من اوراق صادق الازدي ..البغداديون في مواجهة الشتاء

من اوراق صادق الازدي ..البغداديون في مواجهة الشتاء

الدار البغدادية- معظم البيوت البغدادية مقسمة إلى حرم وهو مسكن النساء والديوخانه وهو المحل الخارجي من البيت ويجتمع به أبو البيت مع أصدقائه. كما أنها تتألف من طابقين يشتمل الأول على مدخل الدار وتكون باب الحوش (طلاكة)

واحدة كبيرة منقوشة بالمسامير الكبيرة ثم تغيرت إلى (طلاكتين او فردتين) ثم المجاز وهو الذي يصل بين مدخل الباب وفناء الدار وغالبا ما تكون في المجاز دكتان واحدة على اليمين والثانية على اليسار والمألوف أن يفرش أبو البيت وابنه البكر على كل دكة حصيرة خيزران لقضاء فترة القيلولة بالاستلقاء عليها ويغطي كل منهما جسمه بغطاء من قماش خفيف واضعا على وجهه المهفة اليدوية بعد أن يغلبه سلطان الكرى.
بيت الحبوب- يواجه المجاز محلا خاصا فيه محامل خشبية مصنوعة من خشب التوت على كل محمل حب مصنوع من الطين المخفور ويغطى بـ(قبغ) من الخشب (غطاء) كما يوضع تحت كل حب إناء صغير وهو من الفخار يسمى (بواكه)ويوضع في بيت الحبوب هذا، عدد من الحباب يتناسب مع عدد سكان الدار حيث تقسم مجموعة الحباب إلى قسمين: قسم للاستعمال اليومي وقسم يدخر لليوم التالي حتى يبرد (مي بيوتي) وقد صمم محل بيت الحبوب مقابل المجاز حتى يصله تيار الهواء من الدربونة فيزيد في برودة الماء، أما وضع (البواكة) تحت الحب فهو لجمع (مي الناكوط) أي المرشح من الحب ويكون صافيا جدا او كما يصفه البغادّة بقولهم (صافي مثل عين الوزة) وعند شيوع شرب الشاي استخدم مي الناكوط في تخدير الشاي لأن الماء الصافي يعطي الشاي لونا شهيا ورغبة أهل بغداد بل العراقيون عامة في شرب الشاي عارمة علما بأن الشاي لم يعرف في بغداد إلا بغد الحرب العالمية الأولى وكان استعماله على نطاق ضيق، و كان فطور البغادة يتكون مما يلي: الباقلاء المنقوعة-الشوربة بأنواعها-الحليب-البيض المقلي أو المسلوق-اللحم المشوي-التشريب-القيمر مع الدبس أو مع العسل-ومنهم من يتناول بقايا عشاء اليوم المنصرم بعد تسخينه.
أما الإناء المستعمل لشرب الماء فهو (المنشل) أو (الجيرية)وهو عبارة عن سلة صغيرة مصنوعة من سيقان الحلفة مطلية بالقير وفيها ذراع من الخشب نهايته على شكل رقم 8 حتى تكلب في الحب نفسه أو في محمل الحب عند عدم استعماله وتشتهر في عمل (المناشل) مدينة هيت حيث يكثر فيها القير السيالي.
وهناك الكروزه وهي مصنوعة من الفخار أيضا شكلها يقارب شكل الكأس إلا أن فوهتها اعرض من قاعدتها
أما الأدوات الأخرى فهي الطاسة المصنوعة من الصفر المبيض والدولكة وهي مصنوعة من الصفر المبيض ولها مسمار خاص قرب الحب تعلق فيه وهي الأداة المستخدمة لأخذ الماء من الحب (لترس التنك) اي ملؤها إذ لا يجوز إدخال أداة غير الدولكة في الحب حفظا لنظافته.
التنكه وهي أداة لحفظ الماء وتبريده مصنوعة من الفخار ولها أحجام وأشكال مختلفة منها (ام العراوي) أو بدونها وتسمى (صلاحية) واحسن التنك هي الخضراية وعند شراء التنكة لابد من تجربتها خشية ان تكون منكوبة (مثقوبة) ولذلك يعطي البائع (الكواز) قليلا من الإصلاح للمشتري، والإصلاح هو الشحم الحيواني مضافا إليه قليلا من النورة (الجير المطفئ) يستعمل لسد الثقوب التي تظهر في جميع المصنوعات الفخارية قطعا للترشيح.
الليوان-غرفة مستطيلة الشكل جبهتها المواجهة لفنار الدار مفتوحة ويرفع سقفها عادة بتكم (جمع تكمه) خشبية مضلعة الجسم ومنقوشة الرأس يجتمع فيها أفراد العائلة وهي تقابل (الهول) في البيوت الحديثة المعاصرة.
وفي موسم الشتاء يوضع على واجهة الليوان ويسمى أيضاً (طرار) جادر يرفع ويسدل بواسطة حبال وفي داخل الجادر عدد من رماح الخيزران الغليظ وذلك لتسهيل رفعه وإسداله ولتقليل اهتزازه عند حدوث (هوه عالي) وفي ذلك الجادرباب صغيرة تستعمل للدخول والخروج ولها غطاء يرفع ويسدل بالحبال أيضا, ويستعمل الجادر لمنع تسرب الهواء البارد إلى مجتمع العائلة.
الارسي-غرفة كبيرة شبابيكها محلاة بخشب محفر ومنقوش بنقوش عربية لطيفة وهي تمتاز بكثرة شبابيكها وتستعمل لاستقبال الخطار أي الضيوف.
غرفة الكرر- (المخزن)وفيها تحفظ الأدوات والأثاث الفائض عن الحاجة.
غرفة المونة- (المؤونة) وهي مخزن لحفظ الجيل (الكيل)حيث يشتري البغادة حاجاتهم ومؤونتهم بالجملة (كواني التمن -عكك دهن -ماش- عدس هرطمان- حنطة-برغل -معجون طماطة- دبس -ماء الورد)وغيرها من المواد مما يعمل في البيوت وسنأتي على ذكرها.
المطبخ- والغالب أن يكون واسعا وفي جهة منه يحفظ الحطب اليارماجه او الطرفة المستعمل في إيقاد النار للطبخ كما تحفظ في الجهة الأخرى منه القدور والصواني وغيرها من أدوات الصفر. ويبنى التنور في المطبخ أيضا ترقد القدور على كلل حديدية لكل قدر ثلاثة وتسمى زرزبانات (جمع زرزبانة) وهي الكرة الحديدية.
ومن لا يتمكن من الحصول على (زرزبانات) فانه يبني مواقد من الأجر والطين ومن أمثال البغادة قولهم (الجدر ما يكعد إلا على اتلاثة).
بيوت بغداد مكشوفة بصورة عامة وغالبا ما تكون مربعة الشكل وحول طرام (جمع طرمة)الطابق الثاني يكون المحجر وهو حاجز يصنع من الخشب والشيش الحديدي وغطاؤه من الخشب حيث تعمل بعض الزخارف بلوي الشيش الحديدي وغطاؤه من الخشب وركان المحجر الأربعة تكون كروية الشكل (مجروخه)وتسمى (الرمانات) وهناك (الصجفات المقرنصة)التي تزين بها حافة المحجر السفلى وهي من الخشب أيضا.
وفي الطابق الثاني تكون غرف النوم حول ساحة الدار وفيها الشبابيك ذات الزجاج الملون والشبابيك المطلة على الخارج (الشناشيل) ويوضع فوق شباك الجام شباك آخر من الخشب معمول على شكل مشبك يسمى (قيم)والغاية منه ان (لايشرف)الغرفة على الجيران وتحافظ على جو الغرفة وتمنع دخول الشمس في فصل الصيف.
تسقيف البيوت البغدادية- تسقف البيوت بالخشب والحصران وباقات القصب ثم ترشق السطوح بالطين الحري المخمر مع التبن لعدة أيام وتسلط على المرازيب المصنوعة عادة من الجينكو.
ومن عادة أهل بغداد أن تصعد (الجنة) قبيل موعد سقوط المطر لكنس السطح وتسوية الحفر التي عملتها البزازين (جمع بزون وهي القطة) و معروف أن القطة بعد أن تتغوط تدفن غائطها، كما تنظف المرازيب من القش الذي تجمعه العصافير لعمل عشها وذلك كي لايتوقف ماء المطر في السطح (وتخر)الغرفة اى تنضح فتتلف المفروشات والأثاث وتزعج النائمين. يحاط السطح من الداخل بالمحجرات والصجفات ومن الخارج ببناء يسمى (تيغه) ومنهم من يعمل (ستارة) من الخشب والجينكو أما سقوف الغرف من الداخل (فتركم) بألواح خشبية وتغطى المسافات بين لوحة وأخرى بخشب رفيع يسمى (ترايش) والواحدة (تريشة) كما يوضع في منتصف كل غرفة شكل هندسي بديع مطعم بقطع من المرايا وغالبا ما يكون شكله مقاربا لشكل (المعين)وتسمى (خنجه) تعلق في وسطها الثريا وهي مجموعة من الأضوية.
الصيف
وبعد شيوع استعمال الشاي تحضر المنقلة ويخدر الشاي ويتناولون معه أما الخبز والجبن والنعناع او البيته (وهي مشابهه لشكل الصمون وعلى وجهها قليل من الجبن والكرفس) أو الكليجة او خبز العروك (خبز لحم) حيث ان موعد تناول الغداء يكون مبكرا ولابد لهم من أكلة خفيفة قبل العشاء.لكل عائلة سلة كبيرة مصنوعة من أعواد الرمان والقصب تشتهر في صناعتها مندلي وبعقوبة ومدن أخرى في العراق يحفظ تحتها عشاء رب العائلة أو سواه ممن يتأخر ليلا وذلك لايحنحن (يفسد ويكون غير صالح للأكل) ويوضع فوق السلة ثقالة وغالبا ما تكون طابوقة كي لا تقلبها (البزونة وتاكل العشه) كما توضع شياف (قطع) الركي على التيغة حتى تبرد وما الذ اكل الركي البارد على سطوح اهل بغداد حفظا للملابس الشتائية والزوالي.--
بعد انتهاء موسم الشتاء تنظف الملابس الشتوية وتنفض من الطوز وتاعجاج (الغبار) وتحفظ في الصناديق مع كمية من التتن (التبغ) أو بعض قوالب صابون الرقي حتى لا(تنعث) أي تقرضها حشرة العث وتتلفها.
اما الزوالي والاورطات واليانات فتنفض من العجاج في الدربونة وكانوا يكلفون بعض أولاد المحلة لقاء أجور اما اليوم فقد اصبح لنفض وتنظيف الزوالي جماعة خاصة تدور في المحلات وتمتهن تنظيف الزوالي .وبعد تنظيفها من التراب تنظيفا جيدا تبدأ أم البيت بكنسها عدة مرات ثم بمسحها بقطعة من القماش قديمة مبللة بالنفط ثم تضع بين طياتها كمية من التبغ لحفظها من العث .اما اليوم فاستبدل التتن وصابون الركي بالنفثالين.