8 شباط 1963..خطة الانقلاب وواضعوه      نشاط انقلابي ذو رائحة نفطية

8 شباط 1963..خطة الانقلاب وواضعوه نشاط انقلابي ذو رائحة نفطية

■ د. عقيل الناصري
من قراءتنا لتاريخية حزب البعث رأينا من الناحية السياسية على وفق رؤيته "... بان عمليات التحضير للانقلاب توزعت ما بين القيادة القومية والقيادة القطرية. فمن مهمات القيادة القطرية أن تهيء (عملياً)، (تكتيكياً) إسقاط قاسم. أما القيادة القومية، فعملها ينحصر بوضع الدراسات الاقتصادية والاجتماعية وتحديد الخطوط السياسية العامة للعهد الجديد: المشكلة الكردية، المسألة الزراعية، الموقف من التأميمات، العلاقة مع الجمهورية العربية المتحدة ألخ... ".

ومن ناحية اخرى ومن أجل إغتصاب السلطة، أسس حزب البعث تنظيماً خاصاً أطلق عليه أسم اللجنة العسكرية (وقد وردت في بعض المصادر الأخرى لجنة التنظيم العسكري) التي تشكلت من مجموعة من الضباط الصغار وبعض طلبة الكلية العسكرية "... والتي استمرت إلى أواخر 1960 والتي كانت تشرف على كافة النشاطات العسكرية للحزب والتي حلها الحزب بعد تطور نشاطاته وتوسع تنظيماته العسكرية مستبدلاً إيها بالمكتب العسكري... في أواخر عام 1960 وروعي فيه اختيار الضباط من ذوي الرتب العالية نسبياً...".
لقد اختلفت أراء البعثيين العراقيين وتضاربت، حول تاريخ إنشاء اللجنة العسكرية، فمنهم من قال أنه تم قبل ثورة 14 تموز وتحديداً عام 1957 برئاسة أمينه القطري فؤاد الركابي، ويساند هذا الرأي الضعيف، الضباط الصغار آنذاك منهم علاء الدين الجنابي. اما الرأي الآخر والأكثر صواباً حسب قناعتنا، فكان بعد ثورة تموز 1958، نظراً لقلة عدد أعضاء ومؤيدي حزب البعث في المرحلة الملكية، نظرا لحداثة التأسيس وعدم مساهمته في الحياة السياسية بصورة فعالة، سواءً للمدنين ما بالك بالنسبة للعسكريين؟ الذين لم يتجاوز عددهم أصابع اليد آنذاك. كما أن صالح مهدي عماش الذين تم تعينه في اللجنة، كان منذ عام 1957 قد عُين معاون الملحق العسكري في واشنطن، ولم يعد للعراق إلا بعد ثورة 14 تموز.
وهذا ما أكده عضو القيادة القطرية آنذاك خالد علي الصالح بقوله: [... ومع الأيام وتوالي الأحداث بدأ يدور بيننا ما يشبه الهمس عن ثورة قادمة في العراق يعد لها (تنظيم الضباط الأحرار) داخل الجيش العراقي. ولعدم وجود من لهم صلة مباشرة في الحزب داخل الجيش ومن بين المنتمين للتنظيم الذي يُحضر للثورة داخل الجيش... وموقفنا هذا جاء منسجماً مع حقيقة أن الحزب ليس له من المنتسبين إليه داخل الجيش من العسكريين إلا بما يساوي عدد أصابع اليد الواحدة. وكلهم باستثناء واحد فقط حديثوا العهد داخل الجيش أي من الرتب الصغيرة ... ] .
في الوقت نفسه يؤيد هذه الفكرة عضو القيادة القطرية السابق، فيصل حبيب الخيزران عندما يقول: [... وعملنا مكتب عسكري سمينا صالح مهدي عماش مسؤولاً عنه وأعضاءه أثنان كانا تلاميذ، الأول منذر الونداوي وكان طالباً في القوة الجوية - الطيران، والثاني محمد علي سباهي وكان طالباً في الكلية العسكرية. وكان التنظيم مهلهلاً، لكن مع ذلك صار تنظيماً بعد فترة وكنت مسؤول العمل العسكري. لكن فؤاد الركابي من خلال أنانيته أراد أن يكون هو مسؤولاً عن المكتب العسكري حتى إذا صار ما صار فهو يكون في الصورة... وبعد فترة عرفت من صالح عماش أن المكتب تقريباً أنحل. لأنه كما تعرف هؤلاء الضباط وعقلياتهم حيث العلاقات الشخصية تحكمهم أكثر من العلاقات المبدأية. وفؤاد الركابي بالنسبة لصالح عماش (زعطوط)... فأسلوب فؤاد الركابي مثلاً في العمل كان من وراء الكواليس والتأمر ظل سائداً في الحزب، والشلل واتهام المعارضين له عن طريق أزلامه... ]. ( التوكيد منا- الناصري).
جوهر الكلام يصب في ما ذهبنا إليه من كون أن مثل هذا المكتب العسكري المهلهل، لم يظهر إلا بعد 14 تموز. أما متى بالتحديد، فمرة أخرى أختلف البعثيون في ذلك. فمنهم من قال (عماش) أنه في عام 1959، كما يذكر حازم جواد في أوراقه المنشورة جريدة في القدس العربي. في حين هناك رأي آخر يقول أنه تم بعد إقصاء الركابي من أمانة سر القيادة القطرية في مطلع الستينيات.. ويذكر عبد الكريم فرحان، ان عماش انتمى لحزب البعث العراقي بعد ثورة 14 تموز حيث يقول: [... وذات يوم اتصل جاسم العزاوي بالمقدم خالد حسن فريد وابلغه بوصول انباء إلى عبد الكريم قاسم تؤكد انضمام صالح مهدي عماش لحزب البعث وقيامه بوضع (الجفرة) لهم وطلب منه أن يقسم بالقرآن بعدم ذكر أسمه أو أي اسم أخر لأن القضية لا يعرفها سوى مدير الأمن العقيد عبد المجيد جليل الذي نقل الخبر إلى عبد الكريم قاسم... ]. (التوكيد منا- الناصري)
وبالعودة إلى خطة الانقلاب فإن الوثائق الحزبية البعثية (تزعم ) إلى أنها قد وضعت من قبل المكتب العسكري لحزب البعث العراقي الذي كان يتألف من ستة أشخاص هم: علي صالح السعدي الأمين القطري مسؤول المكتب وحازم جواد مساعد الأمين العام وطالب شبيب والعقيد المتقاعد أحمد حسن البكر والمقدم الركن صالح مهدي عماش والمقدم الركن عبد الستار عبد اللطيف الحديثي. في البدء كان المكتب يضم فقط الضباط، وأمين سر القيادة القطرية باعتباره رئيس المكتب، وفي مرحلة لاحقة استوجبتها:
-كثافة المحاولات الانقلابية المقترحة؛
- وتعدد صلاتها الداخلية والخارجية وتشعبها؛
- وعمق النزاع بين السعدي وكتلته والثنائي حازم جواد وطالب شبيب وكتلتهما.
-ولمحاولة لجم العسكريين الحزبيين وإخضاعهم لقواعد المؤسسة الحزبية وليس العسكرية، تقرر إضافة نصف أعضاء المكتب السياسي للقيادة القطرية إلى المكتب العسكري، وعلى ضوء ذلك تم إضافة الأخيرين.
لكن في حقيقة الأمر، كما نعتقد، أن خبراء في الانقلابات العسكرية ومكافحة النشاط الشيوعي من الأمريكان والبريطانيين هم الذين وضعوا خطة الانقلاب لعدد ضئيل جدا من الضباط لا يتجاوز عددهم الثلاثون ضابطاً. وكان صالح مهدي عماش هو الوسيط الأرأس والعراب التنفيذي الرئيسي للانقلاب نظرا لما له من علاقة بالضباط من مختلف الاتجاهات المناوئة لقاسم من جهة، وبمحطة المخابرات الأمريكية والسفارة البريطانية في بغداد من جهة ثانية. وهذه الجهات، هي بذاتها، التي وضعت الخطوط العامة والتوجهات الأرأسية لفكرة الانقلاب ومقدماته وسبل معالجة ردود الافعال المحتملة والممكنة. وكان عماش ينقل هذه الأفكار إلى المكتب العسكري.. لأن ماهية الخطة وابعادها، ونقاط قوتها وضعفها، والتهيئة النفسية لقوى الانقلاب وروح المغامرة التي كمنت فيها، وما تضمنته من فعل الصدمة ونفسيتها، والتصدي لردود افعال القوى المناهضة للانقلاب وكيفية دحرها، والتوقيت وزمنيته...ألخ توضح بجلاء أن واضعي خطة الانقلاب هم أخصائيين محترفين ومتمرسين في الانقلابات العسكرية في العالم الثالث، وليس مجموعة عسكرية لا يدلل تاريخها المهني عن ألمعية مهنية، وهذا ما سنركز عليه في سير التحليل لمسار الانقلاب. أو على الأقل رتب المنفذون المحليون الخطوط العامة .. ومن ثم تم إعادة صياغتها من قبل الخبراء الأجانب، الذين حرصوا بكل دقة على عدم ضياع هذه الفرصة.
ومن الجدير بالانتباه إلى إن العراق قد عج في زمن الجمهورية الأولى (14 تموز1958- 9 شباط 1963) بتوافد ضباط المخابرات والصحفيين الأمريكان المختصيين في شؤون العالم الثالث وانقلاباتها ومكافحة النزعات الوطنية والشيوعية فيها، حيث درسوا واقع العراق الجغرافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية .. بل وماهية القوى التي ستساند الانقلاب وتلك التي تعارضه، بحيث وضعوا حدود للافعال و لردودها وكيفية التصرف إزاءها.
وبعد فض التحالف بين ضباط حركة القوميين العرب ( جماعة عبد الكريم فرحان وصبحي عبد الحميد) والمكتب العسكري لحزب البعث، لأسباب عديدة استنبطناها من ماهيات التحالف ذاته ومن دوافعها، منها:
- المنطلقات الحزبية والفكرية للشأن العراقي ومآل مستقبله؛
-الموقف من الزعامة الناصرية؛
- طبيعة المعونة الخارجية لإسقاط النظام ومصدرها ؛
الأبعاد الذاتوية والطموحات الأنوية (الحزبية أو للضباط أنفسهم)؛
- الممارسات اللا أخلاقية في التحالف والاعتداءات المتكررة من البعثيين ضد القوميين ، والتي مثل أحد جوانبها وشاية عماش ضدهم للسلطات العسكرية والتشهير بهم بين ضباط المؤسسة العسكرية .
وكانت اللجنة تتكون من 9 أعضاء، خمسة منهم من حزب البعث وهم: أحمد حسن البكر وصالح مهدي عماش وعبد الستار عبد اللطيف وحردان التكريتي وخالد مكي الهاشمي. أما الآخرون فهم صبحي عبد الحميد وخالد حسن فريد وابراهيم جاسم التكريتي وعبد الكريم فرحان وهم من حركة القوميين العرب.
بعد ذلك تألفت لجنة استشارية تضم ضباطاً بعثيين ومؤازريهم من مختلف القوى التي ناهضت ثورة تموز، بغض النظر عن مشاعر الولاء لهؤلاء الأخيرين تجاه النظرة الاجتماسياسية لحزب البعث، ومن ذوي الرتب العالية خاصةً، تأخذ على عاتقها مهمة التخطيط والتنفيذ العسكري للانقلاب، وكان منسقها صالح مهدي عماش. أما علاقتها بالمكتب العسكري لحزب البعث العراقي [... فلا توجد أي علاقة، فقد كتم ( صالح مهدي عماش- الناصري) عن اللجنة الاستشارية وجود المكتب العسكري، أما المكتب العسكري فكان له علم أن هناك جماعة من ذوي الرتب العليا تدعى (اللجنة الاستشارية) مهمتها التخطيط للثورة. لكن المكتب العسكري لم يعرف تفاصيل هذه اللجنة حيث كتم عن المكتب العسكري (قضايا مهمة) عن اللجنة الاستشارية، وكانت هذه الخطة من تدبير صالح مهدي عماش... ومن هذه اللجنة تكون المجلس الوطني لقيادة الثورة، وكان تبرير عماش لذلك قوله ( لم أخبر الجهتين خوفاً من الالتباس في الأمر)، إلا أن المكتب العسكري كان على علم باللجنة الاستشارية أما أعضاء اللجنة الاستشارية فلا يعلمون بأن هناك مكتباً عسكرياً... ] . وكان يشارك في اجتماعات المكتب العسكري بعض من الضباط الحزبيين منهم: خالد مكي الهاشمي وحردان التكريتي ومنذر الونداوي ومنذ نهاية 1962 أضيف إليهم ذياب العلكاوي وعبد الكريم مصطفى نصرت. ووسعت بعد نجاح الانقلاب بصورة كبيرة.
تتشابه خطة الانقلاب، كما أشرنا سابقاً، ومساراتها العامة مع تلك التي طبقتها المخابرات المركزية الأمريكية لإسقاط العديد من الأنظمة الوطنية في العالم الثالث. علماً بأن مسؤول محطة المخابرات الأمريكية (وليم ليكلاند) والذي نُقل من القاهرة خصيصاً إلى بغداد بعد ثورة 14 تموز، كان نفسه خبيراً في الانقلابات العسكرية، وكانت له صلات بالعديد من البعثيين العراقيين، حسب قول طالب شبيب، كما مر بنا. وليس من المستبعد، إن لم يكن أكيداً إلى درجة عالية، أن يكون هذا الخبير وزملاؤه الوافدين للعراق قد وضعوا الخطوط العامة للانقلاب ومساراته.
إذ [... في حوالي منتصف كانون الأول/ديسمبر 1962 تقررت خطة العمل وحُدِّدت ساعة الصفر في الساعة التاسعة من صباح يوم الجمعة 18 كانون الثاني/يناير 1963، وكان لتحرك القوات نهاراً بدلاً من تحركها تحت جنح الظلام الليلي، أن يجنبها إطلاق النار لأن عيون قاسم في الجيش أكثر تأقلماً مع اليقظة الليلية... ].
هذه الميزة في الانقلاب جعلته يختلف عن كل العمليات والمحاولات الانقلابية السابقة، وجاء نتيجة لاستقراء موضوعي متقن لواقع حركة الجيش، وطبيعة نظام الحياة اليومي للزعيم قاسم، ومعرفة وتحليل ماهية القوى التي من المحتمل مناهضة الانقلاب، وما هي وسائلها وكيفية التصدي لهم، كذلك ما له علاقة بتصعيد الحالة اللا مستقرة سواءً في الريف أو المدينة او ما له بالحر الكردية وغيرها . مما يدعم استنتاجنا أن هذه الخطة أكبرمن عقلية القيادات التي نفذتها. إذ تكمن وراءها خبرة علمية وعملية في الانقلابات العسكرية في العالم الثالث. وهذا ما يمكن استخلاصه ضمنياً من أوراق حازم جواد الذي لخص خطة الانقلاب ب :
" أولاً: بما أن قاسم يعتبر نفسه أستاذاً ماهراً في المباغتة، يجب مباغتته على حين غرة وبعملية وتنفيذ غير تقليدي...
وثانياً:أن يتم التنفيذ في يوم عطلة رسمية...
وثالثاً: التركيز على وحدة واحدة من القطاعات العسكرية لتجميع العناصر المختارة...
ورابعاً: السيطرة على مراسلات الإذاعة في أبي غريب واتخاذها مقراً لقيادة الحركة لحين تهيئة المقر البديل في مركز العاصمة أو قريب منها ؛
وخامساً: استثمار الضربات الجوية المتاحة للحركة لتثبيط همة قاسم وأعوانه؛
وسادساً: الاستعانة بمنظمات الحزب المدنية...".
إن هذه الخطوط الأراسية للخطة تقنعنا أكثر فأكثر، بما ذهبنا إليه من وجود خبرة تفوق القدرة المهنية للمكتب العسكري والضباط المشاركين في الانقلاب، وأغلبهم من الرتب الصغيرة، ورؤيتهم السياسية والسيسيولوجية والسيكولوجية للفعل الانقلابي واحتساب الاحتمالات والصدف وإمكانية مناهضة الانقلاب.. أقول أن واضعي خطة الانقلاب وهم الذين قادوا قطاره هي التي وضعت العناصر الأرأسية العامة ونفذها المكتب العسكري.
لكن من جهة أخرى يرى د. هيثم غالب الناهي، استناداً لمصادر بريطانية، إلى أن خطة الانقلاب تمت مع السفارة البريطانية في بغداد من خلال صالح مهدي عماش وهو حلقة الوصل مع البعث ويقول "... ولعل السفارة البريطانية كانت قد أكملت ترتيباتها مع البكر وعماش ...وعلى ضوء ذلك فقد ارتأت السفارة البريطانية تدريب الشباب البعثي على السلاح فوراً لضمان نزولهم مع أول دقائق إعلان ساعة الصفر. كما ارتأت أن يكونوا مسلحين برشاشات بور سعيد، إذ قامت السفارة البريطانية بنقلها من سوريا... مهما يكن التحضير والخطط التي وضعت للإطاحة بالزعيم قاسم، ففي النهاية كان أهم أتصال للسفارة البريطانية بأحمد حسن البكر عن طريق صالح مهدي عماش في الرابع والعشرين من كانون الثاني 1963، إذ أبلغته بأن الكتلة القومية وبمعاونة حركة القوميين العرب سوف ينفذون عملية الإطاحة بالنظام مع الأسبوع الأخير من شباط 1963. وأنتدب الحزب صالح مهدي عماش وعلي صالح السعدي وعدنان القصاب للتباحث مع السفارة البريطانية في وضع خطة محكمة للإطاحة بالزعيم. وتم لقاؤهم مع هورد هـ. أستيفن بمقر السفارة البريطانية ببغداد مساء يوم السابع والعشرين من كانون الثاني عام 1963، حيث وضع الخبير البريطاني الخطة وموعد تنفيذها، وأشار إليهم بضرورة تجهيز الجناح المدني للبعث بالأسلحة الخفيفة ونزولهم لشوارع المدن الكبيرة بمجرد إعلان البيان الأول للحركة. ثم عاد أحمد حسن البكر يطلب من صالح مهدي عماش الاتصال بالسفارة البريطانية في 30 كانون الثاني 1963 لتحديد موعد مع المسؤولين لغرض مناقشة خطة الانقلاب. وبالفعل تم اللقاء ليلة الرابع من شباط 1963 إذ أبلغهم البكر باعتقال صالح عماش فحددت السفارة البريطانية ساعة الصفر وكيفية عرقلة دفاعات الزعيم عبد الكريم قاسم... ".
ويبدو من هذا العرض أن الخطة وضعت بالتعاون بين الاستخبارات الأمريكية والبريطانية معا كل من طرفه.. طالما كما تؤكد الوثائق البريطانية ان كلا الطرفين كانا ينسقان عملهما سوية.
كما قلنا سابقاً فقد ترافقت هذه الخطة مع الزيارات المحمومة لمسؤولي المخابرات المركزية للعراق وعقد مؤتمرات لرؤساء محطاتها في دول المنطقة للبحث في طريق تغيير الحكم والقضاء على التيار اليساري في العراق وبخاصة الشيوعي منه، الذي بات في حينها أكبر قوة يسارية مؤثرة في دول المنطقة آنذاك، مما أصاب المراكز الرأسمالية و دول المنطقة بالذعر الشديد لذا قررت اجتثاث النظام وقواه الاجتماعية والسياسية المؤيدة له. كما اقترن ذلك بوصول خبراء أمريكان في تخريب الأحزاب الشيوعية، إذ جُلب للشرق الأوسط جيمس كريتشفيلد الخبير في عمليات التخريب داخل الحركة الشيوعية، من أجل التعامل مع تصاعد الحركة الشيوعية في العراق.
وكان من أهم النقاط في الخطة التي عملت القوى الاجنبية المخططة تتمركز فى إبطال حذر قوى اليسار والحكم عن طريق تخدير الوعيين (الأمني و التحذيري) وذلك بالطلب إلى المنفذين المحليين تكرار تسريب موعد الحركة لأكثر من مرة، بغية إفقاد الثقة داخل قاعدة الحكم وأجهزته الأمنية من جهة، وقوى اليسار عامة والشيوعيين بخاصةً من جهة أخرى، وانعدام مصداقية الإنذارات القصوى التي كان يوجهها الحزب الشيوعي لمنظماته الحزبية وبالتالي إبطال مفعولها. وكان هذا العمل جزءاً من استراتيجية وكالة المخابرات الأمريكية الرامية إلى خلق حالة عن (انقلاب وإشاعات انقلاب) المبنية على وقائع مادية تهيء لها مسبقاً.
وقد أثمرت الخطة الأمريكية البريطانية هذه، في شل القيادات العسكرية والحزبية عن القيام بما هو مطلوب منها من تصدي عملي في يوم الانقلاب. نسوق مثلاً على ذلك من تجارب الحزب الشيوعي في مدينة البصرة كمثال، التي أفاد بها أحد القياديين بالقول: [... ولعلمي بأهمية أن يقوم التنظيم العسكري بالتحرك المضاد، توجهت على الفور إلى الدار التي يسكنها مسؤول التنظيم العسكري الرفيق (عبد الله علك)، فإذا به جالساً ينتظر بدون أية حركة. فهززته من كتفه وقلت له: ما الذي تنتظره يا رفيق، تنتظر أن يأتي الانقلابيون لأخذك من الدار؟ فكان جوابه ما الذي يمكن أن أعمله والمفروض أن يأتي إلي بعض العسكريين إلى الدار لننسق عملنا معهم. فصرخت به: اذهب أنت إليهم، إلى دورهم... ]
كما تميز الانقلاب في خطته العامة عن بقية المحاولات السابقة في كونه اعتمد بالأساس، ولأول مرة في تاريخية الانقلابات العسكرية في عراق القرن العشرين، على عنصر الطيران الحربي كحلقة أرأسية في الهجوم للتعويض عن النقص مما يملكون من قوات مؤيدةٍ لهم من المشاة والدروع، وكذلك للتأثيرات النفسية التي تثيرها الطائرات الحربية في الشارع المعارض ومحاولة التصدي للقوات الجوية غير المؤيدة لهم. هذا العنصر، كما أعتقد، تم استخلاصه من فشل المؤامرات السابقة، ومن تجارب الانقلابات العسكرية في أمريكا اللاتينية التي كانت تدبرها الولايات المتحدة، لذا أدخل في الانقلاب كعنصر أرأس وكان عاملاً مهماً في نجاح الانقلاب .
تمحورت الخطة في القيام بانقلاب عسكري يعتمد على المباغته، بعد تهيئة المناخين السياسي والاقتصادي المضطربين والذي تمثل بإضراب الطلبة القوميين في 24 كانون أول / ديسمبر 1962، في ثانوية الكرادة الشرقية ومن ثم توسيعه إلى بقية الثانويات في بغداد، ومن بعدها ليشمل جامعة بغداد في التاسع والعشرين من ذاته الشهر وكذلك خلق صعوبات مالية للنظام بغية تشديد النقمة لدى قاعدة الحكم لعدم الايفاء بالتزاماتها..
تزامن هذا الإضراب مع تشديد الضباط المناهضين للحكم، وبخاصة ضباط القوة الجوية في كركوك، التي كان آمرها حردان التكريتي، على قصف الأماكن الآمنة في كردستان، بغية توتير الحالة العدائية للحكم وزيادة حالات التذمر وإحداث الاختناقات الاقتصادية والاحتقانات الاجتماعية، التي برزت في سعة الهجرة من الريف الكردستاني نتيجة القصف المتعمد، نحو المدن الكبيرة وتعطيل عملية الإنتاج الزراعي الذي لم تستقر فيه علاقات الإنتاج الجديدة القائمة على أساس الملكية الزراعية الفردية/التعاونية للأرض (كعلاقة إنتاج وعلاقة حقوقية)، التي أرستها سياسة الإصلاح الزراعي، ولأجل إبطال مفعول وقف إطلاق النار الذي أعلنه من جانب واحد الزعيم قاسم والذي اقترن بالعفو العام، وبالتالي إمكانية تسوية القضية الكردية سلمياً وإعادة الاستقرار إلى المنطقة التي بدأت ملامحها تتضح بعد ضغط الشارع السياسي، مما يعني أيضاً سحب أهم عوامل إضعاف السلطة والقضاء على تذمر القيادات العسكرية غير المنتمية للانقلاب وفكره.
كما تزامن هذا الوضع مع قيام شركات النفط الغربية العاملة بتخفيض الإنتاج والأسعار معاً، وهذا ما أثر بصورة محسوسة على موازنة الدولة وبالتالي تحجيم وإعاقة عملية البناء الاقتصادي الذي شرعت الثورة في تطبيقه سواءً في الريف أو المدينة.. طالما أن السلطة، أي سلطة، لا تستطيع تحقيق عملية البناء إلا ضمن سريان مفعول (الاستقرار السياسي) الذي فقد مكونات مضمونه منذ المحاولات المسعورة بين العسكريين للصراع على السلطة، وزادها حدة الصراع والاحتراب بين القوى السياسية. إذ [...كان الإجراء الأول لهذه الشركات خفض الأسعار المعلنة للنفط التي تحتسب بموجبها عائدات البلدان المنتجة، فكان معدل خسارة العراق عشرة ملايين دينار في السنة خلال الفترة بين 1959 وحتى 1963.. وقامت الشركات بجملة إجراءات لتقليص واردات الحكومة العراقية من النفط مسببة في ذلك ضيقاً اقتصاديا وزيادة أسعار البانزين وبعض المواد الغذائية، سارع لاستغلاله القوى المعادية للثورة... ].
إذ تؤكد الوقائع التاريخية أنه "... في عام 1961 عند صدور القانون رقم 80، كان إنتاج العراق النفطي يعادل 20% من إنتاج الخليج بأكمله... وبعد صدور قانون رقم 80 جمدت الشركات نشاطها ولم تجر عمليات استكشاف إطلاقاً منذ 1961 حتى قيام شركة النفط الوطنية، فانعكس ذلك على الموارد المالية وأثر فيها سلبياً... ".
كما أرادت شركات النفط، استباق الزعيم قاسم في عدم توقيعه على مشروع قانون تأسيس شركة النفط الوطنية، الذي سبق أن تمت مناقشته في مجلس الوزراء يوم 6 شباط 1963، لينشر في الجريدة الرسمية يوم التاسع من ذات الشهر ويصبح نافذ المفعول، مما يخلق لها إشكاليات في الاتفاقيات الدولية المبرمة مع دول المنطقة من جهة ويبدل من المضامين الجوهرية لسوق النفط، لذا سارعت الخطى في تحقيق وتسريع وتائر الفعل الانقلابي في العراق.
كما ترافق هذا النشاط الانقلابي ذو الرائحة النفطية وتزامن مع نشاط القوى الرجعية في المدينة والتي [... استعدت للانتفاض، إذ شعرت بأن الوقت قد أصبح في غير صالحها وقررت الإقدام على تنفيذ مؤامرتها. ولقد تأكد فيما بعد أن دوائر الجاسوسية الأمريكية تخوفت من خطط قد يضعها الحزب الشيوعي العراقي للثورة بعد أن تسربت إليها أنباء عن ذلك بواسطة أحد عملائها داخل إحدى الهيئات الحزبية، وألحت على القوى الرجعية في العراق للتعجيل بانقلابها. وقد قيل أن الرئيس كندي كان قد قرر في اجتماع لمجلس الأمن القومي الأمريكي حرق بغداد في حالة فشل الانقلاب الرجعي وانتصار القوى الديمقراطية التي يقودها الحزب الشيوعي...] . ( التوكيد منا- الناصري).
في الوقت ذاته استعادت القوى المتضررة من الثورة بالريف، نشاطها وبالتالي مساهماتها في تعميق حالة اللا استقرار، بالمفهوم الواسع. زاده سعة تدخل بعض رموز المؤسسة الدينية في عملية الصراع السياسي وتعاطفها مع القوى الانقلابية من خلال فتاوى التحريم والمناهضة للإصلاح الزراعي ومحاربة الحكم وقوى اليسار عامة والحزب الشيوعي بخاصةً. هذا الوضع ترافق مع انشطار المؤسسة الأمنية والعسكرية إزاء الموقف من حكم الزعيم قاسم كذلك اشتداد الصراع الاجتماعي الجاري في المجتمع العراقي.
كما ازدادت تفاعلات المكونات السياسية/الاجتماعية الكامنة في داخل الظاهرة العراقية آنذاك، نتيجة تدخل العوامل الخارجية سواءً من دول الجوار أو/و المراكز الرأسمالية العالمية ومساهمتها في تنشيط عوامل اللا استقرار وتكاثف زخم الضغوطات المتعددة الأوجه والمصادر، على العراق وكيانه الاجتماعي السياسي وعلى السلطة الوطنية وزعامتها وقاعدتها الاجتماعية.. لنا من تدفق الأسلحة على العشائر العربية والكردية من أغلب دول الجوار خير دليل يساق هنا.
ويجدر بالذكر الأزمات التي أثارتها الحكومة الشاهنشاهية الإيرانية سواء فيما يتعلق بالادعاء بعائدية شط العرب وقطعها المياه عن العديد من الروافد التي تصب في الأراضي العراقية أو مساهماتها في دعم الحركة الكردية لأجل إضعاف الحكم تمهيداً لإسقاطه. ولم تثر هذه الحكومة (الشاهنشاهية) خلال عضوية العراق في حلف بغداد أية مشكلة حول المياه والحدود مع العراق. لقد تم اختلاق هذه المشاكل بالاتفاق مع بريطانيا وأمريكا لإسقاط نظام تموز/ قاسم وذبح الشيوعيين. وهذا ما يسري على بقية دول الجوار الأخرى بهذه الدرجة أو تلك.
كما سعت دول الجوار ومصر الناصرية والشركات النفطية والمراكز الرأسمالية إلى إحباط مشروع الفدرالية العراقية /الكويتية التي كانت منجزة بشكلها الأولي ومهيأة للتوقيع من قبل الزعيم قاسم بالأحرف الأولى . وكان هذا يعني منح الجانب العراقي قوة تفاوضية كبيرة مع شركات النفط العاملة في العراق . وبالتالي إمكانية استخدام هذه الثروة في المشروع التنموي العراقي ومساندة القضايا العربية وخاصةً التحررية.
[... إن عقابيل الثورة (المعني بها ثورة 14 تموز - الناصري) التي تلقاها الناس بما لا يوصف من مظاهر الترحيب والاستبشار لم تعد تشجع الجمهور على تقبل فكرة قيام ثورة ثانية. وفي ما عدا القتال في الشمال وأعمال الانتقام لأحداث 1959 في بعض المناطق، فقد رحَّبت الجماهير بالهدوء النسبي في الفترة الأخيرة من عهد قاسم مما مكنهم من مزاولة أعمالهم بظروف عادية هادئة. وقد سادت الرغبة في العودة إلى الحياة العادية بين أصحاب الحوانيت والتجار والموظفين والعمال، وانتشرت أيضاً بين الطلاب الذين أدركوا مؤخراً أن مؤهلاتهم العلمية وبالتالي مستقبل حياتهم قد تأثر بسبب غلبة الضجيج السياسي على سير الدراسة وانتظامها. وقد تبدو هذه الأمور واضحة وبديهية، ولكن أهميتها في التحليل السياسي غالباً ما تغفل من قبل دارسي العلوم السياسية الذين يركزون بصورة رئيسية على صراع العقائد والمذاهب. وعلى هذا فإن الرأي العام لمثل هذا الجمهور الخائف والمرتقب والخائبة (الخائف عن) آماله لم يكن يريد الإطاحة بالحكم. لكن الهدوء الظاهر في عامي 1961 - 1962 في بغداد وأكثر أنحاء العراق - عدا الشمال - كان مظهراً خداعاً.
فلو كان العراق معزولاً عن جيرانه لكان من الممكن لهذا الوضع أن يدوم. لكن حزب البعث القليل عدده كان قد انهمك في التآمر وثابر عليه، ولقلة عدده وبمساعدة أنصار له في الجيش فقد ظل يعمل سراً وبالتعاون مع فئات مناصرة له في سوريا للتخلص من قاسم... كان الجامع بين أعضاء التنظيم السري ضد قاسم عاملاً سلبياً...].
في مثل هذه الظروف بدأت التحركات العملية لتنفيذ الانقلاب، الذي كان من المفروض في البدء أن يتم في 18 كانون الثاني 1963، لكنه تأجل للمرة الثانية بسبب صدور قوائم الإحالة على التقاعد للعديد من الضباط نهاية كانون أول/ ديسمبر 1962 وعلى ضوء ذلك حدد، يوم 25 شباط 1963 والمصادف أول أيام عيد الفطر 1382 هجرية (1963 ميلادية)، موعداً جديداً للانقلاب كما عين مكانه في جمعية المحاربين القدماء، إذ كان من المفترض اغتيال الزعيم قاسم هناك عند استقباله المهنئين من الضباط كما اعتاد سنوياً، ومن ثم تتحرك القوات العسكرية الموالية للانقلاب للسيطرة على وزارة الدفاع والمعسكرات القريبة من بغداد ومحطتي الإذاعة والتلفزيون والأماكن الحساسة الأخرى.
جمعت هذه الفكرة حالتين في آن واحد وهما: الاغتيال الفردي والانقلاب العسكري، مستفيدين من عقم تجربتهم السابقة في محاولة اغتيال الزعيم قاسم السابقة في 07 /10/1959 في رأس القرية وكذلك فشل اغلب الانقلابات العسكرية التي قدر عددها 38 انقلاباً ومحاولة انقلابية.. وكان هذا الرأي هو الآخر من وحي خبراء الانقلابات العسكرية . حتى لا تسمح للقوى الأخرى (الشيوعيين والقاسميين) بإفشال الانقلاب أو الاستيلاء على السلطة عند حدوث الفراغ السياسي عند النجاح في اغتيال الزعيم قاسم وحده. ولأن العقول الاجنبية المخططة للانقلاب قد استقرأت واستوعبت اتجاهات الحياة العامة في البلد السائرة نحو الاستقرار وخفوت التأييد للإضراب الطلابي وفشله وجدية المشروع المتوجه نحو الحياة الدستورية التي وعد الزعيم قاسم بتحقيقها في آذار من نفس العام ، لذا سارعوا في تقديم موعده.
من جانب آخر، لابد من الإشارة إلى أن: [... السباق على إسقاط حكم (الزعيم الأوحد) الذي فقد بريقه انحصر من الناحية العملية بين البعث وحركة القوميين العرب كل على حدة، لكن وفق تفاهم ضمني يقضي بدعم كل طرف للآخر حال قيامه بحركة ما.
ترقبت مجلة (الطليعة) الحركية في 16 كانون الثاني1963 سقوط قاسم وبثت إشارات عن (شيء قد يحدث في المستقبل، وحولت إشاراتها في 6 شباط، أي قبل يومين من إسقاط قاسم إلى تعريض واضح بالتعجيل) بإنهاء حكم قاسم، وربما كان ذلك على صلة بخطة انقلابية للحركة كان مقرراً لها أن تتم في أول عيد الفطر باغتيال قاسم في نادي الضباط... ] مع أن [... القائمين على 14 رمضان لم يبلغوا القوميين إرادتهم الانفراد بالسلطة، وقد وشى عماش قبل ذلك إلى قاسم عن نية القوميين القيام بالانقلاب، وكان هدفه أن لا يسبق القوميون البعثيين بحركتهم... ]. لكن فات القوميون العرب أن يذكروا أن الأمريكان كانوا لا يرغبون بهم ولهذا وشوا بهم، كما عبر عن ذلك أحد قادتهم العسكريين آنذاك في العراق.
وإزاء صدور مرسومي الإحالة على التقاعد لـ(42) ضابطاً في الثالث والرابع من شباط؛ واعتقال الأمين العام القطري علي صالح السعدي وعضو المكتب العسكري صالح مهدي عماش في الخامس من ذات الشهر؛ وخوفاً من المزيد من الاعتقالات والإحالات على التقاعد؛ ولاستعداد وتواطئ العديد من ضباط المقر العام للزعيم قاسم وكتيبة الدبابات الرابعة؛ ولعلم خبراء الانقلابات الأمريكيين بانعدام فرص النجاح المستقبلية، لذا تقرر القيام بالانقلاب في موعده الجديد يوم 8 شباط.
إن إجراءات الاعتقال (لم تمس قلب المؤامرة البعثية) حسب قول حنا بطاطو، وهذا ما كان، وليس لأن الزعيم [... لم يسمح بضربة شاملة لتنظيم البعث بل بضربات استكشافية... بهدف معرفة حقيقة ما كان يجري لتوجيه ضربة رئيسية واعتقال المدبرين]، كما يذهب إليه الباحث د. علي كريم سعيد ، بل بقدر كون الزعيم قاسم، وهذا ما أشار إليه الباحث ذاته وآخرين، كان يعتمد في توجيه الاتهام على توفر الأدلة المادية لارتكاب جريمة التآمر وليس الاعتماد على الحدس أو الوشاية. وهذا ما أشار إليه الزعيم نفسه في أخر مقابلة له عندما قال: [أردتهم أن يشرعوا بالعمل ويتلبسوا بالفعل]. وكانت غلطة العمر القاتلة!
وهكذا سارع البعثيون وحلفاؤهم في الداخل والمخططين الأجانب إلى إعادة ترتيب خطتهم، وقرر الطلقاء من القياديين في المكتب العسكري والقيادة القطرية، تنفيذ الخطة وتحديد يوم الجمعة 8 شباط موعداً للانقلاب. حيث [... في 4 شباط 1963، اجتمع المكتب السياسي للبعث، علي السعدي وحازم جواد وكريم شنتاف في داري، فوضعنا اللمسات النهائية للخطة وإقراراً أخيراً للتشكيلات التنفيذية كالمجلس الوطني لقيادة الثورة، ومجلس الوزراء والقيادة العامة لقوات الحرس القومي وغيرها. وبعد إتمام الخطة والمصادقة عليها... وتثبيت يوم 8 شباط موعداً لإعلان الثورة، شعرنا بالرغبة في الاحتفال، فذهبت بسيارتي لشراء الويسكي وبعض اللوازم... وعند عودتي بلوازم الاحتفال...] تم اعتقال السعدي وكريم شنتاف وعماد شبيب وبهاء شبيب وصالح عماش وتم تحذير بقية أعضاء المكتب العسكري من الحضور إلى دار طالب شبيب. حيث كان المفروض أن يتم حضور [... كل أعضاء المكتب العسكري بمن فيهم الضباط المقترحون لعضوية المجلس الوطني كالعلكاوي ونصرت وكنت أنتظر مساء اليوم نفسه عودة بهاء من اجتماع لجان الانذار في الأعظمية وأخي الملازم عماد شبيب ... ].
في الوقت ذاته استمر الأعضاء الطلقاء يواصلون خطتهم والإسراع في تنفيذها. وكان آخر اجتماع لهم قد تم في يوم 7 شباط، حيث وزعت المهام وهيأت قيادة فرع بغداد لحزب البعث الأسلحة لتوزيعها على بعض الحزبيين المختارين من مدنيين وضباط متقاعدين.