيد إسماعيل بن السيد خليل الفحام اشتغل والده فحاماً إلى جانب ممارسة هوايته في صيد السمك، ولد إسماعيل عام 1905في محلة (الميدان) قرب جامع (حمو القدو)، ودخل الكتاب والمدرسة الابتدائية إلا أنه لم ينه دراسته فيها ترك المدرسة وهو في الصف السادس الابتدائي بدأ حياته العملية صانع (كباب)، وانتقل إلى سائق حادلة في مديرية الأشغال، ومنها إلى مراقب مرآب فيها وبقي في عمله هذا إلى أن أحيل على التقاعد هام 1971، وعاش على راتبه التقاعدي وراتب أعطته إياه نقابة الفنانين في الموصل. وقد أحب إسماعيل الفحام المقام منذ عام 1918 أي حين كان في الثالثة من عمره، وكانت ليلة أقام فيها الجيران حفلة زواج تبارى فيها المغنون وتمنى الفحام لو كان معهم، وأكمل حفظ القرآن عام 1925وقد عاصر ثلاثة من القراء البارزين هم سيد أحمد عبد القادر وشقيقة سيد أمين وسيد سلمان القندرجي ويرى الفحام بأن سيد احمد كان مطوراً للمقام. ويعد ملا عثمان صاحب الفضل الكبير على المقام وامتنع إسماعيل الفحام من تسجيل صوته على الأشرطة خشية الابتذال إلا أنه وافق على ذلك حين افتتحت محطة تلفاز الموصل عام 1968 وسجل قصيدة احمد الفخري (الجد) والتي مطلعها:

تلك الديار وهذا الوجه قد حضرا فخلني أقضي منها في الهوى وطرا

وبعدها شرع في تسجيل صوته فسجل حوالي مائة ساعة من المقامات والأغاني ويعدها كل ما يملكه من تراث موسيقي في حياته.

واعجب إعجاباً بيوسف عمر وأداءه المتميز. رفض سيد إسماعيل المدرسة الحديثة في الغناء والتي أنشأها الموسيقار محمد عبد الوهاب وكان في اعتقاده أن عبد الوهاب وفريد الأطرش أفسدا الغناء العربي، وكان يجد نفسه أعلى مستوى من غناء اسمهان وليلى مراد ورجاء عبده من مغنيات ما قبل ثورة يوليو المصرية 1952رفض سيد إسماعيل احتراف الغناء، ولم يرض تسجيل أية أغنية على الاسطوانات، وقد عرض عليه (جاقماقجي) صاحب شركة الاسطوانات التي تحمل إسمه أن يسجل له اسطوانات وأغراه بالمال غير أن سيد إسماعيل رفض تسجيل أغانيه وكان يردد:كل من إحترف الغناء مات جوعاً كما يرفض أي تسجيل وهو يغني أو يقرأ مولداً، وعندما يدخل المكان يطلب إلى ابنه (حازم) أن يفتش المكان خشية أن يخفوا مسجلاً في مكان ما وحدث مرة أن وجد ولده مسجلاً في منارة الجامع الذي كان مقرراً أن يقام فيه المولد فخرج مسرعاً دون قراءة المولد.

ولم يتقاضى مالاً عن الغناء في أية حفلة غنى فيها. غير أنه تقاضى مالاً عن المولد التي كان يقيمها:لأنه لا يريد حرمان مشاركيه من قراءة المولد والتنزيلات من أجورهم وجعلهم فقراء بحاجة إلى مثل هذه الأتعاب.

وأقام سيد إسماعيل جلسات الذكر في رمضان والمناسبات الدينية.وكان في رمضان يكبر كل يوم في جامع. لم يترك سيد إسماعيل تلميذاً في أداء المقام بمستواه وقدرته على الأداء، أخذ عنه (يونس إبراهيم كني) إلا أنه فشل في مجاراته وأداء المقام بمستواه من الناحية الفنية والتمكن في المقام وقد ترك سيد إسماعيل تلاميذا أخذوا عنه المناقب النبوية مثل: محمود الحائك، وملا يحيى أيوب، ويونس إبراهيم كني، وملا عزيز احمد، وصابر سعيد، واحمد إسماعيل الصوفي، وذنون احمد الكواز.

وتكون التخت المصاحب له في الغناء من حكمت سيف الدين على العود وغانم يحيى على الكمان وزكي إبراهيم على الإيقاع، وصاحب أيضاً رشاد عبد الله على العود وإدريس ساعاتي على الإيقاع وأيوب حسين وإسماعيل حسين على العود والكمان. وصاحبته فرقة التربية في مهرجانات الربيع وف آخر أغنية غناها في التلفاز وكانت بعنوان (من دوحة المجد) شعر معد الجبوري أداها على مقام الأوج. كما رافقه على العود محمد شيت وعلى الجنبش عبد الجبار خليل وعندما كان يغني في بغداد يصاحبه الجالغي البغدادي.

حفظ سيد إسماعيل أكثر من ألفي بيت من الشعر والعديد من الزهيريات والابوذية والعتابا وكانت له قدرة ممتازه على حفظ ما يعجبه من شعر فصيح أو عامي.غنى من الشعر القديم للشاب الظريف والشريف الرضي وابن زريق البغدادي وعمر بن الفارض والمتنبي وابن نباتة المصري والبهاء زهير وكاظم الأزري والحاجري، وغنى من شعراء الموصل لأحمد أفندي الفخري وفاضل الصيدلي وحسن الصيدلي ومعد الجبوري وشعراً عاميا لعبد لمحمد علي. كما غنى زهيريات لأحمد الخجاوة وابن الخلفة.

أصيب سيد إسماعيل بعجز في القلب ورقد في الدار إلا أنه بقي قادراً على استقبال زواره وأصدقائه قبل وفاته بأسبوع فقد القدرة على تمييز أصدقائه ووافاه الأجل في 6/5/1990 وقد تمكن بعض المعجبين بأدائه للمقام من تسجيل مقاماته وأغانيه ومواله على أشرطة تسجيل غير أنها سجلت بشكل عفوي، يتجنب الإتقان في كثير من الأحيان أثناء الأداء.

عن موسوعة اعلام الموصل في القرن العشرين.